Uncategorized

هموم سورية بالمقلوب!

الوطن هو حيث يكون المرء في دَعَة وسعادة وأمان وهو الذي يحافظ على أبنائه ويهتم بهم ويسعى لإسعادهم، لا من يقوم على تشريدهم وتخريب بيوتهم وإذلالهم وإفقارهم وزجّهم في السجون.

بقلم: عبدالكريم البليخ

أصغيت إلى حوار موسّع عبر الإذاعة السورية الرسمية كانت تديره شابة في عمر الورود، وتتعامل بكل لطف مع الإخوة المتصلين بالبرنامج، الذي يُبث يوميا، من خلال الرد على تساؤلاتهم عن الواقع المعيشي والخدمي الذي صار حديث الناس في كل مكان.

وتطرق البرنامج، الذي حمل هموم المواطن السوري، وما أكثرها، الوقوف على معاناته المتجذّرة التي يعاني منها اليوم نتيجة الوضع الاقتصادي المتأزّم الذي يعيشه أهلنا هناك، وكان محط تساؤلات الجميع ممن كان يستمع إليه ويتابعه.

ومن ضمن ما كنا نستمع في ما جاء في البرنامج الصباحي، ما كان يجري على الساحة السورية من معاناة وحرمان، ونقص للكثير من الاحتياجات الضرورية للمواطن “المعتّر”، ومن أهمها مشكلة تقنين الخبز المدعوم وتوزيعه حصريا بواسطة البطاقة الذكية، حيث حدّدت بموجبها عدد الأرغفة المستحقة للشخص الواحد حسب شرائح معدّة مسبقا.

وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أصدرت قرارا بالآلية الجديدة التي تقوم على تقسيم الأسر إلى شرائح حسب عدد الأفراد فيها، وحسب القرار الصادر، حيث يحق للشخص الواحد ربطة واحدة كل 3 أيام (الربطة 7 أرغفة)، وبمعدل رغيفين وثلث الرغيف يوميا. كذلك بالنسبة إلى الأسرة ناهيك عن مشكلة المازوت وتحديد الكمية الموزعة للمواطن إلى خمسين لترا. أضف إلى ما يعانيه المواطن من مشكلة متأزّمة في الكهرباء وغيابها شبه الدائم، وكذلك الانقطاع المستمر للمياه، وما على المواطن سوى الاتصال بمقدمة البرنامج، وما عليها سوى الرد عليه وبكل سذاجة.

البرنامج يدفع المواطن البسيط بأن يلزمه على طرح ما هو كذبة. كذبة كبيرة حسب ظنهم على أن أحوالهم المعيشية بخير، وأن المواطن يعيش في بحبوحة، وأن المواد متوافرة وبأسعار مقبولة نسبيا.. إلا أن الواقع، وللأسف، عكس ذلك تماما، وما على المواطن الذي يتحمّل المنغصات سوى أن يطرح على المذيعة سؤاله، ورغبته في تأمين ما يطلب، إلا أّنّ الواقع شيء والنقاش الذي دار في البرنامج الإذاعي شيء آخر. كل ذلك مرسوم بعناية فائقة بهدف إرضاء المواطن الذي صار يعاني الأمرّين، وأخيرا ما عليه إلا أن تقوم مقدمة البرنامج بتلبية طلبه المتواضع بالاستماع إلى أغنية يختارها بنفسه، وعندها يتوقف الحديث معه، والانتقال من ثم إلى متصل آخر وهكذا عارضا المشكلة ذاتها، واستبعاد الحلول التي ظلّت معلّقة وعصية عن الحل الذي يبحث عنه المواطن، بالضحك على اللحى، ووخزه بإبرة “بنج”، لجهة إرضاء مذاقه ولا ترضي حاجته الميؤوس منها، وحاجة أولاده في ظل وضع مأساوي لا يزال الجميع يُعاني منه.

نقول هذا الكلام، ونتألم في الوقت نفسه، جرّاء هذه المعاناة التي تحمّل تبعتها للمواطن في كافة المدن السورية، وفي ظل حكومة لا تهمّها سوى مصلحتها قبل كل شيء، وإرضاء المتنفّذين القريبين من السلطة الذين لا يهمّهم سوى إملاء جيوبهم والبحث عمّا يرضيهم ويعزّز مكانتهم المالية والوظيفية، وهذه حالهم!

هناك العديد من الصور السلبية التي ترافق عمل الحكومة الحالية التي تدير البلد، وهذه الصور في الواقع يَلزمها بتر من جذورها، وأوّلها أنّه ما دامت وزارة الاتصالات غير قادرة على زيادة بوابات الإنترنت لمشتركيها في المحافظات فإنه من الأفضل إنهاء دورها، ووقف عملها بصورة نهائية، لأنها لا تستطيع خدمة المواطن وتلبية رغباته، وبالتالي لم تعد لها ضرورة.

والحال كذلك ينطبق على وزارة التجارة وحماية المستهلك، فهي الأخرى غير قادرة على لجم الأسعار، وتوفير السلع والمواد الأساسية للمواطن.

وكذلك الحال بالنسبة إلى وزارة الداخلية التي تقف متفرجة حيال السرقات التي تحدث في البلد، وهي غير قادرة على الحد منها. ومثالها السيارات الخاصة التي تسرق من أمام البيوت، ويطالب المواطن أيضا بمنح تسهيل جوازات السفر بعيدا عن ابتزازه وإذلاله، والعمل على دفعه مبالغ لا يتقبلها عقل.

والكثير غيرها من الملاحظات التي تدخل في اختصاص بقية الوزارات الحكومية التي لم يعد لها أي حضور نتيجة الإهمال والتقاعس الذي يعيشه العاملون فيها.

ومن بين ما قرأت على صفحة أحد الفنانين السوريين المعروفين في فيسبوك منشور يشرح واقع الكهرباء في دمشق وغيابها لأربع ساعات وإن حضرت فإنها بالكاد أن تصل إلى ربع ساعة.

ويتساءل ناشر البوست: ماذا عسانا نفعل بهذه الفترة القصيرة جدا؟ كيف يمكن أن نعيش ونتدبر حالنا؟ إننا نموت جوعا وقهرا. احتياجاتنا كثيرة.

أظن أنّ الكثيرين سبق أن قرأوا البوست المنشور، ورغم ذلك بالتأكيد لن نسلم من رد المستفيدين من حكومة ظالمة تعيش في المجهول، وكل ما يهمها امتلاء جيوبها باليورو والدولار على حساب الناس التي تعيش الفقر والحاجة بكل أشكالها. ويناشدك البعض عن الوطن ووجوب الدفاع عنه وحمايته. أقول:

الوطن، برأيي، هو حيث يكون المرء في دَعَة وسعادة وهناء وأمان، وهو الذي يحافظ على أبنائه ويرعاهم ويهتم بهم، ويسعى لإسعادهم، لا من يقوم على تشريدهم وتخريب بيوتهم وإذلالهم وإفقارهم وزجّهم في السجون وملاحقتهم واعتقالهم لأي سبب تافه.

القيادة السورية الحكيمة هي من تخلت عن أبنائها وعاملتهم بقسوة وحرمتهم من أبسط مقومات العيش الكريم.

نقول هذا الكلام البسيط الذي يعرفه معنا أهلٌ في سوريا ونحن منهم، وطبيعي أنَّ ما نقوله لن يرضي الكثير من المستفيدين من أبناء الوطن الذين يدافعون عن لصوصه الذين أوصلوه إلى الهاوية! فلماذا نكذب على أنفسنا وندافع عن الظلم، وعن واقع معيشي، يعيشه أهلنا في الداخل السوري. قهر حقيقي بات يئنُّ منه جميع من يعيش على ثرى الوطن.

لفتني قرار صادر عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي يتضمن نقل وتعيين أحد العاملين لديها بدرجة دكتور في الهندسة الزراعية، وظيفة مدرس متمرن بكلية الهندسة الزراعية بجامعة الفرات، بأجر شهري قدره 156470 ليرة سورية، بما يعادله حوالي 24 دولارا!

هذا الأجر الممنوح، وبكل تفاخر، من قبل وزارة التعليم العالي لمرتبة علمية، بوظيفة مدرس بالجامعة المشار إليها لا يساوي شيئا لشاغل هذه الوظيفة التي يحاول الكثير من الخريجين الجري خلفها، والتي يعجز القلم صراحة عن الوقوف على هذا القرار الصادر بحق قامة علمية أيا كانت مكانتها، ولمن تعود؟

بربكم، كيف يمكن في هذا الوقت أن يصل راتب دكتور مدرس ضئيل جدا وهو غير قادر في حال دفعه لقاء إيجار بيت سكن يأويه، فضلا عما يُطلب منه حيال أسرته وحاجتها إلى الكثير من المتطلبات؟ وهل بهذا الراتب الزهيد قادر أن يؤمّن بعضا من كثير من متطلبات لها أول وليس لها آخر..

لماذا وصل راتب المدرس إلى هذه الحال التي عليها اليوم؟ ألا يجدر بنا أن نتفهم واقع الراتب الشهري في سوريا، والانحدار المرعب لليرة السورية؟ في حال أجرينا مقارنة مع أحد المدرسين، فإن راتب خرّيج حديث العهد يتجاوز ما يحصل عليه مدرس، بمرتبة دكتور، هل هذا معقول؟

أكثر من  30 في المئة من الأدوية المفقودة في سوريا توافرت بعد رفع أسعارها في السوق المحلية!

وقبل قرار رفع الأسعار، أعلن عن صيدليات متعاقدة مع التأمين الصحي تقوم ببيع الأدوية بأسعار زائدة، وتمتنع عن صرف الوصفات الطبية بذريعة عدم توافر الأدوية المشار إليها في الوصفة الطبية.

وتظل مشكلة الأدوية المستوردة قائمة، وبصورة خاصة بالنسبة إلى حليب الأطفال المستورد، أمام عملية الاستيراد وتحويل القطع الأجنبي وآليات التسعير، في حين أنَّ قرار رفع أسعار الأدوية أثار جدلا واسعا في الشارع السوري، حيث جاء ليزيد من معاناة المواطنين المعيشية ويهدد صحتهم وحياتهم بسبب عدم امتلاكهم ثمن الدواء، في حين يطالب أصحاب معامل الأدوية باستمرار رفع الأسعار بما يتناسب مع تكاليف الإنتاج.

ما نفّذ، وما ينفّذ اليوم في سوريا من مشاريع خدمية سواء أكانت صغيرة أم عملاقة، فإنّ ما يزيد عن الــ80 منها تنفّذ بسوية أدنى على حساب المشروع، ما يُلجئ المتعهد بإعادة صيانته مرات ومرات، إذا لم يتعرض إلى الهبوط، وإصابته بشروخ تهدده بالسقوط.

في سوريا، وللأسف، مازلنا نعاني من غياب الضمير لدى أغلب المتعهدين الذين ينفّذون المشاريع التي تلزّم إليهم، والأهم من هذا وذاك الإفادة من المشروع الذي يقوم على إنجازه، ولا يهمّ إن كان يَخدم الناس أم لا، فالأولى هو إعمار جيوب المسؤول وما يليه، وهذا ما يبحث عنه المسؤول أيّا كان للحفاظ على كرسيه، واستمراريته في المكان الذي يبيض ذهباً!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى