هل يوجهان الصين وروسيا الضربة القاضية للدولار

لأكثر من عقد من الزمان، حاولت بكين تقليل اعتمادها على الدولار، مدفوعة بالمخاطر الناشئة عن الاقتصاد الأميركي – مثل الانهيار المالي لعام 2008 – والرغبة في تعزيز مجال نفوذه، لكن في العام الماضي، برزت حملة لعزل الاقتصاد الصيني عن العقوبات القائمة على الدولار باعتبارها ربما أهم حافز للانفصال عن العملة الأميركية، وبخاصة مع استعداد بكين لاحتمال نشوب صراع مع تايوان، مما يهدد بفرض عقوبات أميركية وأوروبية على البلاد.

بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، كانت إحدى أقوى الأدوات لإلحاق الضرر الاقتصادي بموسكو بشكل أساسي هي قطع البلاد عن المعاملات القائمة على الدولار الأميركي، مما حد من قدرتها على التجارة مع الدول الأخرى، لكن بالإضافة إلى معاقبة الكرملين، كان هناك فائز غير مقصود من نظام العقوبات الغربي وهو اليوان الصيني، ففي العام الماضي، ارتفعت حصة الواردات الروسية المدفوعة باليوان من 4 في المئة إلى 23 في المئة في فبراير (شباط)، كما تجاوز اليوان، الدولار باعتباره العملة الأكثر تداولاً في بورصة موسكو للمرة الأولى في تاريخها.

يرى محللون أن دفع الصين لتعزيز تدويل عملتها سبق الحرب في أوكرانيا، فعلى رغم أن اليوان لا يزال بعيداً من الدولار من حيث النشاط العالمي، إلا أن حصته ارتفعت إلى أكثر من الضعف في سوق تمويل التجارة، بين مارس (آذار) 2021 ومارس 2023، وفقاً لبيانات جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك “سويفت”.

وتشجع الصين الدول الأخرى على اعتماد اليوان في المعاملات الدولية، حيث توصلت الأرجنتين والبرازيل أخيراً إلى اتفاقيات لدفع قيمة الواردات الصينية باليوان بدلاً من الدولار الأميركي.

“مركز ويلسون”، وهو مركز أبحاث دانيال ماكدويل لصحيفة “الغارديان”، “حتى الآن، فإن الاستخدام الدولي لليوان الصيني كعملة للدفع قد أشرك الصين بشكل أساسي كأحد طرفي الصفقة… للقيام بأعمال تجارية مع روسيا، ليس لدى الشركاء الأجانب بدائل فعلية وبالتالي سيتعين عليهم التفكير في استخدام عملات دفع أقل تقليدية، مثل العملة الصينية والروبل الروسي”.

لا ترغب بكين في الاعتماد على استخدام الدولار للواردات الأساسية، في خطوة أساسية لضمان أمن الطاقة في البلاد، وفي مقال نُشر العام الماضي، كتب كبير الاقتصاديين في شركة “تشاينا إنيرجي” المملوكة للدولة، شو جين، أن الصين “يجب أن تعمل بشكل أسرع لدفع تدويل الرنمينبي” من أجل حماية إمداداتها من الطاقة، في أعقاب العقوبات التي فرضت على روسيا.

وطورت الصين أيضاً بديلاً لـ”سويفت” بالإضافة إلى عملة رقمية “اليوان الرقمي”، في حين تعد هذه الابتكارات التكنولوجية أقل أهمية من العوامل السياسية التي تؤثر في شعبية اليوان الدولية، لكنها جزء من حملة بكين الواسعة لتحويل عملتها إلى بديل جذاب للدولار.

ترتبط حملة الانفصال عن الدولار أيضاً بوازع من الفخر الوطني، بحسب ما يشير تقرير حديث عن سعية للدولار الصين للاعتماد على الذات مالياً “لا يمكن للصين أن تدعي أنها قوة عظمى إذا استمرت في الاعتماد على الدولار في التجارة، والاقتراض الخارجي، وتسعير الطاقة والسلع” لكن بالنسبة لقادة الصين، فإن الدور الدولي الأكثر بروزاً لليوان يحتاج إلى الموازنة، مع تشديد قبضة الحزب على الأسواق المالية المحلية.

ينذر تدويل اليوان، بتخفيف سيطرة الحكومة على تدفقات رأس المال والسماح للسوق بلعب دور أكبر في تقييم العملة، والتي يرى فيها الحزب الشيوعي الصيني مخاطرة قد لا تكون على استعداد لتحملها، سواء على الصعيد السياسي أو الفلسفي، فالمبدأ المركزي لفلسفتها الاقتصادية هو أن الدولة يجب أن يكون لها دور بارز في الاقتصاد.

يقول الزميل البارز في مؤسسة “كارنيغي للسلام الدولي” ألكسندر جابوف “إنها ليست اليد الخفية، فالحزب يريد السيطرة على السوق، إنها اليد المرئية جداً لمنظمي الدولة، والدور الأكثر بروزاً لليوان في النظام المالي العالمي هو شيء جميل، لكن الاستقرار المالي المحلي هو أمر لا بد منه إذا كنت ترغب في الحفاظ على نشاط البلاد والبقاء في السلطة”.

مقالات ذات صلة