مظاهرات مليونية وخطابات شديدة اللهجة.. هكذا تعاملت تركيا مع “طوفان الأقصى”

مع انطلاق عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، توجهت جميع الأنظار إلى الحرب بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
إذ أعلنها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صراحة في أكثر من مناسبة أن الجيش الإسرائيلي سيستهدف حركة المقاومة الإسلامية حماس “بكل ما أوتي من قوة”.
ولقد دفعت عملية طوفان الأقصى التي هزت فيها حماس صورة إسرائيل- الكيان المحتل إلى تجريد نفسه من المعايير الإنسانية كافة والتحول صوب الحرب دون حسيب ولا رقيب، حيث قصف الاحتلالُ غزة بشكل وحشي عشوائي من البر والجو والبحر. وفي مقابل ذلك، انتفضت البشرية جمعاء في وجه الهجمات الإسرائيلية، حيث تجمعت شعوب العالم الحرة في ساحات بلدانها لوقف الاعتداءات الإسرائيلية وبينما نُظمت مظاهرات لدعم فلسطين، تعرض الاحتلال الإسرائيلي للترهيب والإدانة.
وفي الوقت الذي كان يتشكل فيه هذا السياق، شهدنا زعماء غربيين يسافرون إلى إسرائيل، أي إلى الأراضي المحتلة.
وقد أثار تصريح وزير الخارجية الأميركي بلينكن خلال زيارته لإسرائيل ردود فعل كبيرة، حيث قال: “أتيت إلى هنا كيهودي”.
التحركات التركية
وعقب بدء الحرب، ناقش الرئيس رجب طيب أردوغان الفظائع والجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة مع القادة والزعماء من جميع أنحاء العالم.
وأكد أردوغان أن “المذبحة يجب أن تنتهي بأسرع وقت ممكن”، كما شدد على دعمه لصوت فلسطين في الساحة الدولية.
شعبيا، نظم الشعب التركي مع بداية الحرب مسيرات لدعم فلسطين في جميع أنحاء البلاد، حيث تجمع آلاف الأشخاص أمام سفارات وقنصليات الكيان الصهيوني وطالبوا بطرد البعثات الإسرائيلية من البلاد.
بدوره، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين أنه استدعى دبلوماسييه من تركيا من أجل “إعادة تقييم العلاقات بين البلدين”. كذلك شرع المسؤولون الإسرائيليون في انتقاد موقف تركيا ودعمها لحماس.
ومن ناحية أخرى، صرح الرئيس أردوغان بأن تركيا تقف إلى جانب غزة، سواء عن طريق التحركات والاتصالات الدبلوماسية أو التصريحات.
وتسبب تصريح أردوغان هذا -خلال اجتماع نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان- في توجيه إسرائيل سهامها نحو أردوغان، حيث انتقد أردوغان الكيان الإسرائيلي بشدة، قائلا: “حماس ليست منظمة إرهابية، بل حركة تحرير تحمي أرضها”.
وأضاف: “يا إسرائيل، يمكن أن تكوني تنظيما لأن الغرب مدين لك بالكثير. لكن تركيا لا تدين لك بأي شيء. إن الغرب يرى حماس منظمة إرهابية”.
إجراءان حاسمان
كما أظهر الشعب التركي تعاطفا كبيرا في “تجمع فلسطين الكبير” الذي نظمه حزب العدالة والتنمية في 28 أكتوبر، وخرج الملايين من الشعب التركي إلى الشوارع لدعم فلسطين.
وحضر هذا التجمع كبار المسؤولين التنفيذيين من مختلف المدن التركية، وكان على رأسهم الرئيس أردوغان باعتباره المتحدث الوحيد. وقد حظي هذا التجمع باهتمام المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية من جميع أنحاء العالم.
وخلال خطابه في التجمع، قال الرئيس أردوغان: “نحن نقف إلى جانب غزة اليوم”. وأشار إلى أن “إسرائيل ترتكب جرائم حرب بشكل واضح”، معلنا أن تركيا “تعتزم تقديم إسرائيل للعالم باعتبارها مجرم حرب”.
وخلال التجمع الذي رُددت فيه شعارات تطالب بإرسال جنود أتراك إلى غزة، قال الرئيس التركي: “نحن في انتفاضة من أجل غزة”.
كما عبر أردوغان عن الارتباط العميق الذي يربط تركيا بالمنطقة العربية، حيث قال: “اليوم، يرى البعض أن غزة مكان بعيد للغاية لا علاقة لنا به، ولسوء الحظ يقولون ذلك علنا. لقد كانت غزة بالنسبة لهذه الأمة كما كانت أضنة بالنسبة لها”.
ماذا يقول الخبراء؟
وفي تحليله لموقف تركيا إزاء “طوفان الأقصى”، قال عبدالله أيدن، عضو هيئة التدريس في جامعة نيغدي: “وجدت تركيا نفسها في موقف غير متوقع بعد المستجدات التي أنتجتها عملية طوفان الأقصى”.
وأضاف : من الواضح أن الموقف الذي ظهر في اللحظة الأولى للعملية يختلف عن الموقف والخطاب في فترات لاحقة.
وأوضح قائلا: “حيث أبدت الحكومة في البداية موقفا أكثر تحفظا واتزانا، لكنها شددت فيما بعد موقفها ضد إسرائيل، بل وبدأت تؤكد مرارا وتكرارا على أن حماس ليست منظمة إرهابية”.
وتابع: لا يمكن القول إن دولة تركيا تحدد سياساتها من خلال السلطة الحاكمة فقط. لكنها تحدد سياساتها الداخلية والخارجية عبر أطر روتينية أحيانا، وغير روتينية أحيانا أخرى”.
أبعاد مهمة
وهنا يوضح أيدن أنه قد يكون هناك عدد من الأسباب الكامنة وراء الموقف الذي اتخذته تركيا، حيث يمكن القول إن المنظور التركي كان يعتمد على تشديد مواقفه تدريجيا. وذلك في إطار استحضار أنقرة ما أحدثته المواقف والتصريحات التركية المتشددة ضد الأحداث في سوريا ومصر من أضرار عميقة في العديد من المجالات بالنسبة لتركيا، باعتبارها دولة تعتمد في اقتصادها على التصدير إلى حد كبير.
كذلك يربط البعض بين الخطاب المتشدد ضد إسرائيل والانتخابات المحلية القادمة في تركيا، وواقعيا يفتقر هذا الأمر إلى أي إجراءات فعلية من قبل المعارضة.