لماذا تمثل الديموغرافيا الفلسطينية تهديدا للمشروع الصهيوني؟

صدمة الإسرائيليين التي خلفتها عملية “طوفان الأقصى” العسكرية يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، على يد حركات المقاومة الفلسطينية، لا تزال تتردد أصدائها في دبلوماسية الحكومة الإسرائيلية. 

ظهر هذا في محاولة فرض سيناريو التهجير وخوض حرب ديموغرافية، من قبل الكيان الاحتلالي على الفلسطينيين، تحديدا في غزة والضفة الغربية. 

وفي 8 أكتوبر دعا المتحدث باسم جيش الاحتلال الكولونيل “ريتشارد هيخت”، لفتح ممرات آمنة للمدنيين في غزة نحو سيناء المصرية.

لكن الدعوة الأكثر فجاجة جاءت يوم 13 أكتوبر بإصدار جيش الاحتلال الإسرائيلي، بيانا، يطلب فيه من جميع سكان غزة إخلاء منازلهم والتوجه جنوبا (نحو الحدود المصرية). 

لترد وزارة الخارجية المصرية برفضها الكامل تهجير أهل غزة، كموقف ثابت للقاهرة التي اعتبرت أن فتح سيناء بمثابة تصفية للقضية الفلسطينية.

والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا تريد إسرائيل تهجير أهل غزة إلى سيناء؟ وكذلك تهجير أهل الضفة إلى الأردن، حسبما طرحت وسائل إعلام عبرية. 

وهل مخططات التهجير وليدة اللحظة بعد عملية طوفان الأقصى؟ أم أنها حاضرة منذ زمن بعيد؟ 

“شيطان الديموغرافيا”

مخططات تهجير الفلسطينيين تحديدا في غزة والضفة الغربية بل والمدينة القديمة بالقدس قائمة منذ أمد بعيد، ويرددها سياسيون وإعلاميون إسرائيليون في أكثر من مناسبة.

حتى أنه في 7 مايو/ آيار 1971، نشرت صحيفة “الدستور” الأردنية مانشيت “بدء تفريغ قطاع غزة من السكان” وتحدثت عن خطة إسرائيلية لنقل 300 ألف من سكان القطاع إلى سيناء. 

خاصة وأن القطاع يمثل قنبلة سكانية فلسطينية في وجه دولة الاحتلال، ومع الوقت أصبح هاجسا أمنيا وسياسيا لإسرائيل.

وفي مقولة شهيرة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين (1992–1995): “أتمنى أن أستيقظ يوما وأجد البحر قد ابتلع غزة”.

وذكرت أنه يقدر اليوم بحوالي 14 مليونا و300 ألف، بينهم حوالي 6 ملايين و400 ألف لاجئ.

وحول أماكن انتشار الفلسطينيين، أفاد الجهاز بأن حوالي نصفهم (7 ملايين و100 ألف نسمة) موجودون في فلسطين التاريخية بينهم نحو مليون و700 ألف في أراضي عام 48.

أما الخطير في تلك البيانات أن الشعب الفلسطيني بات يشكل 50.1 بالمئة من السكان المقيمين في فلسطين التاريخية، فيما يشكل اليهود 49.9 اليهود.

ضياع إسرائيل

هذه المعطيات دفعت جامعة “رايخمان” العبرية في هرتسيليا إلى وصف ذلك التغير الديموغرافي بـ “الانقلاب”.

وأشارت في ورقة بحثية أن الفلسطينيين سيحققون أغلبية كاسحة في المستقبل، بسبب ارتفاع معدلات الولادة لديهم (27.7) لكل ألف شخص مقارنة بـ (19.3) في إسرائيل، بحسب الأمم المتحدة.

إضافة إلى ارتفاع نسبة الوفيات لدى الإسرائيليين 5.3 لكل ألف مقارنة بـ 3.4 لكل ألف لدى الفلسطينيين بسبب كبر متوسط عمر السكان في إسرائيل.

وذهبت إلى أبعد من ذلك عندما أوردت أن “تلك المعادلة تؤشر أن دولة إسرائيل تتجه نحو واقع قد يقوض مشروعها والمشروع الصهيوني برمته”.

ووصف الوضع الحالي بوجود استخفاف كاسح بمعطيات التفوق الديمغرافي الفلسطيني، لا سيما مع وجود عوامل أخرى مثل هجرة المواطنين الإسرائيليين العلمانيين إلى خارج البلاد. 

وأشار إلى أنه إذا استمر الأمر على تلك الوتيرة سيتسبب في ضياع الجليل (شمال) والقدس (وسط) والنقب (جنوب)، والنتيجة يمكن أن تكون ضياع إسرائيل بالكامل.

وانتهى الأمر أن العرب المسلمون باتوا يشكلون الأغلبية مع مرور الزمن، وبالتالي فإن السيناريو في اتجاه أن يتكرر في فلسطين.

وذكر عليق أنه “مع الوقت سيصبح العرب هم الأكثرية على مستوى كامل النطاق الذي يتبع الاحتلال، إذا سلمنا ولم تحدث تطورات تسرع من تلك العملية، وهو ما تتأهب له إسرائيل جيدا ومنذ عقود مضت”. 

وأوضح: “الخطة الحاضرة هي تفريغ غزة والضفة الغربية من الفلسطينيين، جزء نحو الأردن وجزء في سيناء، أما المقدسيين سيتم إخراجهم من المدينة القديمة إلى خارج الأسوار، وسيذوبون مع بقية الأقليات الأخرى، وتبقى السيادة للأغلبية اليهودية”. 

ويذكر الباحث في الشؤون العبرية أن قوانين الاحتلال تسمح للإسرائيليين بالمطالبة باستعادة ممتلكات بالقدس الشرقية يدعون أنها كانت بملكيتهم قبل 1948.

صعود الديموغرافيا

ويعد من الأسباب الرئيسية للانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، التفوق “الديموغرافي” الكاسح للفلسطينيين هناك. 

وفي 27 ديسمبر/ كانون الأول 2021، قال المحلل السياسي الإسرائيلي يوني بن مناحيم، إن “قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون الانسحاب من قطاع غزة كان صحيحا”.

وأضاف لوكالة “الأناضول” التركية: “هناك الآن مليونا فلسطيني وبعد سنوات يمكن أن يرتفع العدد إلى 3 أو 4 ملايين، أما الوضع بالضفة الغربية فهو مختلف فهي بنظر اليمين أرض إسرائيل ولا يمكن الاستغناء عنها”.

وأشار إلي أن اليسار والوسط الإسرائيلي يعتبران أن المخاوف الديموغرافية تفرض انسحابا إسرائيليا إلى حدود 1967 لكي تبقى إسرائيل دولة يهودية خالصة بها أقليات أخرى”.

مقالات ذات صلة