لجنة ملكية لتعديل مدونة الأسرة بالمغرب.. ما خلفيات وأثر تغييب صوت العلماء عن عضويتها؟

أثارت مكونات اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة/قانون الأحوال الشخصية بالمغرب، والتي أعلن عنها العاهل المغربي محمد السادس، تخوفات من إقصاء العلماء، والانتصار للخطاب القانوني على الشرعي بين أعضائها.
وبحسب وكالة المغرب العربي للأنباء، 26 سبتمبر/أيلول 2023، أعلن الديوان الملكي عن توجيه الملك محمد السادس، رسالة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة.
وذكر الديوان الملكي في بلاغه، أن هذه الرسالة الملكية تأتي تفعيلا للقرار “الذي أعلن عنه جلالته في خطاب العرش لسنة 2022، وتجسيدا للعناية التي ما فتئ يوليها للنهوض بقضايا المرأة وللأسرة بشكل عام”.
وبموازاة هذا التكليف، أسند العاهل المغربي الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح المهم بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع.
ودعا البلاغ “المؤسسات المذكورة إلى أن تشرك بشكل وثيق في هذا الإصلاح الهيئات الأخرى المعنية بالموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين”.
وذكر المصدر ذاته، أنه سيتم رفع مقترحات التعديلات التي ستنبثق عن هذه المشاورات التشاركية الواسعة، إلى الملك في أجل أقصاه ستة أشهر، وذلك قبل إعداد الحكومة لمشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على البرلمان للمصادقة.
إشادة نسائية
منظمات حقوق المرأة والهيئات النسائية الحزبية بالمغرب أشادت بالإعلان الملكي، معبرة عن استعدادها للمشاركة الفاعلة في هذا الورش التشريعي الكبير.
وفي هذا الصدد، قالت “منظمة النساء الاتحاديات”، التابعة لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض، إنها تلقت “بارتياح عميق وامتنان بالغ، بلاغ الديوان الملكي الأخير”، معتبرة “أننا أمام لحظة حقوقية فارقة”.
وأكدت المنظمة في بيان، وفق موقع “أشكاين” (ماذا وقع؟) المحلي، 27 سبتمبر 2023، أن بلاغ الديوان الملكي الأخير “بمثابة تكليف مع إسناد الإشراف العملي على هذا الورش لوزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، بما يحقق الأفق الحقوقي والاجتماعي والإنساني”.
وشددت المنظمة على أهمية الخطوة في الوصول إلى “المساواة الشاملة والإنصاف”.
وأشارت إلى أن ذلك يتأتى عبر “الانخراط الفاعل في هذا المشروع الوطني المستعجل، والابتعاد عن المزايدات وكل أشكال احتكار المشترك الوطني، والاحتكام إلى المصلحة الفضلى للنساء، والأسرة عموما”.
بدورها، عبرت “منظمة المرأة الاستقلالية”، الذراع النسائي لحزب الاستقلال الأغلبي، عن “اعتزازها بالمقاربة الملكية في إصلاح مدونة الأسرة”.
وعدت هذه اللحظة محطة مواتية لمعالجة بعض الجوانب التي أبانت عنها الممارسة في شقها القضائي والقانوني.
وذلك في اتجاه الوصول إلى مدونة تحفظ للأسرة هويتها المغربية المتميزة، ويقوي استقرار واستمرار العلاقات الأسرية وروابط الزواج الشرعي، ويحدد لكل مكونات الأسرة واجباتها والتزاماتها ويضمن لها حقوقها الشرعية، وفق قولها.
مؤشر سلبي
في مقابل هذه الإشادات، قال الباحث الأكاديمي وعضو مركز المقاصد للدراسات والبحوث محمد عوام، إنه لأول مرة تتشكل لجنة للنظر في مدونة الأسرة أو الأحوال الشخصية دون مشاركة العلماء في رئاستها، والكلام هنا تحديدا عن المجلس العلمي الأعلى، بصفته أعلى مؤسسة دينية رسمية في البلاد.
وشدد عوام “، أن هذا مؤشر سلبي وإشارة غير مطمئنة، وإقصاء لا يليق بالعلماء ومكانتهم ودورهم في هذا الموضوع.
وتساءل المتحدث ذاته، كيف يعقل إقصاء العلماء والاتيان بعزيز أخنوش ووزير العدل عبد اللطيف وهبي إلى هذه اللجنة التقريرية، وأنا هنا لا أقصد كل أعضائها، لأن ممثلي القضاء والنيابة العامة يمارسون عملهم في الميدان ولهم رؤية للإصلاح.
وأردف، أما وزير العدل وهبي، فهذا حداثي علماني رأينا كيف كان يصول ويجول في المدة السابقة، وكيف صرح بأن حزبه، أي الأصالة والمعاصرة، جاء لتغيير تاريخ الأمة، وكيف دافع عن العلاقات الرضائية أو الزنا.
واسترسل عوام: “ومع ذلك، وفي ظل كل هذه الكوارث التي اقترفها، يعطى (وزير العدل) امتياز الإشراف على التعديلات المنتظرة على المدونة، فيما للعلماء درجة الاستشارة”.
غير أن عوام لا يشارك مسكين رأيه من أن الرأي العام استسلم أمام توجهات وهبي، قائلا إنه “لا يوجد أي مغربي أصيل يقبل بغير الشريعة حاكمة لمنظومته الأسرية ولقانون أحواله الشخصية”.
وشدد المتحدث ذاته أن المغاربة لا ولن يرتضوا غير الإسلام في تشريعهم، ولن يقبلوا بمدونة أسرة لا تنطلق من ثوابت المغاربة، وعلى رأسها المذهب المالكي.
تراجع خطير
وتفاعلا مع الأصوات الداعمة لكل ما ورد في البلاغ الملكي، قال الأستاذ الجامعي المتخصص في الدراسات الإسلامية أحمد كافي، إن “بعض الأقلام تطوعت للإشادة بالإشارات الإيجابية التي ضمتها هذه المنهجية الجديدة، التي تمت على حساب صوت العلماء صمام أمان هذه المدونة”.
وأردف في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك، 26 سبتمبر 2023، “أنتم تفسرون البلاغ بما يطمئنكم، ويجلب الأريحية للمواقف التي تؤشر على منحنى النزول لا منحنى المكاسب”، مؤكدا أن “سنة التدافع في الأرض لا تكون بهذا التفكير”.
وقال كافي، إن “من أراد أن يبني موقفه على الإيجابيات دون مراعاة النظر في السلبيات، فسيؤتى من قِبل تفكيره قَبل أن يؤتى من جهة القوم”.
واسترسل: “عندما أنظر في أسماء جميع الهيئات الملكية التي أنشئت لمراجعة المدونة، وجدتها خالصة للعلماء منذ أول مدونة في 1957م، أما اليوم، فإننا مع صوت باهت وضعيف للعلماء من خلال المؤسسات التي ستكون اللجنة، وسيكونون إلى جانب أصوات مختلفة من مؤسسات متعددة، ولكن بتوجه واحد”.
وبين الأستاذ الجامعي أن “العلماء كانوا دائما هم الأغلبية المطلقة، سدا ضد مجموعة من التعديلات المقترحة، صحيح أن بعضها تقليدية، ولكنها أفضل من المقترحات التغريبية”.
ونبه عضو المركز البحثي، إلى أن “تغيير إصلاح مدونة الأسرة شيء مرغوب فيه، ومطلوب مجتمعي وواقعي، لكن فيما هو متعلق بالاجتهاد والقضايا المستجدة، والذين يملكون أدوات الاجتهاد وأهل له هم العلماء، لا التيار الحداثي اللاديني، الذي يحارب الشريعة، ويستقوي على الدولة بالأجنبي”.
ودعا عوام إلى “إعادة الاعتبار للعلماء، وإشراكهم العملي في إصلاح المدونة، لا أن يكتفى بهم للاستشارة فقط، فهم لهم غيرة وطنية ودينية، ويحترمون الثوابت والمرجعية الإسلامية، لا (أخذ المشورة) ممن يحل الزنا والمفاسد ويتنكر للإسلام ويحاربه”.