لماذا لا تحاكم الجنائية الدولية إسرائيل على جرائمها في غزة؟

مع كل عدوان إسرائيلي على الفلسطينيين، تؤكد منظمات حقوقية ارتكاب قوات الاحتلال جرائم حرب واضحة، سواء إبادة جماعية أو استخدام أسلحة محرمة دوليا، أو غيرها، وتقول المحكمة الجنائية الدولية إنها ترصد ذلك، لكن دون محاسبة.

وعلى مدار أكثر من 5 مواجهات وحروب على غزة، أكدت تلك الجهات الدولية ارتكاب إسرائيل جرائم وأنها تجمع الأدلة وتحقق بشأن ذلك.

لكن قبل أن ينتهي التحقيق، يتغير قضاة المحاكم ويقع عدوان إسرائيلي جديد، يسهل طمس العدالة، التي تبدو واضحة للعيان من خلال الصور والمشاهد الحية.

مدخل للتحقيق

وبعد انطلاق عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفي حرب اختلفت عن أي من سابقاتها، مارس الاحتلال جرائم حرب واضحة من خلال قطع المياه والطعام والكهرباء عن أهالي قطاع غزة.

كما وصل الأمر إلى قصف وتهديد المستشفيات كما حدث في مجزرة مستشفى المعمداني وسط مدينة غزة، والتي خلفت نحو 500 شهيد.

هذه الجرائم الجديدة وأدلتها الواضحة القوية، والتي لم تعد تحتاج لرصد، هي وغيرها، تطرح تساؤلا أساسيا: هل ستتم محاكمة الإسرائيليين هذه المرة أمام الجنائية الدولية؟

الأكثر غرابة أن يتحرك المدعي العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو، ولكن بعدما ترك منصبه (الذي رفض خلال وجوده فيه التحقيق مع إسرائيل).

وقال أوكامبو عبر تويتر في 15 أكتوبر/تشرين أول 2023 إن المحكمة الجنائية الدولية” عليها أن تحقق في الحصار الكامل على غزة بوصفه جريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية. 

وانضمت فلسطين إلى عضوية الجنائية الدولية أول يناير/كانون الثاني 2015، وأعيد انتخابها بالإجماع، للمرة الثانية على التوالي، عضوا في المكتب التنفيذي للمحكمة 19 ديسمبر 2020، ما أعطاها شرعية قانونية لمواجهة الاحتلال وجرائمه.

وفي فبراير/شباط 2021، أصدرت الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية قرارا يقضي بولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة) ما مهد الطريق لفتح تحقيق في جرائم الحرب الناتجة عن الأعمال العسكرية الإسرائيلية.

وفي كل مرة تحدث جرائم تعلن المحكمة الجنائية وغيرها مثل مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة أنها تجمع أدلة وتراقب، لكنها لا تتخذ أي خطوات جدية.

هل تُحاكم؟

مع استعار المجازر الإسرائيلية عقب “طوفان الأقصى”، أعلنت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة، والمعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك شرق القدس وإسرائيل، أنها “تجمع أدلة عن ارتكاب جرائم حرب من قبل جميع الأطراف”.

قالت في بيان أصدرته 10 أكتوبر 2023 “هناك بالفعل أدلة واضحة على أن جرائم حرب ربما تكون قد ارتكبت في احداث العنف الأخيرة في إسرائيل وغزة”.

أكدت أنها تعمل على “جمع وحفظ الأدلة بشأن جرائم الحرب التي ارتكبتها جميع الأطراف”، مشددة على أنه “يجب محاسبة جميع أولئك الذين انتهكوا القانون الدولي واستهدفوا المدنيين عمداً على جرائمهم”.

والأغرب أن بيانا ثانيا لـ “هيومن رايتس ووتش” صدر في 18 أكتوبر قال إنه تحقق من “جرائم حرب” ارتكبتها حماس من أربعة فيديوهات لهجماتها في السابع من ذات الشهر، دون أن يذكر أي جريمة للاحتلال.

وبعد يومين من بيان “هيومن رايتس” الأول، كتب المدعي العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية السابق لويس مورينو أوكامبو عبر تويتر يقول إن “الحصار الكامل على غزة جريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية، ويمكن أن يجري التحقيق فيه”.

كما أن “نظام روما الأساسي” يفسح المجال أمام المحكمة للامتناع عن اتخاذ الإجراءات القضائية إذا كان ذلك لا يُعد “في مصلحة العدالة”، أو حتى لإعادة النظر في قرار أولي لإجراء تحقيق بناءً على معلومات جديدة. 

أين رئيس “الجنائية”؟

حل المحامي “كريم خان”، وهو بريطاني مسلم، محل “بنسودا” كمدع عام للمحكمة الجنائية الدولية في 16 يونيو/حزيران 2021، وسيبقي في منصبه 9 أعوام، لكن منذ توليه لم يفعل شيئا بشأن جرائم الاحتلال.

حين تولي “خان” منصبه رحبت به إسرائيل، رغم أنها تواجه تحقيقا محتملا في جرائم حرب في لاهاي بدأته المدعية السابقة “فاتو بنسودا”.

وقالت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إنه “لا دليل على أنه سيقوم بإلغاء التحقيق (الذي لم يسفر عن شيء حتى الآن) في جرائم الحرب”.

وقال إن صور هجوم حماس وإسرائيل “تفطر القلب”، مضيفا “ما يحدث وما نراه على شاشات التلفزيون أمر مروع، يجب أن تكون هناك عملية قانونية لتحديد المسؤولية الجنائية”.

أما الغريب فهو أنه لم يتحدث بوضوح عن إسرائيل بقدر ما تحدث عن جرائم حماس”، وحتى حين قصف الاحتلال المستشفى المعمداني وقتل 500 مدني أعزل في جريمة حرب واضحة المعالم، لم يعلق.

لكن المؤرخ الاسرائيلي “راز سيجال” المتخصص بدراسة “المحرقة” قال إنه قانونيا وفعليا تنفذ إسرائيل بـ “إبادة جماعية”، لكن الساسة الغربيين، والرئيس الأميركي جو بايدن استخدموا ألفاظا مثل “شر وشرير وأشرار” ليتمكنوا من تمرير مخطط قتل الفلسطينيين.

وحتى لو أصدرت الجنائية الدولية أوامر اعتقال في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن المحكمة ليس لديها قوة شرطية وستعتمد على الدول الأعضاء لتنفيذ الاعتقالات.

وقد ساعد في نجاة إسرائيل من المحاكمة الجدية أمام المحكمة استراتيجية السلطة الفلسطينية المائعة التي لا تريد محاكمتها بقدر ما تسعى لاستغلال ذلك كورقة ضغط على إسرائيل عند الحاجة، لتذكيرها بضرورة الاعتراف بحل الدولتين، وإيقاف مشاريعها الاستيطانية بالضفة الغربية.

مقالات ذات صلة