يقف متفرجا.. لماذا لم يدعم حزب الله اللبناني حماس في حربها ضد إسرائيل؟

بدأ حزب الله يسجل حضوره في المواجهة الدائرة بين حركة حماس الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، عبر السماح لمقاومين فلسطينيين بالتسلل لمناطق الحدود، وإجراء قصف “محدود” ردا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان.

وكان من الواضح أن عمليات التسلل الفلسطينية في جنوب لبنان، وقصف حزب الله الجبهة الشمالية لإسرائيل، محاولة لتخفيف الضغط عن غزة التي بدأت تتعرض لأعمال انتقامية ردا على هزيمة تل أبيب في “طوفان الأقصى”.

لكن، تحرك حزب الله المحدود، وتركه الفصائل الفلسطينية تقوم بعمليات تسلل واشتباك قصير مع العدو، لا يشير لنيته الدخول في حرب موسعة في نهاية المطاف، كما تشير تقارير إسرائيلية وغربية.

محللون رأوا أن قيام الحزب بعمليات قصف خفيفة لإسرائيل، محاولة لإثبات حضوره في هذه المواجهة لإرباك الاحتلال، وردت عليها إسرائيل بعنف خشية أن يخدعها الحزب كما فعلت حماس ويقوم بهجوم شامل، قد يقود لتوسيع المواجهة.

تبدو مواقفه حتى الآن كأنه يريد “تسجيل حضوره” فقط وحفظ ماء الوجه، كقوة مقاومة، عبر إطلاق قذائف وصواريخ أو السماح لفلسطينيين بالقيام بعمليات تسلل عبر الحدود، دون أن يتورط في حرب غزة بشكل مباشر.

وجاء رد حزب الله ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها منذ 2005 مع إسرائيل، ما دعا محللين لاعتبار أن رده “يأتي في سياق الرد المعنوي ليس أكثر”.

ربما يكون موقف حزب الله بالتدخل “الشكلي” وعلى طريقة تسجيل الحضور دون المشاركة الفعلية، ناتج عن تهديدات أميركية عسكرية بالتدخل بجانب إسرائيل لو تدخلت “أطراف أخرى”، وإرسالها أقوى حاملة طائرات لديها لحماية إسرائيل.

وقد يكون مرتبطا بمصالح إيران في عدم التصعيد مع أميركا وأوروبا، في ضوء عملية تبادل الأسرى الأميركيين والإيرانيين، وترقب التوصل لاتفاق نووي جديد، وطمأنة أميركا لإيران أنها لن تشارك بقوات برية في دعم إسرائيل.

وقال متحدث باسم البيت الأبيض، في 10 أكتوبر/تشرين أول 2023، إن واشنطن ليس لديها أي نية لنشر قوات عسكرية على الأرض في أعقاب هجمات حماس على إسرائيل، لكنها ستحمي المصالح الأميركية في المنطقة.

ماذا جرى في الجنوب؟

جاء التصعيد على جبهة الشمال الإسرائيلي في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” التي بدأتها حركة حماس الفلسطينية في 7 أكتوبر، وسط قلق صهيوني من فتح جبهة ثانية وتوسيع المواجهات مع “حزب الله”، بعد حماس.

بدأ بسماح حزب الله لفلسطينيين من حركة الجهاد الإسلامي بفتح جبهة في جنوب لبنان ضد إسرائيل لتشتيت تركيز الاحتلال على غزة، قاموا بعملية تسلسل وإطلاق نار وقتلوا ضابطا إسرائيليا وأصابوا آخرين وقُتل منهم اثنان.

وأعلنت حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية، مسؤوليتها وقال جيش الاحتلال، إنه “قتل مسلحين اجتازوا الحدود من لبنان”، وتحدثت القناة “12” العبرية عن إصابة 3 جنود إسرائيليين ثم أكدت مقتل ضابط.

اكتفي حزب الله بتسجيل حضوره، بصفته القوة السياسية والعسكرية البارزة في لبنان، بأن أطلق يوم 8 أكتوبر عددا من قذائف المدفعية والصواريخ الموجهة على ثلاثة مواقع إسرائيلية في منطقة مزارع شبعا المتنازع عليها.

ورد الجيش الإسرائيلي بقصف آخر “محسوب” لخيمة نصبها حزب الله في مزارع شبعا قبل أشهر، طالبت إسرائيل بإزالتها سابقا، عبر طائرة مسيرة.

بعدما اقتصرت رسالة حزب الله الصاروخية على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وردت قوات الاحتلال على مناطق مفتوحة، أظهر ذلك رغبة من الطرفين في عدم فتح جبهة جديدة.

وردت المروحيات الإسرائيلية مجددا بشن غارة جوية بالقرب من الحدود مع لبنان، ولحقت أضرار بالعديد من المنازل والمتاجر، وفر بعض السكان المحليين إلى مدينة صيدا، على بعد حوالي 60 كيلومترا من الحدود، وفقًا للوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية.

ورد حزب الله مجددا بفيديو دعائي استهدف فيه دبابة إسرائيلية من نوع “زيلدا” عند موقع الصدح غرب بلدة صلحا (مستوطنة أفيفيم)، وقالت إسرائيل أنه لا توجد اصابات، وعاد الهدوء.

أميركا تهدد حزب الله

عقب بدء طوفان الأقصى، أكد الرئيس الايراني “إبراهيم رئيسي”، أن المعادلة تغيرت والحرب ليست في صالح الصهاينة، وهدد بأن حزب الله سيتدخل لو غزت اسرائيل غزة بريا.

ردت واشنطن بإرسال “رسائل” تهديد واضحة لإيران وحزب الله، تشير لأنها ستتدخل عسكريا لصالح إسرائيل، إذا تدخل حزب الله في الحرب، وذلك عبر إرسال حاملة طائرات صوب إسرائيل، هي “يو إس إس فورد” أكبر قوة فتاكة بالعالم!

ثم أكد البيت الأبيض في 11 أكتوبر، أن الولايات المتحدة مستعدة لإرسال حاملة طائرات ثانية لإسرائيل “لردع أطراف إقليمية” عن الانخراط في الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، بحسب “وكالة الأنباء الفرنسية”.

قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، إنه كان مقررا قبل هجوم حماس على إسرائيل، أن تبحر حاملة الطائرات “يو إس إس دوايت آيزنهاور” نحو البحر الأبيض المتوسط، ويمكن “إذا اقتضى الأمر” توجيهها إلى شرق المتوسط للالتحاق بحاملة الطائرات “جيرالد فورد”.

الرسائل الأميركية بإرسال حاملتي طائرات، كان من المفترض أن تكون حافزا ومبررا لإيران وحزب الله بعدم التدخل، لكن استمرار اسرائيل في قصف جنوب لبنان واظهار عنتريتها بعدما حظيت بغطاء أميركا، دفع حزب الله للرد على هجماتها.

توقع أن يقتصر حزب الله على مواصلة الاستفزازات فقط على الأرجح، لكنه قال إن هذه التقديرات، يمكن أن تكون كاذبة، بعدما تعلمناه من تجربة حماس التي خدعتنا بأنها لن تحارب ثم هاجمتنا!

ينوي أم لا؟

مرت 17 سنة على حرب لبنان عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله، ورغم تهديد هجوم حماس على إسرائيل وما تلاه من أحداث على الحدود الإسرائيلية اللبنانية بالخروج عن نطاق السيطرة، وجعل الجانبين أقرب إلى الحرب، إلا أن خبراء وتقارير صحفية تستبعد ذلك.

في تحليله للتهديد المتزايد، بفتح حزب الله جبهة ثانية في شمال إسرائيل، يري المحلل الإسرائيلي عاموس هرئيل بصحيفة “هآرتس” في 10 أكتوبر أنه “من الواضح أن حزب الله يفكر في الانضمام إلى الصراع وتأجيج المنطقة”.

لكنه قال إن الجيش الإسرائيلي يعمل على لجم حزب الله وعدم إعطائه فرصه للتصعيد، وفتح جبهة ثانية، وتدعمه أميركا والتعبئة العسكرية الإسرائيلية.

الضابط الإسرائيلي السابق “نداف بولاك” والمحاضر حاليا في شؤون الشرق الأوسط في جامعة رايخمان والباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، يري أيضا أن “حزب الله لن يدخل في حرب شاملة مع إسرائيل”.

ويرى هؤلاء المحللون أن حزب الله يحاول التغطية على ضعف رده بتصريحات شديدة لقيادته ومسؤوليه بالإضافة إلى التركيز على تضخيم رد فعله على إسرائيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي. 

ويشير تقرير ميداني لقناة “الحرة” الأميركية في 10 أكتوبر، أنه رغم معالم “الابتهاج” التي أظهرتها فئات شعبية والمسيرات الداعمة التي جابت بعض المناطق اللبنانية تأييدا لهجوم حماس، هناك حالة خشية لدى اللبنانيين من الحرب والتهجير.

مقالات ذات صلة