مجلس الدولة الفرنسي ينظر في قرار حظر المظاهرات المناصرة للفلسطينيين

لا تنفك فرنسا بقيادة إيمانويل ماكرون عن إظهار وجهها الحقيقي المعادي للمسلمين، والموغل في الحقد عليهم، ضمن سلوك سياسي رسمي يتناقض مع شعار الحرية والمساواة التي تقول إنه إحدى ركائز جمهوريتها.
آخر مشاهد هذا التناقض، ما ظهر في تعامل باريس مع عملية “طوفان الأقصى”، التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية فجر 7 أكتوبر/تشرين أول 2023، وما أعقبها من جرائم وعدوان عسكري إسرائيلي على قطاع غزة أدى إلى استشهاد أكثر من 2750 فلسطينيا وإصابة ما يزيد على 9700 مصاب.
ووفق ما نشر موقع “يورونيوز”، في 12 أكتوبر، أعلنت السلطات الفرنسية منع إقامة أي نشاط داعم للفلسطينيين بدعوى “أنها من المحتمل أن تؤدي إلى عرقلة وإضرابات في النظام العام”.
وحركت مشاهد القتل والإجرام الإسرائيلي العديد من الفرنسيين إلى الاحتجاج والتضامن مع الفلسطينيين، غير أن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان سارع في 12 أكتوبر إلى إصدار حظر لكل أشكال التظاهر.
منع النشاطات
ووجه دارمانان هذه التعليمات إلى السلطات المحلية عبر برقية، قال فيها إنه في حال خرق هذا الحظر فسيتم توقيف “منظمي التظاهرات ومثيري الشغب”، مهددا المتظاهرين “بالسجن لمدة ستة أشهر، وغرامة قدرها 7500 يورو”.
واستخدمت الشرطة في باريس خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين في العاصمة.
وكان دارمانان قد صرح لوسائل إعلام فرنسية في وقت سابق أنه جرى تسجيل أكثر من 100 “عمل معادٍ للسامية” في فرنسا منذ الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية حماس على إسرائيل، موضحا أنه جرى توقيف 24 شخصا على خلفية تلك الأعمال.
وشدد الوزير في قراره على ضرورة “سحب تصاريح إقامة” الأجانب المدانين بارتكاب أي جريمة معادية للسامية أو بالتحريض على الإرهاب، وطردهم “دون تأخير” من فرنسا.
وردد المحتجون هتافات بينها “إسرائيل قاتلة” و”ماكرون متواطئ”، في إشارة إلى تصريحات الرئيس الفرنسي الداعمة للهجوم الإسرائيلي الواسع النطاق على غزة.
ورفعوا لافتات كتب على بعضها “إسرائيل مجرمة”، كما لوحوا بالأعلام الفلسطينية، واستخدمت قوات الأمن الفرنسية الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه لتفريق المتظاهرين.
كما خرجت مظاهرات في مدن فرنسية أخرى منها ليون ومارسيليا تضامنا مع الشعب الفلسطيني، وأفادت تقارير باستخدام الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين.
انحياز واضح
تفاعلا مع هذه القرارات والتصريحات الفرنسية، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله المغربية، إسماعيل حمودي، إن الموقف الفرنسي، والغربي عموما، منحاز لإسرائيل.
وأردف حمودي “في الواقع كل القيم التي تتغنى بها جل الحكومات والمؤسسات الغربية طيلة الوقت يظهر زيفها وتتكسر، وتسقط عندما يتعلق الأمر بالحقوق الفلسطينية والعربية”.
وشدد الأستاذ الجامعي على أن “القرارات الفرنسية المشار إليها بمنع التظاهر تضامنا مع فلسطين تؤكد ذلك”.
وأشار موفيدي إلى أن التضييق الفرنسي ليس موجها للأجانب أو المقيمين فقط، بل للمواطنين الفرنسيين أصلا، أي أولئك الذين هم من بني جلدتهم.
وأردف، “ذلك أنه على الدوام، كان هناك أحرار في كل أوروبا والعالم، يقفون مع الحق الفلسطيني ويعارضون الاحتلال الإسرائيلي”.
انحدار فرنسي
وبدوره، يتهم الكاتب بيير ستامبول، الناشط الفرنسي اليهودي من أجل السلام، الحكومة الفرنسية بقمع أصوات الفلسطينيين وإسكاتها في الصراع الدائر مع إسرائيل.
وعبر ستامبول في حوار مع موقع “rance3-regions.francetvinfo” الفرنسي، 12 أكتوبر، عن عدم اندهاشه من أفعال وتصريحات من وصفهم بالفاشيين، ويقصد بهم التجمع الوطني الحاكم بفرنسا، قائلا إنهم كانوا دائما عنصريين وضد المضطهدين.
وشدد المتحدث ذاته، على أن الفلسطينيين ضحايا، وأن أهل غزة محبوسون في القطاع، دون ماء ولا كهرباء.
من جانبه، يرى المحلل السياسي إدريس الأندلسي، أن مذكرة وزير العدل الفرنسي الموجهة للنيابة العامة غير مفاجئة، واصفا إياها بأنها “مانعة من التنفس والكلام والتعبير”.
ورأى أن فرنسا بما تفعله الآن، تعيش انحطاطا لا مثيل له في التعامل مع مأساة إنسانية حقيقية، يريد الغرب لها أن تستمر إلى ما لا نهاية.
ماذا بعد؟
وبخصوص أثر هذه الإجراءات الفرنسية على المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، قال النائب البرلماني المغربي السابق محسن موفيدي، إن الضغط يولد الانفجار، ومن ذلك انتفاض المتضررين من قرارات الحكومة الفرنسية على ماكرون وحكومته.
وأبرز موفيدي أن الذين يتبنون القضية الفلسطينية بخلفية حقوقية وإنسانية لن يأبهوا لهذه الشعارات، أو يخضعوا للضغط الذي تمارسه القوى الواقفة إلى جانب الاحتلال.
من جانب آخر، قال موفيدي إن الدول العربية، وخاصة الأنظمة والحكومات، مدعوة من باب الواجب، إلى العمل الفوري على الضغط على المحتل الإسرائيلي لإيقاف عدوانه على غزة، وجرائمه بحق الإنسانية هناك.
وبخصوص أثر هذا الأمر على المواطنين بفرنسا، قال حمودي، إن مواقف الحكومات الغربية تضعها في مواجهة بعض نخبها وفئات من شعوبها، ويفضحها أمام العالم، وكيف أنها أصبحت أداة في يد الصهيونية.
وخلص إلى أن ذلك سيعزز مسيرة التضامن مع الشعب الفلسطيني سواء في أوروبا أو في العالم، وفق تقديره.