كيف يؤثر الملف الاقتصادي على المشهد الانتخابي في تركيا؟

يتوجه اليوم الناخبون الأتراك إلى صناديق الاقتراع للتصويت؛ لا على مجرد اختيار برلمان ورئيس للدولة، بل لصالح الشخص القادر على إدارة الاقتصاد التركي الذي شهد في الآونة الأخيرة تحديات جمة، وعلى رأسها التضخم الناجم عن الإنفاق الحكومي السخي، والسياسة النقدية غير المتشددة، من خلال الإبقاء على أسعار الفائدة منخفضةً في مقابل التضخم المرتفع، بما ساهم في خلق ما يعرف باسم “اقتصاد البالون”؛
حيث تستمر الدولة التركية ظاهرياً في التحليق عالياً بمعدلات مذهلة من النمو الاقتصادي نتيجة انخفاض أسعار الفائدة، التي تدفع بدورها نحو عدم الارتكان إلى فوائد البنوك، في مقابل التوسع في الإنفاق الحكومي، لتكون المحصلة النهائية اقتصاداً متضخماً قد ينفجر في أي لحظة. وفي ضوء ذلك، تصبح المهمة أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر صعوبةً في محاولة استمالة الناخبين وإقناعهم بمدى قدرته على تحسين أوضاع الاقتصاد. وفي المقابل، يصبح الملف الاقتصادي ورقة دعائية قوية ترتكن إليها الأحزاب المعارضة لإقناع الناخبين بالتصويت لها والتشكيك في قدرات النظام الحاكم.
ثمة مؤشرات خطيرة تنم عن وجود أزمة اقتصادية حقيقية في تركيا، تدفع الملف الاقتصادي إلى أن يكون الملف الأبرز والأهم في الأجندة الانتخابية للأحزاب السياسية المتنافسة في الدولة، ونستعرض أبرزها فيما يأتي:
تناقص الناتج المحلي الإجمالي:
انخفض الناتج المحلي الإجمالي في تركيا على مدار السنوات الأربعة الأخيرة على نحو تدريجي؛ حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي في عام2018، نحو 0.78 تريليون دولار. ومنذ ذلك الوقت، بدأت معدلات الناتج المحلي الإجمالي في الانخفاض إلى 0.76 تريليون دولار في عام 2019، و0.72 تريليون دولار في عام 2020. ورغم معاودة الناتج المحلي الإجمالي الصعود خلال عام 2021 ليبلغ 0.75 تريليون دولار، فإنه عاود الهبوط نحو مستوى قياسي في عام 2022 ليصل إلى نحو 0.47 تريليون دولار، وهو ما يعد بمنزلة مؤشر خطير على تراجع كبير في الإنتاج المحلي الإجمالي في الدولة خلال العام الماضي.
انخفاض أسعار الفائدة وتزايد التضخم:
منذ عام 2021، أقدمت تركيا على خفض سعر الفائدة من 19% إلى 8.5%، وهو الإجراء الذي كان من شأنه أن ترتفع معه معدلات التضخم في تركيا إلى أكثر من 85% خلال العام الماضي 2022، فيما يذهب اقتصاديون مستقلون إلى القول بأن مستوى التضخم يزيد عن 100%، وهو ما دفع نحوارتفاع تكلفة الغذاء والطاقة والأدوية والضروريات الأخرى، وبالتبعية تراجع مستوى المعيشة لغالبية سكان تركيا البالغ عددهم 85 مليون نسمة في السنوات الأخيرة.
تراجع قيمة الليرة التركية:
على الرغم من أن البنك المركزي التركي لم يعلن رسمياً عن أي تدخلات مباشرة في العملات الأجنبية لأكثر من عام، تقدر بلومبرج إيكونوميكس Economist Bloomberg، أنه أنفق ما يقرب من 177 مليار دولار من ديسمبر 2021 حتى أبريل 2023، على عمليات سوق العملات الخلفية لدعم الليرة التركية؛ حيث اعتمدت إدارة أردوغان بشكل متزايد على مجموعة أدوات لتحقيق الاستقرار في الليرة، بما في ذلك إدخال حسابات توفير خاصة في عام 2021 تسدد للمودعين، إذا ضعفت الليرة مقابل العملات الأجنبية. وكانت تلك الحسابات مفيدة في منع السكان المحليين من شراء الدولار. ووفق العديد من المحللين والمستثمرين، فإن ذلك أسهم في استقرار الليرة على نطاق واسع في الأشهر الأخيرة.
لكن وبالرغم من تلك السياسات، شهدت الليرة التركية تراجعاً جديداً في مايو الجاري لتتجاوز 19.5 مقابل الدولار الأمريكي؛ وذلك امتداداً لانخفاضها القياسي وسط سياسة نقدية مفرطة التساهل، واختلالات في الحساب الجاري، ومخاوف بشأن مخرجات الانتخابات الرئاسية المرتقبة.
تراجع تركيا في مؤشر الازدهار:
تراجع دعم أردوغان في الدولة التركية في السنوات القليلة الماضية تزامناً مع سلسلة من انهيارات العملة وأزمة غلاء المعيشة المتفاقمة التي نجمت عن سياسات خفض أسعار الفائدة في مواجهة التضخم المرتفع. ومن خلال مقاييس أخرى للرفاهية الاقتصادية، بدأ التراجع في وقت سابق، منذ نحو عام 2013، الذي كان بمنزلة تحول بعد عقد من النمو والازدهار العاليين في ظل حكم أردوغان وحزب العدالة والتنمية. وعلى خلفية ذلك، صنف معهد Legantum Institute البحثي – ومقره المملكة المتحدة – تركيا في المرتبة الـ95 عالمياً في مؤشر الازدهار، متراجعةً بنحو 23 مرتبة منذ عام 2011 بسبب تراجع الحوكمة والحرية الشخصية في الدولة.