كيف تنظر الصين إلى تقارب اليابان وحلف الناتو؟

غيرت حرب أوكرانيا كثيراً من المفاهيم الأمنية، ودفعت الدول إلى مراجعة استراتيجيتها الدفاعية وعلاقتها الدولية بما في ذلك اليابان، التي سعت طويلاً إلى نفض غبار الحرب العالمية الثانية بالنأي عن نفسها من التحالفات العسكرية، لكنها تتجه اليوم لعلاقة أكثر قرباً مع حلف شمال الأطلسي (ناتو)، معلنة محادثات لفتح مكتب اتصال سياسي للحلف العسكري الغربي، وهو الأول من نوعه في آسيا.
شهدت الآونة الأخيرة العديد من التحرُّكات التي تشير إلى اهتمام حلف الناتو بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأثارت التكهنات حول طموحات الحلف إلى التوسع في دول الجوار الصيني، وصولاً إلى الحديث عن ضم بعض تلك الدول إلى المنظمة الإقليمية الأمنية الأهم في العالم، خاصةً في ظل الإدراك المتنامي للحلف لحجم التحديات التي بات يطرحها الصعود الصيني على مصالح وأمن وقيم الحلف، وهو ما ترجمته تصريحات وكلمات مسؤولي الحلف، والمفهوم الجديد الذي أقره مجلس الحلف العام الماضي، وهي التحديات التي تصبح مُعقَّدة ومُركَّبة إذا نُظر إليها من زاوية التقارب الروسي الصيني الذي ينظر إليه الناتو أيضاً بوصفه تحدياً أمنيّاً في ظل الحرب الأوكرانية ومخاوف الحرب التايوانية.
خاصةً أن العديد من التقارير تُرشِّح تايوان خصيصاً ومنطقة الهندوباسيفيك على وجه العموم لأن تكون بؤرة الصراع التالية، بالإضافة إلى التوترات بين الدول الشريكة في المنطقة وبين كوريا الشمالية، وعلى رأسها التوترات اليابانية الكورية الشمالية، والتوترات بين الجارتين الكوريتين.
وتأتي تلك التحرُّكات كذلك في ظل إدراك الحلف الأهمية الاستراتيجية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وسعي “الناتو” إلى التواصل والتنسيق والتعاون مع شركاء من خارج الحلف متشابهين معه في التفكير تجاه التحديات الإقليمية والعالمية، وينتمون إلى القيم الغربية نفسها التي يتحرك وفقها الحلف، ويتشاركون المصالح ذاتها، فضلاً عن التخوُّف من ضم الصين لتايوان بالقوة، في تكرار للحرب الروسية في أوكرانيا،
يسعى حلف الناتو إلى استباق التهديدات في منطقة الهندوباسيفيك قبل اشتعالها، ومناقشة تأثير الحرب الأوكرانية على المنطقة، خاصةً في ظل مخاوف الناتو من احتمالية تكرار ما حدث في أوكرانيا، في منطقة الهندوباسيفيك؛ وذلك في ظل التوقعات التي تدفع بأن تايوان قد تُصبح بؤرة الصراع التالية بعد الحرب في أوكرانيا، وأن الحرب الروسية على أوكرانيا قد تُشجِّع بكين على ضم تايوان.
يؤكد الخطاب السياسي لقادة حلف الناتو ودوله الكبرى، فضلاً عن المفهوم الجديد الذي أقره في عام 2022، اهتمامه بمنطقة الهندوباسيفيك، والالتزام بالعمل مع الشركاء الرئيسيين في المنطقة مثل اليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا وأستراليا، وقد أكد نائب الأمين العام لحلف الناتو “ميرسيا جيوانو” في أبريل 2023، التزام الحلف بالعمل مع شركائه في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة التحديات الأمنية.
تشهد اجتماعات حلف الناتو مؤخراً حضور مسؤولين من دول الجوار الصيني ومنطقة الهندوباسيفيك؛ فقد شارك وزراء خارجية كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا في اجتماع وزراء خارجية دول حلف الناتو في 4 و5 أبريل 2023، كما دعا حلف شمال الأطلسي كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا إلى حضور قمة الحلف المقبلة المقرر عقدها بفيلنيوس، في يوليو 2023، بعد أن حضر قادة دول وحكومات تلك الدول الأربع قمة حلف شمال الأطلسي للمرة الأولى عام 2022، كما سبق أن شارك وزراء خارجية أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا في اجتماعات مع نظرائهم في الناتو في عامَي 2020 و2022.
تسعى الولايات المتحدة إلى ضم الهند إلى مجموعة “الناتو+5″، وهو الترتيب الأمني الذي يجمع بين حلف الناتو ودول أستراليا ونيوزيلندا واليابان وإسرائيل وكوريا الجنوبية، لتعزيز التعاون الدفاعي العالمي؛ حيث أوصت “اللجنة المختارة بمجلس النواب، المعنية بالمنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والحزب الشيوعي الصيني”، في مايو 2023، بتضمين الهند في هذا الترتيب، ضمن مساعي تعزيز سياسة الردع التايواني؛ وذلك بعد أن أكد ممثل الولايات المتحدة لدى حلف الناتو، في مارس 2023، انفتاح الحلف على مشاركة أكبر مع الهند.
مع توسيع حلف الناتو وجوده وشراكاته مع دول الجوار الصيني والسعي نحو تعزيز حضوره في منطقة الهندوباسيفيك، سواء المباشر، أو عبر تعزيز التعاون مع الدول الشريكة؛ فإن ذلك لا يعني توسيع عضوية الحلف لضم تلك الدول؛ حيث قام الحلف – وفق تاريخه واسمه وأهدافه ومواثيقه – على عضوية دول أوروبا وأمريكا الشمالية، ويستدعي التوسع الآسيوي للحلف تعديلات هيكلية ليست باليسيرة، وهو ما أكده الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج، في مايو 2023، بقوله إن الحلف سيبقى اتحاداً لدول أوروبا وأمريكا الشمالية، ولن يقبل دولاً آسيوية في صفوفه.