ما هي مكاسب إيران من عدم المشاركة في “طوفان الأقصى”؟

رغم أنه صدم الكثيرين في الشارع العربي، ممن توقعوا دخوله في حرب شاملة مع إسرائيل دفاعا عن غزة، لم يندهش الخبراء في الشؤون الإيرانية والأميركية من خطاب زعيم حزب الله، حسن نصر الله، في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 لأنه لم يتضمن أي “مفاجآت كبرى”.
سبب عدم الاندهاش هو أن الأيام الأخيرة، قبل وبعد “طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شهدت تفاهمات أميركية إيرانية خوفا من اتساع دائرة الحرب، محورها الأساسي هو عدم مشاركة حقيقية من “حزب الله”، مقابل اكتفاء إيران بالجبهة اليمنية وفصائل عراقية كإسناد للمقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل.
وحتى هذه التحركات للحوثيين أو المليشيات الشيعية في العراق لإسناد غزة، لا تعد جبهات حقيقة مع إسرائيل وغير مؤثرة، وكل ما حصل من إطلاق صواريخ من جانبهما بدا كـ”استعراض وتسويق” للأذرع الايرانية ولا يمثل “أي ضغط واقعي” على إسرائيل أو أميركا.
وهو ما يعني أن ما تقوم به طهران هو تحركات “استعراضية تسويقية” من نقاط بعيدة عن إسرائيل وغير مؤثرة في الحرب؛ مع تحييد الجبهات المباشرة (لبنان وسوريا) التي من الممكن أن تغير مسار الحرب بشكل حقيقي.
ومنذ بداية العدوان على غزة، تكتفي القيادة الإيرانية بإطلاق التهديدات والحديث عن عدم سماحهم للاحتلال الإسرائيلي بأن ينفرد بغزة، وأنه إذا لم تتوقف الجرائم هناك فورا فستُفتح جبهات جديدة ضد الكيان.. لكن دون تحرك فعلي.
مؤشرات التفاهمات
قبل حرب غزة بشهرين تقريبا، نقل تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” في 11 أغسطس/ آب 2023 عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين أن صفقة تبادل الأسرى بين الولايات المتحدة وإيران زادت من فرص التعاون الدبلوماسي بين البلدين، وخاصة بالنسبة لقضية “الاتفاق النووي”.
وأوضح المسؤولون أن “الصفقة جزء من تفاهمات واسعة تم التوصل إليها في عُمان وسيتم تنفيذها بالفعل على أرض الواقع”، دون تحديد ماهيتها.
مجلة “تايم” الأميركية في 7 أغسطس 2023 قالت إن الوضع الراهن عقب توقيع اتفاق تبادل الرهائن وإفراج أميركا عن أموال إيرانية، والحديث عن احتمالات بلورة اتفاق نووي جديد، يبدو نوعا من التفاهمات، بحيث تتجنب الولايات المتحدة وإيران التصعيد.
وقالت: “رغم تلويح الجانبين بسيفيهما، لا يبدو أن أيا منهما غير مستعد للارتقاء بالأمور إلى المستوى التالي، إلا إذا هاجمت إسرائيل مثلا البرنامج النووي الإيراني بدون إذن أميركي”.
ومن غرابة العلاقة بين إيران وإسرائيل أن طهران ظلت تعد إسرائيل منذ الثورة الإيرانية عام 1979، “ورما سرطانيا” ستقضي عليه، إلا أنه لم تكن هناك حرب صريحة بين الطرفين، واقتصر الأمر على توكيل أذرع إيران في المنطقة، مثل “حزب الله” لمناوشة الاحتلال.
لذلك، يرى محللون أن إيران، التي تقود “محور المقاومة”، هي التي تمتلك قرار الحرب على جبهة لبنان من خلال “حزب الله” الذي يشكل ذراعا عسكريا لها، تدعمه بالمال والسلاح، وبالتالي فقرار حزب الله “في طهران وليس في بيروت”.
ورغم إطلاق الحوثيين للصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار لإظهار التضامن مع حماس، لم يشكلوا “تهديدا إستراتيجيا” مباشرا على إسرائيل، كما قالت صحف أميركية وإسرائيلية، لهذا “لم يتم الرد عليهم”.
وأكد هذا الباحث في “مركز كارنيغي للشرق الأوسط”، مهند الحاج علي، موضحا لوكالة “رويترز” البريطانية مطلع نوفمبر 2023 أن هجمات الحوثيين في الوقت الحالي “تتعلق بالرسائل أكثر من كونها تهديدا عسكريا حقيقيا”.
ماهية التفاهمات
وفي أغسطس/آب 2023، وعقب توقيع “صفقة تبادل السجناء بين أميركا وإيران”، وتواتر أنباء وتكهنات عن أن هذه الصفقة تمهد لتوقيع الاتفاق النووي، تحدثت تقارير إعلامية أميركية وإسرائيلية عن تفاهمات أميركية إيرانية أوسع.
وجرى الحديث عن وجود اتصالات بين الولايات المتحدة وإيران وفق “دبلوماسية الخطوة خطوة”، لصياغة إطار لتفاهمات بديلة عن الاتفاق النووي الذي وقعته إيران في 2015 مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا.
وكان الاتفاق السابق يفرض قيودا على برنامج إيران للحيلولة دون إنتاج أسلحة نووية، مقابل رفع العقوبات عنها، إلا أن واشنطن في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، رأت أنه غير فعال وانسحبت منه وأعادت فرض العقوبات.
ونقلت عن مسؤول أميركي مطلع على المفاوضات، قوله إنه “على مدى أكثر من عام، استضافت فنادق الدوحة اجتماعات متقطعة غير مباشرة”.
ووصفت المحادثات غير المباشرة التي أدت إلى إعلان الصفقة بأنه “اختراق دبلوماسي بين واشنطن وطهران”.
مكاسب وخسائر
تنطوي هذه التفاهمات التي يجري الحديث عنها منذ أغسطس/آب 2023 سرا، على مكاسب وخسائر لكلا الطرفين.
محللون يرون أن إيران تربح ضمنا من هذه التفاهمات، التي تشمل تحييد أذرع طهران عن صراع غزة، واستمرار برنامجها النووي، والإبقاء على قوة “حزب الله” في المنطقة بدل تضرره لو دخل حربا شاملة مع إسرائيل لصالح غزة.
لكنها قد تخسر بذلك نفوذها كقائدة لمحور الممانعة، وقد تخسر بعد حرب غزة مناطق نفوذ أخرى.
أيضا بموجب التفاهمات، ستظل إيران خاضعة لعقوبات اقتصادية وستلتزم بعدم تخصيب اليورانيوم فوق 60 بالمئة، لكنها ستستمر في كونها “دولة عتبة نووية”.
وأوضح إنه “إذا نجحت إسرائيل في أن يظل صراع غزة، إسرائيليا فلسطينيا بشكل أساسي، بمشاركة محدودة من جانب حزب الله، ستفقد إيران بعضا من نفوذها في الساحة الفلسطينية، لكنها ستظل تتمتع بقدرات إستراتيجية أخرى في لبنان، والعراق، وأماكن أخرى”.
وقال تسيمت لـ”راديو فردا” الذي يبث باللغة الفارسية، إن “إيران لا تريد بالفعل توسيع هذه المواجهة أكثر”، مؤكدا “مشاركة محدودة لحزب الله في الحرب”.
واستدرك: “لكن إذا خسرت إيران حماس كأحد قدراتها في فلسطين، فلن يؤثر ذلك على غزة فحسب، بل على الضفة الغربية وحتى لبنان”.