كيف يعمق البنك المركزي والمصارف الحكومية أزمة الدولار بالعراق؟

رغم اتخاذ الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، قرارا قبل نحو 8 أشهر يقضي بخفض سعر صرف الدولار الأميركي أمام الدينار العراقي، لا يزال الفارق كبيرا مع السعر المتداول في السوق الموازي، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة عن أسباب ذلك.

في فبراير/شباط 2023، قررت الحكومة خفض سعر صرف الدولار الأميركي الواحد إلى 1300 دينار عراقي، بعدما كان يساوي 1460 دينارا، لكن الأخير واصل تراجعه في السوق الموازي حتى وصل في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى 1600 دينار، وسط توقعات بوصوله إلى 1700.

تراجع قيمة الدينار أمام الدولار الأميركي، يأتي رغم بيع البنك المركزي العراقي نحو مليار دولار أسبوعيا عير نافذة بيع العملة، يذهب جزء منها إلى الحوالات المالية الخارجية، والقسم الآخر إلى المصارف وشركات الصرافة المحلية لغرض بيعها للمسافرين.

تلاعب واحتيال

في صباح كل يوم تقف أمام المصارف الحكومية وشركات الصرافة، طوابير طويلة من مئات العراقيين الراغبين بالسفر إلى خارج البلاد سواء لأغراض الدراسة أو العلاج أو لأداء العمرة أو لأي سبب آخر، بهدف الحصول على مبلغ 3 آلاف دولار خصصته الحكومة لهم بالسعر الرسمي.

ويقول العراقي، علي خالد، أحد سكان العاصمة بغداد إنه “أراد السفر إلى تركيا ضمن وفد تابع لإحدى الوزارات العراقية، لحضور مؤتمر هناك، وبذلك أردت أن أحصل على مبلغ 3 آلاف دولار بالسعر الرسمي، لكنني فوجئت بأعداد غفيرة تقف أمام مصرف الرشيد (حكومي) قبل طلوع الفجر”.

وأوضح خالد  أن “المصرف يكتفي يوميا بأخذ مئة اسم فقط من الطابور المحتشد، ثم يستلم منهم ما يعادل 3 آلاف دولار بالدينار العراقي، ويعطى إيصال لاستلام الدولار من مكتبهم بمطار بغداد الدولي، بعد تسليم الحقائب وأخذ رقم المقعد في الطائرة”.

وبيّن المواطن العراقي أن الحكومة تعطي الحق مرة واحدة كل شهر لاستلام مبلغ المسافر، “لذلك اكتشفت أنهم وصلوا إلى وثائقي وأعتقد أن شركة سياحة سافرت معها مطلع عام 2020 هي من تقف وراء هذه القصة، لأنني لم اعط جواز سفري لأحد منذ ذلك الوقت”.

وأكد الدليمي أنه قدّم مع مجموعة مروا بالحالة ذاتها، شكوى إلى البنك المركزي بخصوص ما جرى معهم “لكن لم نصل معهم حتى الآن إلى أي نتيجة رغم الوعود بمعاقبة شركة الصرافة أو المصرف الذي سلم شخصا مبلغ المسافر الخاص بي دون حضوري شخصيا كما يوجب القانون”.

تواطؤ حكومي

وبخصوص أسباب استمرار هذه الأزمة وعدم وضع حد للتلاعب والتزوير الذي يحصل في ملف منح الدولار للمسافرين، قال عدنان الشمري صاحب إحدى شركات الصرافة في بغداد، إن “ما كل ما يجري يعلم به البنك المركزي لكنه يلتزم الصمت بشكل يوحي أنه يغض الطرف عن مستفيدين من هذا الاحتيال على العراقيين”.

وأكد الشمري أن “البنك المركزي أوقف إجراءات مهمة تمنع التلاعب والتزوير، ومن أهمها التقاط صورة للشخص المستفيد، وارسال رقم سري على هاتف الأخير لغرض إكمال الأمر بوجوده شخصيا”.

وأشار إلى أنه “في ظل وجود هاتين الثغرتين يصبح التلاعب التزوير متاحا لكل أصحاب شركات الصرافة، مقابل تمرير اشخاص ربما عددهم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة ممن يستحقون بالفعل هذه المبالغ المخصصة للمسافرين، وإبلاغ الآخرين أن الحصة المالية المخصصة لهم من البنك المركزي، قد انتهت”.

وفي الوقت ذاته، أكد أن “الأمر نفسه يحصل في المصارف الحكومية المعنية بإعطاء الدولار للمسافرين (الرافدين، الرشيد، المصرف العراقي للتجارة) والمسؤولون والموظفون هنا يتفقون مع أشخاص من معارفهم ويمررونهم لقاء عمولة مالية معينة، على حساب المسافرين الحقيقيين، الذين يبلغونهم أن العدد اكتمل”.

وأوضح المشهداني خلال مقابلة تلفزيونية في 6 مارس 2023 أن شركات السياحة ترسل المبالغ مع المسافرين إلى تلك الدول، ويجري تصريفها هناك وتحصل على فارق أكبر مما تحصل عليه في العراق.

الأمر الآخر، بحسب المشهداني هو أن هذه المبالغ ترسل على شكل حوالات مالية (سوداء)، لأن تحويل مبلغ قدره 10 آلاف دولار إلى الإمارات في السوق الموازي يكون له مقابل يقدر بـ 600 دولار، وبالتالي يحقق ربحا كبيرا عن طريق هذا الموضوع أيضا.

“عملية كبيرة”

وعن إجراءات السلطات العراقية تجاه الأزمة، قال محافظ البنك المركزي العراقي، علي العلاق، إن الاستقرار النقدي واستقرار سعر الصرف “عملية كبيرة” تتطلب إجراء “الكثير من التغييرات” و”إعادة تنظيم” النظام التجاري في العراق ونظام التحويل الخارجي.

جاء ذلك في كلمة ألقاها العلاق خلال “المؤتمر المصرفي العراقي السنوي” الذي عقد في مدينة أربيل بإقليم كردستان العراق، في 21 أكتوبر.

 وقال علي العلاق، إن المؤتمر ينعقد في إطار “الجهود المتواصلة لتعزيز القطاع المصرفي وصولا إلى نظام مالي مستقر وآمن وفعال في ظل المتغيرات والتطورات والتحديات المتسارعة التي يشهدها العالم في تحولات البنية والأنظمة المالية وقواعد العمل وما يصاحبها من تقدم كبير في استخدام التقنيات المالية”.

محافظ البنك المركزي، أكد أن “هذه القواعد هي التي تحفظ سلامة النظام المالي، بل تحفظ العراق من مخاطر جدية”، منوها إلى أن هناك “علاقة وثيقة بين تطبيق هذه المعايير وبين انسيابية عمليات التحويل والحفاظ على استقرار سعر الصرف”.

 وأشار محافظ البنك المركزي، إلى ضرورة “العمل على الانتقال من ظاهرة الاقتصاد النقدي إلى الرقمي”.

وكان محافظ البنك المركزي العراقي، علي العلاق، أكد خلال بيان رسمي في 15 فبراير 2023، أن “المنصة الإلكترونية الجديدة وجدت لتجنب وقوع أي عقوبات على الجهات التي تجري عمليات تحويل سواء كانت مصارف أو غيرها”.

وبين العلاق أن المنصة تعمل على حماية القطاع المصرفي للبنك المركزي والبنوك من الوقوع في أي إشكال يتعلق بالتحويلات المالية الخارجية وهذا يخدم جميع الأطراف، مؤكدا أن من مسؤوليته إغلاق الفرق في سعر الصرف، وأن خطواته جادة وحثيثة في هذا الصدد.

مقالات ذات صلة