مجازر متصاعدة ضد الفلسطينيين في غزة.. لماذا يصمت علماء السعودية حتى الآن؟

“أين علماء السعودية؟”، سؤال يجرى على ألسنة شريحة واسعة من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ أن تصاعدت المجازر الإسرائيلية بحق قطاع غزة.
وبدأت قوات الاحتلال بتنفيذ عمليات قصف واسعة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد أن أطلقت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عملية “طوفان الأقصى” ضد مستوطنات غلاف غزة.
ورغم ارتفاع عدد الشهداء إلى أكثر من 10 آلاف وإصابة ما يزيد عن 26 ألفا آخرين، يرى كثيرون أن موقف العلماء لا يزال ضعيفا تجاه استنهاض الشعوب العربية للضغط على حكوماتهم من أجل وقف العدوان.
وبرز هنا غياب علماء بعض دول الخليج ممن يعرفون بـ”دعاة السلفية” وخاصة في السعودية بل اتخاذ شريحة منهم موقفا سلبيا عبر شيطنة المظاهرات الداعمة لقطاع غزة.
مشايخ السلطان
وعلى سبيل المثال، نشر ناشطون على موقع “إكس” (تويتر سابقا)، مقطع فيديو للداعية السعودي فهد بن سليمان الفهيد تحت عنوان “توجيهات منهجية في التعامل مع الأحداث الحالية في غزة”.
وقال الفهيد: “فيما يخص ما يحدث للمسلمين مثل غزة ونحوها، يجب علينا أن نعرف أن المظلوم سينتقم له الله عز وجل وسينصره، ولا يجوز للمسلمين أن يتصرفوا دون الرجوع إلى ولاة أمورهم”.
وحذر “مما يصنعه المحرضون من استغلال هذه الفرص لأجل إيغار الصدور على المسلمين (..) وهذه طريقتهم لما أنشأوا تنظيمي الدولة والقاعدة، ولما أثاروا الثورات في بلدان المسلمين”.
وأردف الفهيد: “هذه طريقتهم لما أنشبوا ضعفاء مساكين في حرب لا طاقة لهم بها (..) مرادهم من وراء كل هذا، إفساد البلاد الأخرى”.
وواصل القول: “اليهود أعداء بلا شك، ولكن إذا ولي الأمر رأى الصلح، سمعنا وأطعنا، أما أن يتكلم كل شخص ويكتب ويحرض، فاعلموا أن المحرضين والداعين للثورات والمظاهرات ليسوا من السنة في شيء ومرادهم خطير”.
وأضاف الفهيد: “من تكلم في ولاة الأمور والبلاد فاعلموا أنه حاقد ضد الإسلام والمسلمين، فالحلول ليست في أن نخون ونسب ونشتم، ولا بد أن نكون مع ولاة أمورنا”.
وذكر أن ما يجرى “فرصة لأهل الغلو في أن يستخرجوا أفكارا شاطحة ثم خلايا صغيرة ثم جماعات ضالة ثم خروج وتكفير وتكسير وتدمير”.
ورأى أن “الدعوة للمظاهرات والفتن ليست من الدين وإنما يدعي المسلم في ظهر الغيب بأن ينجي الله أهلنا وينقذهم، لأنه ليس في هذه التجمعات نصرة للمسلمين”.
أما خطيب مسجد قباء في المدينة المنورة، سليمان الرحيلي، فحذر في خطبة جمعة 3 نوفمبر/تشرين الثاني، من “دعوات منحرفة لاستغلال ما يحدث في فلسطين، بالخروج على حكام المسلمين وعدم طاعتهم”، مبينا أن “هذه الدعوات مخالفة لشرع ربنا ومقاصد الشريعة وتحقق مقاصد الأعداء”.
وقال إنه “لا يجوز أن يخرج أحدكم من بلده قاصدا العدو في بلد آخر إلا تحت راية ولي الأمر، ولكل بلد اليوم عهود ومواثيق يجب أن يفي أهلها بها ما لم ينبذها ولي الأمر”.
تغييب العلماء
ويتصدر هؤلاء ممن يطلق عليهم كثيرون “مشايخ السلطان” المشهد في السعودية اليوم بعدما غيب ولي العهد محمد بن سلمان الدعاة الحقيقيين وراء السجون.
ومنذ سبتمبر/أيلول 2017، أوقفت السلطات السعودية دعاة بارزين وناشطين في البلاد، أبرزهم سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري وغيرهم.
وعادة لا تذكر المملكة أعداد الموقوفين لديها، وتربط أي توقيفات بتطبيق القانون، لكن مؤسسات حقوقية تقول إن هؤلاء يجرى اعتقالهم بسبب اعتراضهم على سياسات المملكة.
وفي خضم العدوان على غزة، بدأ ناشطون يتناقلون أقوالا تدعم فلسطين، لعلماء ومشايخ اعتقلهم ابن سلمان في سجونه واستبدل بهم آخرين لا يحيدون عن سياساته.
ومن هؤلاء الشيخ عوض القرني الذي قال سابقا: “في مساجد فلسطين وشوارعها، في وهادها وجبالها، وبكفوف شبابها ونسائها يُصنع تاريخنا وتُرفع راية الحق.. وليس في ملاعب الكرة ومسارح الرقص”.
ومنذ تولي ابن سلمان ولاية العهد عام 2017، تشهد المملكة ما تسمى “إصلاحات اجتماعية” شملت السماح بإقامة لحفلات الغنائية، ووضع حدّ لحظر الاختلاط بين الرجال والنساء.
وأضاف في منشور على فيسبوك: “سنة 1967 عندما احتُلت دول لم يتوقف أي شيء، وعند حرب لبنان لم يتوقف أي شيء، وعندما حاربت بلدي 7 سنوات لم يتوقف فيها شيء، ودم السعودي أغلى لدي من أي شيء”.
وتابع: “عندما يزايد التافهون علينا يجب أن نوضح الحقيقة، لا أعرف متى تنتهي مسخرة استخدام اسم المملكة أو اسمي أو اسم موسم الرياض في أي شيء كشماعة لتحويل الأنظار عن حدث آخر أو وضع آخر”.
وتساءل: “إلى متى السماح للغلط على شخصيات اعتبارية في بلدي والبكاء عند الرد؟ وإلى متى ترهيب كل من يتعاون معنا في عمل شريف مثله مثل أي عمل آخر، لم أر كرة القدم توقفت مثلا وأي وظيفة حرة وشريفة وأي وظيفة سياحية أيضا”. ولوحظ أن آل الشيخ حذف منشوره لاحقا.
وألغت بعض الدول العربية عشرات الأحداث الفنية والمهرجانات والفعاليات، احتراما لدماء أهالي غزة وتضامنا مع الفلسطينيين، بصفته أهون الإجراءات الوطنية، لكن آل الشيخ رفض ذلك.
ونشر حساب “معتقلي الرأي” المعني بحقوق الموقوفين في السعودية مقطع فيديو للشيخ المعتقل عبد العزيز الطريفي يقول فيه: “اجتمع على أهل غزة يهود العرب ويهود العجم”، متحدثا عن وجوب نصرتهم.
ما المطلوب؟
يقول أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة الإسلامية، وصفي أبو زيد، إنه “لا يوجد جهد كاف من أي جهة (تجاه ما يحدث في غزة)، لكن العلماء عموما حاضرون وليسوا غائبين”.
وبعيدا عن علماء السعودية، قال أبو زيد إن هناك العديد من المشايخ والمفكرين في دول الخليج تفاعلوا مع الأحداث، ومنهم عجيل النشمي، وطارق السويدان، وحسن الحسيني، ومحمد العوضي، وغيرهم كثيرون.
وإضافة إلى الدعوات لنصرتهم والدعاء لهم، قال الأكاديمي أبو زيد إنه يمكن فعل الكثير من أجل غزة “لكنه أمر يحتاج إلى تفكير”.
وفي موقف مخالف تماما لدعاة السعودية، قال رئيس هيئة علماء المسلمين في لبنان الشيخ محمد الشاتي: “نؤكد على إجماع الأمة وقرارات المجامع الفقهية بأنه يجب شرعا على المسلمين جميعا، حكاما وحكومات وجيوشا وشعوبا قبائل وفصائل وأفرادا، نصرة المجاهدين عموما وشعب غزة خصوصا بكل وسائل النصر وأنواع الأسلحة”.