هل عودة الاستثمارات العربية إلى سوريا وهم أم ممكنة؟

فرضت “قمة جدة” 19 مايو (أيار) الحالي، تحولات واسعة وواقعاً جديداً، جاذبة ردود الأفعال والتحليلات والتقارير والتوقعات، عما يمكن أن ينتج عن هذه القمة التي أتت في خضم تقلبات عالمية وتوازنات تفرض نفسها بين الأقطاب الدوليين. يأتي ذلك في ظل ما تتحدث عنه مراكز الأبحاث عن انتهاء زمن الأحادية القطبية، وبعد الحرب الروسية- الأوكرانية، وصعود التنين الصيني والتململ الأوروبي من النفوذ والتبعية للولايات المتحدة و”اتفاق بكين” بين السعودية وإيران. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد لخص ما يجري بقوله، إن “العالم لم يعد كما كان”، وإن “زمن الهيمنة الأميركية وأحادية القطبية قد ولى”، خلال مشاركته في أعمال الدورة 25 لمنتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي، في يونيو (حزيران) 2022.
عربياً، شكلت عودة سوريا إلى الجامعة العربية، بعد 12 سنة من تعليق عضويتها، الحدث الأبرز. ففكت “قمة جدة” عزلة دمشق، مؤسسة لخريطة استراتيجية إقليمية عربية، لكن كيف ستؤثر مفاعيل هذه القمة اقتصادياً وفي إعادة إعمار سوريا؟ في ظل استعجال لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي إقرار مشروع قانون “مكافحة التطبيع مع الأسد لعام 2023″، وبأغلبية ساحقة، الذي يمنع الإدارات الأميركية من الاعتراف بأي حكومة يترأسها بشار الأسد، مما يعني توسيع العقوبات المفروضة على النظام بموجب قانون “قيصر”. أتى ذلك قبل أيام قليلة من انعقاد “قمة جدة”، مما اعتبر رسالة من الإدارة الأميركية مفادها أن واشنطن لن تدعم “التطبيع العربي” مع النظام السوري، وستعرقل تقديم الأموال العربية من خلال قانون “قيصر”. وفي حديث صحافي لمحمود برازي رئيس “التحالف الأميركي لأجل سوريا”، وهي المنظمة التي طرحت المشروع وشاركت في صياغته،
قال إن “المشرعين الأميركيين تقصدوا إقرار مشروع القانون قبل انعقاد القمة، لأن العادة درجت على ألا تجري مداولة أي مشروع قانون في مجلس النواب إلا بعد أشهر من طرحه، لكن في الحالة التي أمامنا نوقش المشروع بعد يومين من طرحه فقط، وسط دهشة الجميع”. علماً أنه وفي التاسع من فبراير (شباط) الماضي، أي بعد أيام من الزلزال المدمر في سوريا وتركيا، أعلنت الإدارة الأميركية تجميد العقوبات على دمشق لمدة ستة أشهر فقط، أي على المعاملات المتعلقة بتقديم المساعدات المتعلقة بالزلزال، على أن تنتهي هذه المهلة نهار الثامن من أغسطس (أب) 2023.
في السياق يرى مراقبون أن العقوبات الأميركية على سوريا قد تستمر إلى عقود، كما هو واقع الحال مع العقوبات المفروضة على كوبا وإيران وفنزويلا، وحديثاً على روسيا. ويشبه سياسي سوري في حديث سابق مع “اندبندنت عربية” الحصار الغربي والأميركي “بعصر الرقبة للمجتمع السوري، ما يؤثر في إمكانات الدولة السورية، وحتى المواطن السوري الذي يعيش في الخارج”.
وجد تقرير مشترك أعدته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) ومركز الدراسات السورية في جامعة سانت آندروز، بعنوان “سوريا: بعد ثماني سنوات من الحرب”، وذلك في سبتمبر (أيلول) 2020، أن سوريا تكبدت خسائر اقتصادية تقدر بنحو 442 مليار دولار خلال ثماني سنوات بسبب حرب أتت على الأخضر واليابس، وكلفت البلاد مكاسبها الاجتماعية والاقتصادية التي تحققت بشق الأنفس. ووجد التقرير أن مؤشر التنمية البشرية في الجمهورية العربية السورية شهد انخفاضاً حاداً من 0.64 عام 2010 إلى 0.549 عام 201 مما قلل من مكانته من مظلة البلدان ذات التنمية البشرية المتوسطة إلى البلدان ذات التنمية البشرية المنخفضة.
وكشف التقرير الذي غطى الفترة الواقعة بين 2011 و2019، أن 82 في المئة من الأضرار الناجمة عن الصراع تراكمت في سبعة من أكثر القطاعات كثافة في رأس المال: الإسكان والتعدين والنقل والأمن والتصنيع والكهرباء والصحة. وتقدر قيمة الدمار المادي لرأس المال بنحو 117.7 مليار دولار، والخسارة في الناتج المحلي الإجمالي بـ324.5 مليار دولار، مما يضع كلفة الاقتصاد الكلي للصراع عند نحو 442 مليار دولار. ويعرض التقرير في مقدمته أنه “أسفر النزاع الذي نشب منذ ما يناهز عقداً من الزمن عن تحول جذري في جميع نواحي حياة المجتمع السوري”،
وأن النزاع يفرض تحديات مستقبلية رهيبة سواء كانت في الإنتاج أو الاستثمار أو التنمية البشرية، مستشهداً ببيانات رسمية تفيد بأنه بحلول نهاية عام 2018، فقد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 54 في المئة من مستواه عام 2010. وفي ما يتعلق بالتبادل التجاري، يشير التقرير إلى أن الصادرات السورية شهدت انهياراً، من 8.7 مليار دولار عام 2010 إلى 0.7 مليار دولار عام 2018، مما تسبب في اضطرابات في الإنتاج وسلاسل التجارة.