لماذا يتجاهل نظام بشار الأسد “طوفان الأقصى”؟

بعد عملية “طوفان الأقصى” وتكثيف إسرائيل قصفها لمواقع ومصالح إيرانية في سوريا، لجأ نظام بشار الأسد لمنع بعض التحركات الإيرانية خشية المزيد من التصعيد.

ورغم أن نظام الأسد ينضوي تحت ما يسمى “محور المقاومة” بقيادة إيران، إلا أنه نأى بنفسه بشكل كامل عن الدخول في أي عمل يصب في صالح العملية الاستثنائية للمقاومة الفلسطينية التي انطلقت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 داخل المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، ما شكل ضربة قاسية للكيان الإسرائيلي.

منع الرحلات

لكن مع ذلك، راحت إسرائيل تستهدف التحركات الإيرانية داخل الأراضي السورية وخاصة في المواقع الإستراتيجية للنظام، الأمر الذي دفع الأخير لاتخاذ عدد من الإجراءات الدالة على محاولته منع تعطيل منشآت مهمة لتحريك اقتصاده تستخدمها طهران.

وذكرت وكالة “فارس” الإيرانية، أن النظام السوري يحاول تجنب تسيير الرحلات الجوية من إيران إلى مطار اللاذقية، بعد تكرار توقف مطاري دمشق وحلب عن الخدمة جراء تعرضهما لقصف إسرائيلي عقب عملية “طوفان الأقصى”.

وقالت الوكالة في تقرير لها مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إن “بعثات الحج” كانت تتجه في السابق من طهران إلى دمشق، وعند وجود مشاكل (غارات إسرائيلية) تم تحويلها إلى مطار حلب.

وأضافت أنه بعد تكرار توقف المطارين عن الخدمة واحتمال تعرضهما لمزيد من الغارات الإسرائيلية خلال الأيام القادمة، تم التخطيط على أن تهبط الرحلات من إيران في مطار اللاذقية.

ونقلت الوكالة الإيرانية عن مصدر قوله إن شركة “أجنحة الشام” للطيران الخاصة، رفضت خلال الأيام الماضية تسيير أي رحلات من إيران إلى سوريا.

وكانت طائرات إسرائيلية نفذت غارات جوية بشكل متزامن، مستهدفة مطاري دمشق وحلب الدوليين يومي 12 و22 أكتوبر 2023 في حين تعرض مطار حلب لغارات منفردة في 15 و25 من الشهر ذاته، مما أدى إلى خروجه عن الخدمة للمرة الرابعة خلال أسبوعين.

تحذير إسرائيلي

المتحدث باسم خارجية الاحتلال الإسرائيلي، حسن كعبية، قال لوكالة “سبوتنيك” الروسية في 13 أكتوبر، إن “الضربات التي وجهتها إسرائيل لسوريا عند زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لدمشق رسالة تحذير لإيران ولكل المنظمات الإرهابية بأن عليهم ألا يتدخلوا في الحرب”، في إشارة إلى ما يجري في فلسطين.

وبالفعل فقد جاءت الضربة الإسرائيلية لمطاري دمشق وحلب وأخرجتهما عن الخدمة، عشية زيارة عبداللهيان إلى سوريا، مما اضطره للذهاب إلى بيروت، قبل أن يزور دمشق برا.

ولفت كعبية إلى أن “الضربة لم يكن القصد منها أن تصيب الوزير (الإيراني)، وإنما تحذير سوريا التي هي ممر لاستقبال صواريخ إيران إلى حزب الله”.

ومطار اللاذقية يخضع للنفوذ الروسي منذ عام 2015، حيث وسعت موسكو مدارج المطار في بداية تدخلها العسكري لإنقاذ نظام الأسد من السقوط في سبتمبر/أيلول من العام المذكور وزودته بمنظومات اتصال.

وهناك تنسيق روسي إسرائيلي في السماء السورية مازال عالي المستوى بين مقر قيادة قاعدة حميميم بريف اللاذقية ومقر قيادة إسرائيل في حيفا. إذ تحكم السماء السورية منذ عام 2015 بمعاهدة منع احتكاك بين موسكو وتل أبيب.

ولهذا يؤكد مراقبون عسكريون أن موسكو تشترط وصول فقط الطائرات التي تقل مدنيين إلى مطار اللاذقية منذ سنوات، تجنبا للقصف الإسرائيلي الذي قد يعرض الطيران الروسي للخطر.

بوابة إيران

ويعد مطار دمشق الدولي بوابة النظام السوري للعالم الخارجي، فمنذ عام 2011 بات المطار الذي أنشئ عام 1970 وهو أكبر مطار دولي في سوريا، ويبعد عن العاصمة نحو 25 كيلومترا في الاتجاه الشرقي، يلعب دورا كبيرا في نقل الأسلحة من طهران.

وعادة ما تتجه طائرات عسكرية وأخرى تجارية مباشرة من إيران إلى سوريا عبر المجال الجوي العراقي.

والمدرج الشمالي في مطار دمشق يعد قديما نسبيا، ويعمل بشكل مكثف لاستقبال الرحلات القادمة لسوريا، بينما يستخدم الحرس الثوري الإيراني المدرج الجنوبي في المطار بشكل منفرد، لنقل الأسلحة والضباط والمليشيات والعناصر الأجنبية.

وأنشأت إيران التي تدخلت عسكريا منذ عام 2012 لإنقاذ الأسد من السقوط عقب ثورة شعبية ضده اندلعت في مارس/ آذار 2011، عدة معسكرات تدريب لمليشياتها في المزارع والبساتين المحيطة بحي “السيدة زينب” جنوب دمشق، لخلق بقعة نفوذ ممتدة إلى مطار دمشق.

وسمي ذلك بمشروع “الطوق الأمني” لمحيط دمشق، الذي أشرف على تنفيذه الحرس الثوري منذ مطلع عام 2017.

وكثيرا ما تذكر وسائل إعلام عبرية أن الضربات على مطار دمشق تهدف منع وصول أسلحة إيرانية إلى حزب الله اللبناني الذراع العسكري لطهران والتي تمده بالمال والسلاح منذ ثمانينيات القرن العشرين.

وكشفت القناة حينها أن القصف جاء بهدف إحباط محاولات إيران “لتهريب منظومات دقيقة إلى حزب الله، وضمنها تجهيزات تستخدم في تحويل الصواريخ العادية إلى أخرى ذات دقة إصابة عالية”.

مأزق الأسد

وفي هذا السياق، أكد المحلل المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف، أن “إسرائيل تريد عرقلة عملية التحركات اللوجستية والخبراء والضباط الإيرانيين إلى سوريا في هذه المرحلة، وخاصة أنها تعد سوريا مقرا لقيادة عمليات مليشياتها ووكلائها”.

وأضاف الشريف  قائلا: “لهذا فإن النظام السوري يقف موقف المتفرج مما يجري في غزة، فهو غير قادر على منع تحركات طهران ويخشى التورط في أي مواجهة مع إسرائيل كونه مأزوما سياسيا واقتصاديا”.

ولفت إلى أن “صمت النظام السوري عما يجري في غزة وإبقاء جبهته مع إسرائيل على الحياد هي رسالة لتل أبيب بأنه خارج معادلة الحرب، ولذلك فإن تطبيق النظام لإجراءات جديدة تقيد التحركات الإيرانية أو تغيير شكلها في الوقت الراهن هو محاولة لمنع أي تصعيد جديدة على الأراضي السورية”.

وأشار الشريف إلى أن “النظام السوري رغم إعلانه الحياد، فإنه اليوم في مأزق قد لا يستطيع الخروج منه، لكون إيران لم تغير تكتيكها العسكري في نقل الأسلحة إلى سوريا منذ عقد من الزمن”.

وتابع: “أكبر دليل على ذلك هو خروج مطاري دمشق وحلب عشرات المرات خلال السنوات الماضية عن الخدمة بقصف إسرائيلي فور وصول طائرات مدنية تحمل أسلحة ومعدات إيرانية تكون بعض وجهاتها إلى حزب الله”.

وحول هذه النقطة، قالت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” (حقوقية وإعلامية) إن “الدولة السورية التي كانت تستغل مثل هذه الأحداث في غزة والقدس لتظهر نفسها كداعم رئيس للمقاومة، وتطلب من جميع موظفيها ومناصريها الخروج إلى الساحات العامة بمظاهرات مليونية، لم تفعل ذلك هذه المرة”.

وأضافت المجموعة في تقرير نشرته في 3 نوفمبر 2023 أن النظام “اكتفى بترك المخيمات الفلسطينية وبعض الفعاليات الأخرى للتظاهر بشكل اختياري، مما خلق إشارات استفهام عديدة عن دور سوريا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعلاقتها بالمحاور الإقليمية والدولية”.

مقالات ذات صلة