
وسط جدل شرعي وصحي.. هل تحل “اللحوم المستزرعة” أزمة الغذاء العالمية؟
جدل لا يتوقف منذ إعلان إدارة الغذاء والدواء الأميركية في مارس/آذار 2023 أن اللحوم المستزرعة في المختبر أو ما يطلق عليها “اللحوم المستنبتة معمليا”، آمنة وقابلة للأكل، وتأكيد دراسات علمية أن تكاليف “استزراع” هذه اللحوم تنخفض سنويا.
ولم يقتصر الجدل على مناقشة الفارق بين اللحوم المستزرعة، والعادية من الحيوانات المذبوحة، ولا تأثيرها على حل أزمة الغذاء العالمي رغم ارتفاع أسعارها بسبب طريقة إنتاجها العلمية المعقدة، ولكن دار جدال ديني حولها أيضا.
والسبب أن أول فتوى من نوعها بشأن إمكانية استخدام اللحوم المستزرعة، قد تؤثر على الطريقة التي يتناول بها مليارات البشر اللحم في المستقبل، في ظل تزايد إقبال العالم على المنتجات الحلال.
ويقول خبراء إنه يمكن أن تصبح اللحوم المستزرعة في المختبر بأسعار معقولة، بل ربما أكثر من أسعار لحوم حيوانات المزارع التقليدية، بسبب استمرار تطوير المختبرات وتخفيض أثمانها.
وتمثّل اللحوم المستزرعة في المختبرات مصدر البروتين الحيواني الذي يتوقّع العلماء أن يعتمد عليه البشر في غذائهم مستقبلا.
عملية الزراعة
ومع تزايد التحذيرات الدولية من أزمات غذاء قادمة أشد ونشر الأمم المتحدة تقريرا في أكتوبر/تشرين الأول 2022 يشير إلى “تهديدات غير مسبوقة تواجه الأمن الغذائي العالمي بسبب النزاعات والحروب”، بدأت تتكشف حقائق عن دور “بارونات الغذاء” في صورة سلاسل توريد وتوزيع الغذاء العالمية وبراءات اختراع الطعام.
وأيضا دور هذه البارونات في تفاقم الأزمة أكثر، بسبب احتكارهم توزيع وإنتاج الغذاء، وسط تساؤلات حول إمكانية مواجهة هذه السلاسل الاحتكارية لـ”اللحوم المستزرعة”.
وسبق أن كشفت منظمة “مجموعة إي تي سي” (للعدالة البيئية)، عن سيطرة 4-6 شركات ضخمة على معظم سلاسل الغذاء العالمية ما يضع الأمن الغذائي العالمي في خطر بسبب “هذا الوضع الاحتكاري”.
وقالت المنظمة الأهلية في تقرير نشرته في 7 سبتمبر/أيلول 2022 إنه “مثلما تسيطر شركات محدودة على عملية توفير الطعام وإنتاجه بدعاوي الملكية الفكرية، يسيطر عدد محدود آخر من الشركات العملاقة على سلاسل توزيع الغذاء العالمية، ما يجعل العالم تحت رحمة نوع جديد من المحتكرين أو “بارونات الغذاء”.
ويعد استزراع اللحوم في المختبر عملية مختلفة عن النمو الطبيعي للحيوانات، لكن المنتج النهائي للعمليتين يكون متطابقا تقريبا من الناحية البيولوجية.
وتتضمن عملية زراعة اللحوم أخذ الخلايا الجذعية التي لديها القدرة على النمو، من حيوان حي وتنميتها داخل مفاعلات حيوية.
أي زرع خلايا جذعية ذاتية التجدد مأخوذة بإبرة دقيقة من عضلات الحيوان، وتغذيتها على مصل غني باحتياجات نموها، فتتكاثر وتتضاعف أعدادها، ويتم نسجها على هياكل بالغة الدقة لتحاكي شكل الألياف العضلية للحم الحيواني.
ويشرح مدير العلاقات في شركة لإنتاج اللحوم المستزرعة معمليا، ديفيد كاي، طريقة الزراعة قائلا: نضع هذه الخلايا في خزان كبير من الفولاذ المقاوم للصدأ، ثم نزوّد الخلايا بالعناصر الغذائية التي تحتاجها للنمو والتكاثر.
وبعدما يصل اللحم إلى الحجم المطلوب، يتم حصاد المنتج كأنه زرع اكتمل نضوجه، ومعالجته بأي شكل يرغب المصنعون في بيعه.
وتقول مديرة الإعلام والاتصالات في معهد مهتم بـ”تطوير البروتين البديل”، مايا كيري، إن “استزراع اللحوم يتم بالطريقة العملية البيولوجية نفسها التي تحدث داخل الحيوان من خلال توفير الدفء والعناصر الأساسية اللازمة لبناء العضلات والدهون”.
مفيدة أم ضارة
ورغم ترويج علماء الشركات الأميركية لسلامة هذه اللحوم، كشف باحثون بجامعة “كاليفورنيا ديفيز”، أن “اللحوم المستزرعة في المختبر، والتي يتم إنتاجها عن طريق زراعة الخلايا الحيوانية، أسوأ بما يصل إلى 25 مرة بالنسبة للمناخ من اللحم البقري”.
وقال الباحثون في “الدراسة” التي نشروها في 21 أبريل 2023 إن “تقنيات إنتاج اللحوم المستزرعة في المختبر الحالية قد يؤدي إلى زيادة انبعاثات غازات الدفيئة بنحو 25 ضعفا مقارنة بوسائل إنتاج اللحوم التقليدية، الأمر الذي يخالف تماما الهدف من زراعة تلك اللحوم”.
وأشارت الدراسة إلى أن “الانبعاثات الناتجة عن إنتاج اللحوم بالطرق التقليدية تتراوح بين 9.6 و432 كيلوغراما من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلوغرام من اللحوم المنتجة”.
أيضا تشكك عضو مركز سلامة الأغذية الأميركي، آشلي كيتشنز، في سلامة هذه اللحوم.
وأشارت إلى أن “اللحوم المستزرعة في المختبر لا تحتوي على جهاز مناعي يعمل بشكل كامل (مثل الحيوان الطبيعي)، لذا يعتقد أنها أكثر عرضة للتلوث”.
وهو ما يعني أن هذه اللحوم المستزرعة “من المرجح أن تؤدي إلى عدد أقل من الأمراض التي تنتقل عن طريق الأغذية، لأن العديد من الأمراض التي يواجهها البشر مصدرها الحيوانات، ويمكن أن تقدم زراعة اللحوم في المختبر حلا آمنا”.
لكن تقارير إعلامية ترى أن “التحدي لا يزال هو ارتفاع سعر استزراع اللحوم عن نظيرتها الطبيعية”.
وفي 21 يونيو 2023، أعطت وزارة الزراعة الأميركية الضوء الأخضر إلى شركتين شهيرتين، لبيع الدجاج المصنوع من الخلايا الحيوانية، وهي شركات كانت تتنافس لتكون الأولى أميركيا لبيع اللحوم “المستزرعة بالخلايا” أو “المستزرعة”.
رأي الشريعة
فور الإعلان عن فكرة استزراع اللحوم في المعامل من الخلايا الجذعية للحيوانات، أثير جدل فقهي حولها وهل هي حلال أم لا تصلح للأكل شرعا.
كان الرأي المعلن من غالبية العلماء هو حِل اللحوم المستزعة بدون تربية الحيوانات أو ذبحها، ولكن بشروط وإذا استوفت عملية الإنتاج معايير معينة، دون التوصل إلى إجابة قاطعة لهذه المسألة الفقهية.
“وكالة الأنباء الفرنسية” نقلت في 11 سبتمبر/أيلول 2023 عن بيان لشركة “إيت جست” الأميركية، أن مجموعة من كبار العلماء المسلمين أفادوا للشركة بأنه من الممكن أن تكون هذه اللحوم المصنوعة من الخلايا “حلال”، إذا استوفت عملية الإنتاج معايير معينة، دون تحديد ماهية هذه المعايير.
وخلص العلماء إلى أن اللحوم المستزرعة يمكن أن تكون حلالا وفقا لأربعة شروط، أولها “استخلاص سلالة الخلايا من حيوان مباح أكله، مثل الدجاج أو البقر”.
وثانيها أن يكون ذبح الحيوان الذي تُستخلص منه سلالة الخلايا وفقا للشريعة الإسلامية.
وثالثها، أن تكون المواد الغذائية المغذية للخلايا مباح أكلها، وألا تتضمن أي مواد محظور أكلها، مثل الدم المسكوب أو الكحول أو المواد المستخرجة من الحيوانات غير المذبوحة بالطريقة الصحيحة أو الخنازير
ورابعا، أن تكون اللحوم المستزرعة صالحة للأكل وألا تُشكل أي ضرر على صحة البشر، ويتم تأكيد هذا الأمر عن طريق الاستعانة بالمتخصصين، مثل هيئة الرقابة على الأغذية في الدول المختلفة.
وتركز أكثر من 150 شركة على اللحوم المستخرجة من الخلايا، ليس فقط من الدجاج ولكن أيضا لحم الخنزير والضأن والأسماك ولحم البقر، بحسب وكالة “أسوشييتد برس” في 22 يونيو 2023، ويقول العلماء إنها “تكون حراما لو ثبت أنها مستزرعة من خلايا خنزير”.
ويبلغ حجم سوق اللحوم العالمي حاليا نحو ألف مليار دولار سنويا، وفقا لتقديرات شركة الاستشارات “كيرني”.
خلاف فقهي
لهذا سعت شركة “إيت جست” المتخصصة في الأغذية المستحدثة، مثل بدائل الألبان والبيض واللحوم المستزرعة في المختبرات، لاستصدار فتوى من ثلاثة من علماء السعودية.
وأفاد العلماء الثلاثة، الشركة بـ”حِل” اللحوم المصنوعة من الخلايا، دون تربية الحيوانات أو ذبحها، شرعا، إذا استوفت عملية الإنتاج معايير معينة.
وهم الشيخ عبد الله المانع، والشيخ عبد الله المطلق، والشيخ سعد الشثري، وجميعهم أعضاء في هيئة كبار العلماء في السعودية ومستشارون في الديوان الملكي السعودي.