كيف غيرت جاسيندا أرديرن النظرة إلى السياسيين

منذ أن أصبحت جاسيندا أرديرن سيدة في صف قادة الدول، لم تعد نيوزيلاندا كما كانت، إلى أنها دخلت التاريخ مرة أخرى حين أعلنت استقالتها، لأنها لم تعد قادرة على تقديم المزيد للبلاد حسب تعبيرها : «لقد فرغ الخزان، والسياسيون يتعبون مثل غيرهم. لم أعد أملك الطاقة على الاستمرار». وهي الإستقالة التي صدمت الكثيرين من محبين هذه الشخصية، إلى أنها جعلت الكثيرين يثنون على شجاعتها في التخلي عن الكرسي.
سياسة جاسيندا أرديرن
منذ توليها منصبها أولت أرديرن اهتماماً مبكراً بالبيئة والتغيرات المناخية، فإنها أيضاً اهتمت بالبرنامج الحكومي الأول بأولوية النظام الصحي وبشكل متساوٍ للجميع، لضمان نمو الأطفال في بيئة صحية تمكنهم من إتمام التعليم، وكسر دائرة الإرث الاجتماعي في الفقر. وفي ذات الوقت، مضت حكومتها نحو “قمع” تلاعب المضاربين بأسواق العقارات. وباشرت حكومتها بجهود مكافحة التغير المناخي والتلوث البيئي، وبمبادرة زرع مليون شجرة سنوياً. وعلى المستوى الاجتماعي، لم يفت أرديرن تحسين أجور الطبقة العاملة، ووضع حد أدنى للأجور يفي بغرض الوصول إلى بعض المساواة في العدالة الاجتماعية، شأنها في ذلك شأن بقية الأحلام الكلاسيكية ذات اللون الأحمر والأخضر التي تحظى باهتمام كبير في الديمقراطيات الاجتماعية حول العالم.
شخصية إنسانية
وخلال فترة عملها تميزت جاسيندا أرديرن بشخصيتها الإنسانية فبعد مذبحة مسجدي كرايستشيرش ومقتل 51 شخصاً في 15 مارس/ آذار عام 2019 على يد الأسترالي اليميني المتطرف برينتون تارانت، ظهرت رئيسة الوزراء النيوزيلندية بمظهر أثار إعجاب شعبها، من مختلف العرقيات. حين ارتدت غطاء رأس في زيارتها للتعزية بضحايا الهجوم، وهو جعلها مثلاً أعلى في عيون كثيرين من المسلمين، الذين سيشاركون في الانتخابات التالية بالتصويت الكبير لها ولحزبها. المظهر الذي ظهرت به أرديرن، لم يكن مجرد تصرف سطحي، بل كان مدروساً تماماً في مواجهة الموجة الشعبوية والتطرف القومي الذي كان ينمو قبل سنوات من وقوع المذبحة.
لقد أخذت حكومتها ما جرى بجدية، وشكلت لأجل ذلك لجنة تحقيق في جهود السلطات لمكافحة الإرهاب. فخلص تقرير من 800 صفحة إلى أن السلطات الأمنية ظلت لسنوات تركز “بشكل شبه حصري على الإرهاب بدوافع إسلامية”، من بين نقاط عدة وجهت لجنة التحقيق فيها انتقادات لعمل الأجهزة الأمنية. وخلص إلى أن على نيوزيلندا أن تكون أكثر دقة في مسألة منح رخص السلاح. كل الأخطاء التي عددها التقرير، وإن لم يحمّل السلطات مسؤولية عن كبح الهجوم على المسجدين، جعلت أرديرن تقول: “لم تجد اللجنة أنها كانت ستوقف الهجوم إذا حُلَّت المشاكل، لكن كانت هناك أخطاء، وأنا أعتذر عن ذلك”.
ردها هذا على الهجوم الإرهابي وضعها في بؤرة ضوء عالمية، حيث تلقت إشادة دولية واسعة النطاق لردها على الهجوم. وسرعان ما حظرت بيع نوع الأسلحة شبه الآلية التي استخدمها تارانت. كذلك أشعلت حركة عالمية ضد التطرف على الإنترنت. ذلك كله لم يمنع أيضاً توجيه انتقادات مستمرة للسلطات النيوزيلندية لتجاهلها التحذيرات المتكررة من المجتمعات الإسلامية بشأن ارتفاع جرائم الكراهية ضدهم.
وأخذت حكومتها بتوصيات لجنة التحقيق الـ44، وأهمها إنشاء مركز استخبارات وأمن وطني جديد، وكذلك تعيين وزير لتنسيق تنفيذ العديد من التوصيات. وأعلنت الحكومة أنها ستعمل على تحسين قدرة الشرطة على التعرف إلى جرائم الكراهية ومكافحتها وجمع البيانات عنها.
ذات يوم قالت جاسيندا أرديرن في مقابلة مع “بي بي سي” إن مشهد بعض الأطفال الجياع وحفاة القدمين في مسقط رأسها (ولدت عام 1980 في مدينة هاميلتون ونشأت في مورينسفيل وموروبارا) هو ما ألهمها لأن تصبح ناشطة سياسية مع اليسار.
تأمين مسبق
رجل المخابرات السابق في نيوزيلندا بول بوكانان أكد أن أرديرن واجهت خلال فترة حكمها منذ عام 2017 تهديدات عالية المستوى وبعد مغادرتها المنصب رسميا ستكون بحاجة لمزيد من التأمين أكثر من أي رئيس وزراء سابق بالبلاد.
وقال بوكانان: “المتطلبات الأمنية لرئيسة الوزراء السابقة جاسيندا أرديرن ستكون أصعب بكثير من أي رئيس وزراء سابق”.
تقرير لراديو نيوزلندا (rnz) أكد توثيق تهديدات ضد أرديرن تضاعفت ثلاث مرات بين عامي 2020 و2022، ففي منتصف يناير/كانون الثاني، بدأت الشرطة التحقيق بعد تسليم منشورات للمنازل في نورثلاند تهدد بـ”القضاء عليها”.
وتلقت المحاكم ما لا يقل عن ثماني قضايا تنطوي على تهديدات ضد أرديرن، بما في ذلك قضية ديفيد روك مؤسس حزب “باكيها”، الذي ادعى أن له “الحق في إطلاق النار على رئيس الوزراء” بتهمة الخيانة والغدر.
ووفقا لرجل المخابرات السابق فإن مستوى الانتقاد اللاذع وعدد التهديدات الموجهة ضد أرديرن يقف خلفها مصادر عدة بما في ذلك الرافضين للتطعيمات ومنظرو المؤامرة.
ورغم التتويج المنتظر لكريس هيبكنز رئيسا للوزراء في نيوزيلندا خلال أيام، إلا أن المشاعر المعادية للمرأة ستؤدي إلى تفاقم التهديدات تجاه أرديرن.
بول بوكانان أكد أن أبرز دليل على الميول للعنف كان واضحًا في الاحتجاجات البرلمانية التي دعا فيها المتظاهرون إلى إعدام السياسيين.
أما المتحدث باسم وزارة الشؤون الداخلية النيوزيلندية فقد رفض تقديم أي معلومات تتعلق بشأن الترتيبات الأمنية لأي من أرديرن أو هيبكنز في الوقت الحالي.
وقال المتحدث: “في الوقت الحالي، ينصب تركيزنا على الاستمرار في دعم المسؤولين التنفيذيين والموظفين الذين قد يتأثرون بالتغييرات التي تم الإعلان عنها خلال الأسبوع الماضي”.
وتابع: “هذا يشمل تقديم المعلومات والنصائح لكل من رئيس (رؤساء) الوزراء المنتهية ولايته والقادم فيما يتعلق باستحقاقاتهم على النحو المنصوص عليه في التشريع”.
رجل المخابرات السابق اعتبر أن كثيرا من الاستعداد للعنف ضد رئيس الوزراء تم “استيراده” من الولايات المتحدة، موضحا أن بعض الجماعات الأكثر نفوذاً التي تروج لنظريات المؤامرة تم تمويلها من قبل مجموعات مماثلة وأكبر في الولايات المتحدة.
على عكس بدلات السفر، لم تكن هناك قواعد صارمة وسريعة تحدد مقدار الحماية أو المدة التي حصل فيها رئيس الوزراء السابق على الحماية بعد ترك منصبه.
ومضى الرجل في حديثه: “لسوء الحظ، سنرى أن جاسيندا أرديرن ستحتاج على الأقل لعام مقبل، حماية لمدة 24 ساعة على الرغم من تنحيها”.
وأثبتت أرديرن جدارة ودبلوماسية قوية في معالجة مجزرة كرايستشيرش، التي راح ضحيتها 51 مسلما في نيوزيلندا على يد المتطرف الأسترالي برينتون تارانت قبل أربع سنوات.
ما بعد الإستقالة
يحدد قانون الأجور والخدمات النيوزيلندي لعام 2013 قيمة ما يتقاضاه رئيس الوزراء السابق وزوجته في راتب سنوي كل عام، بالإضافة إلى مستحقات السفر التي يحق لهما الحصول عليها.
حاليًا يحق لأي رئيس وزراء عمل في هذا المنصب لأكثر من عامين، الحصول على 11400 دولار عن كل سنة كاملة بحد أقصى 57 ألف دولار.
وعملت أرديرن كرئيسة وزراء لما يقرب من 5 سنوات ونصف.
وقد يُدفع لرئيس وزراء سابق مقابل السفر داخل نيوزيلندا في خدمات الطيران والسكك الحديدية والعبّارات والحافلات المنتظمة أو بسيارة أجرة إذا كان السفر يفي بالالتزامات المتعلقة بدوره كرئيس وزراء سابق وليس لأغراض العمل الخاص أو أغراض التوظيف.
ويمكن لرئيس الوزراء السابق أيضًا أن يسافر بسيارة يقودها سائق إذا تم استيفاء معايير مماثلة.