مع تصاعد العنصرية ضدهم.. هل باتت قبرص الجنوبية وجهة غير جذابة للاجئين؟

باتت حكومة قبرص (الجنوبية) تنظر إلى مسألة الهجرة على أنها مهددة لتركيبة هذه الجزيرة الواقعة في مفترق طرق بين ثلاث قارات في البحر الأبيض المتوسط ويسكنها عدد كبير من طالبي اللجوء.

وأمام ذلك، لجأت الحكومة القبرصية اليونانية أخيرا إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد المهاجرين، بينها زيادة عمليات الصد والرفض لطلبات لجوئهم، بحسب منظمة “المجلس القبرصي للاجئين”، بعدما استقبلت أعدادا كبيرة منهم.

وتنظر الحكومة إلى أن قبرص هي في “خط المواجهة” على طريق الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط.

ويشكل طالبو اللجوء ستة بالمئة من سكان قبرص البالغ عددهم 915 ألف نسمة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وهي أعلى نسبة في بلدان الاتحاد الأوروبي.

وفي 15 سبتمبر/أيلول 2023، طلبت قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي من التكتل إعادة تقييم وضع سوريا، وإن كانت ما زالت غير آمنة وهل يمكن إعادة طالبي اللجوء إليها من عدمه؟

إجراءات مشددة

وعلى ضوء ذلك، قال وزير الداخلية القبرصي كونستانتينوس يوانو للصحافيين، إنه سيحاول إقناع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بإنهاء وضع سوريا كدولة غير آمنة لا يمكن إعادة اللاجئين إليها.

وأضاف يوانو بالقول: “إن الاتحاد ترك وضع سوريا من دون تغيير مدة 11 عاما، وهناك حاجة إلى مراجعة ذلك لأن بعض المناطق تعد فيها آمنة”.

وراح يقول: “هناك بالفعل منطقتان تعترف بهما وكالة اللجوء بالاتحاد الأوروبي (EUAA) على أنهما منطقتان آمنتان”.

وأردف: “لذا، يجب الآن أيضا الاعتراف بذلك على مستوى الاتحاد الأوروبي، مما يسمح لنا بترحيل الأشخاص أو إعادتهم إلى سوريا، وفي الوقت الحالي، لا يمكن لأي دولة أن تفعل ذلك”.

ولا تزال الأمم المتحدة تؤكد أن سوريا لا تزال بلدا غير آمن لعودة اللاجئين؛ بسبب الخشية من تعرضهم للقتل والتعذيب على يد أجهزة مخابرات نظام بشار الأسد.

وكشف الوزير يوانو، أن حكومة بلاده خفضت وصول المهاجرين غير النظاميين بنسبة 50 بالمئة بفضل عوامل خارجية وإجراءات محددة اتخذت.

وقال إن “المعلومات المتوافرة لدينا من السلطات في لبنان هي أن هناك زيادة في عدد السوريين الذين ينتقلون إلى بيروت. لبنان حاجز. إذا انهار، فستواجه أوروبا بأكملها مشكلة”.

وفي الأشهر الأخيرة، شهدت قبرص تدفق أعداد من طالبي اللجوء، معظمهم سوريون، يصلون عن طريق البحر بالقوارب من سوريا ولبنان.

موجة عنصرية

لكن مع ذلك، جاءت خطوة الحكومة في الجزيرة المتوسطية في أعقاب موجة من الهجمات ذات الدوافع العنصرية على الأجانب بقبرص وسط تزايد المشاعر المعادية للمهاجرين هناك.

وتعاني قبرص في الأعوام القليلة الماضية من تزايد للهجرة غير النظامية وارتفع عدد الوافدين إليها من البحر هذه الأيام، حيث سجلت عام 2022 أعلى عدد من طلبات اللجوء للمرة الأولى بالنسبة لعدد السكان على مستوى الاتحاد الأوروبي.

لكنها نجحت في خفض عدد طلبات اللجوء إلى 5866 في الفترة من مارس/آذار إلى أغسطس/آب 2023، مقابل 11961 في الفترة نفسها من عام 2022، وفقا لأرقام وزارة الداخلية.

وفي وقت تبرر قبرص بوجود صعوبة في التعامل مع زيادة أعداد طالبي اللجوء لديها، تؤكد جماعات مدافعة عن المهاجرين أن الجزيرة متخبطة في استجابتها، من ناحية رد فعل الحكومة المقلق على هذه الزيادة عبر التسامح مع الخطاب والسلوك المعادي لهم هناك.

وتشهد قبرص منذ سنوات تصاعدا في المشاعر المعادية للمهاجرين فضلا عن نمو للسلوك العدائي في المجتمع، وهو ما كان يقتصر في السابق على أعمال شغب في مباريات لكرة القدم أو بسبب سائحين مخمورين.

وأمام ذلك، تؤكد الجماعات المدافعة عن المهاجرين أن هذه المشاعر المعادية تتصاعد في قبرص، مشيرة إلى وقوع عدد من الحوادث عام 2023.

وقالت 14 جماعة في بيان مشترك في 29 أغسطس 2023 “نخشى أن يكون العدد المتزايد لهذه الحوادث وتعرض اللاجئين والمهاجرين لظروف هشة ناجما عن عدم وجود خطة دمج شاملة وإجراءات للاستجابة”.

وألقت الشرطة القبرصية القبض على 20 آخرين بعد موجة من أعمال العنف الذي تغذيه دوافع عنصرية ضد المهاجرين اندلعت نهاية أغسطس 2023 في غرب الجزيرة وامتدت إلى مدينة ليماسول الجنوبية.

ووقتها تعرضت واجهات متاجر مملوكة لمهاجرين للتحطيم من قبل ملثمين في ثاني أكبر مدينة بالجزيرة التي شهدت أيضا الاعتداء على سائقي توصيل آسيويين.

أحزاب معادية

ورجح بعض المراقبين أن يكون الملثمون منتمين لحزب الجبهة القومية الشعبية “إيلام” اليميني المتطرف، والذي وُلد في الأساس من حزب “الفجر الذهبي” المحسوب على النازيين الجدد في اليونان، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير لها بتاريخ 12 سبتمبر 2023.

وتمكن الحزب من استقطاب مؤيدين بخطابه المعادي للمهاجرين، وتجلى ذلك بحصول زعيمه كريستوس كريستو على 6 بالمئة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت في فبراير/شباط 2023.

وضمن هذا الإطار، يرى الأستاذ في سياسات الأحزاب الأوروبية في جامعة نيقوسيا يورغوس خارالامبوس، أنه “يمكن أن تُنسب أعمال العنف هذه أيضا إلى مجموعات يمينية متطرفة أصغر تتهم حزب (إيلام) بالتساهل مع مسألة الهجرة منذ تحقيق قاعدة شعبية مهمة”.

ويشير خارالامبوس في حديث لوكالة الأنباء الفرنسية في 12 سبتمبر 2023، إلى أن “خطاب الكراهية أصبح معمما وشائعا لدى مختلف مكونات الطيف السياسي، ما خلق مناخا مؤاتيا لهجمات منظمة تستهدف أعراقا معينة”.

وتشير إلى أن “اللغة المستخدمة في البيانات الرسمية، معادية للأجانب بوضوح”، ملقية باللوم خصوصا على التدابير غير المناسبة لا سيما تلك التي اتخذتها الحكومة القبرصية السابقة.

ويعزو الخبراء زيادة العنف تجاه اللاجئين إلى تفاقم رهاب الأجانب في السياسة ووسائل الإعلام القبرصية، ويغذيه انتشار المعلومات المضللة وسوء إدارة العدد الكبير من الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا عن طريق الجزيرة.

تشديد حكومي

وطبقت قبرص خطة الاتحاد الأوروبي لتقسيم أعباء اللاجئين التي سمحت لهم في الأشهر الأخيرة بإعادة توطين طالبي اللجوء في دول أخرى ضمن التكتل.

إذ بدأت قبرص في ديسمبر/كانون الأول 2022 توزيع أعداد صغيرة من طالبي اللجوء على الدول الأعضاء الأخرى التي وافقت على تقديم المساعدة، بما في ذلك فرنسا وألمانيا وبلغاريا ورومانيا.

كما قررت الحكومة القبرصية استبعاد المهاجرين الذين وصلوا بعد الأول من يناير/كانون الثاني 2023 من أهلية الانتقال إلى دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي.

وجاء في بيان لها “الهدف من هذه السياسة هو ألا يصبح إعادة التوطين نقطة جذب لمواطني دولة ثالثة معينة قد يستفيدون من البرنامج ويستخدمون قبرص كمحطة طريق إلى دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي”.

لكن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين شعرت بقلق بالغ في أغسطس 2023 إزاء عودة أكثر من 100 مواطن سوري من قبرص إلى لبنان دون فحصهم لتحديد ما إذا كانوا بحاجة إلى حماية قانونية، مبدية خشيتها من إعادتهم لوطنهم الذي دمرته الحرب.

وقال مكتب المفوضية في قبرص إن عمليات الترحيل والنقل بين الدول “دون ضمانات قانونية وإجرائية للأشخاص الذين قد يحتاجون إلى حماية دولية” تتعارض مع القانون الدولي والأوروبي.

ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية عن المفوضية قولها إن عمليات النقل هذه قد تؤدي إلى إعادة الأشخاص إلى بلد “قد يواجهون فيه خطر الاضطهاد والتعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وغيرها من الأضرار التي لا يمكن إصلاحها”.

مقالات ذات صلة