كما فعل مع المعارضة الإيرانية.. هل يتجه العراق لإنهاء وجود “العمال الكردستاني”؟

على وقع إعلان بغداد، إبعاد تواجد المعارضة الكردية الإيرانية “نهائيا” من حدود إقليم كردستان بعد نزع سلاحها وتفكيك معسكراتها، برز تساؤل ملح عن مدى تطبيق التجربة ذاتها مع حزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، الذي لطالما طلبت تركيا من العراق إنهاء تواجده على أراضيها.

في 19 سبتمبر/أيلول 2023، أعلنت بغداد إخلاء مقرات مجاميع المعارضة الإيرانية، الموجودة داخل أراضي العراق الحدودية الشمالية مع إيران، وذلك ضمن اتفاق أمني وقعته بغداد وطهران في مارس من العام ذاته، حسب بيان للجنة الأمنية المشتركة بين البلدين.

ووفق البيان، نُقلت هذه المجاميع إلى مكان بعيد عن الحدود بعد نزع السلاح منهم تمهيدا لعدهم لاجئين وفق ضوابط مفوضية اللاجئين، مؤكدة انتشار قوات الحدود الاتحادية (العراقية) في تلك المناطق والوجود بشكل دائم ورفع العلم العراقي فيها.

ومنذ أكثر من أربعة عقود، يحتضن إقليم كردستان العراق أحزابا كردية إيرانية معارضة، منها: كادحي كردستان، ومنظمة خبات الثورية، والحياة الحرة (البيجاك)، ومنظمة النضال الكردستاني، وحزب سربستي، لكن الأبرز هما: الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني “حدك”، وحزب عصبة الكادحين الثوريين الإيراني “كومله”.

ورقة للضغط

وعن مدى تطبيق هذه التجربة مع حزب العمال الكردستاني الذي يتواجد في شمال العراق والمصنف إرهابيا من قبل تركيا ودول أوروبية، رأى السياسي والوزير العراقي السابق وائل عبد اللطيف، أن هذا “الحزب ترسخ في شمال العراق منذ عام 2003 وحتى اليوم، واتخذ مقار له في السهول والجبال، وتمرن على هذه المناطق، ولديه أهداف بعيدة”.

وأوضح عبد اللطيف  أن هناك “غض نظر” من بعض القوى الحاكمة في كردستان العراق عن تواجد “العمال الكردستاني”، لأنهم يريدونه يدا ضد طموحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لذلك فإن إنهاء تواجد هذا الحزب حاليا يعد أمرا مستحيلا.

ورأى الوزير العراقي السابق أن “إنهاء العمال الكردستاني ممكن في حال اشترك في مواجهته الجيش العراقي والحشد الشعبي وقوات مكافحة الإرهاب، أما دون ذلك فلا يمكن إبعاده عن مناطق شمال العراق بهذه السهولة”.

وحول الحديث عن تغلغل “العمال الكردستاني” ضمن قوات الحشد الشعبي في منطقة سنجار العراقية، وتلقيهم  رواتب من الحكومة، قال عبد اللطيف إن “هذه القضية تتعاطى بها تقريبا أغلب دول العالم، ولا سيما الدول الضعيفة التي لا تحكم على سيادة أراضيها أو وضعها الأمني”.

وأوضح أن “وجود حزب العمال في تلك المناطق سبق تواجد تنظيم الدولة، واستقوى في فترة دخول الأخير بناء على خطة مسبقة، وحصل على فرصة كبيرة ليتغلغل في تلك المناطق”.

وأضاف محافظ نينوى السابق أن “بعض الجهات العراقية وبدعم إيراني غامرت بدعم حزب العمال لمحاربة الكرد، وخلق صراع كردي – كردي على حساب الوطن، إيمانا منهم بأنها الطريقة الأسهل لتحجيم المطالب الكردية”.

وأكد النجيفي أن “وجود الحزب في سنجار والمناطق الأخرى ينعكس سلبا على مجمل الوضع العراقي، وأن هناك جهات تستفيد من وجود العمال الكردستاني، على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا، لاستخدامهم في صراع إيران وأميركا في المنطقة”.

لغة التهديد

من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، عماد الزوبعي إنه “من الممكن أن تُقدم بغداد على خطوة مشابهة لما فعلته مع المعارضة الإيرانية، لأن العراق غير قادر على صد أي هجوم، ولولا تجحفل قوات إيران على الحدود ما تحركت الحكومة العراقية”.

وتوقع الزوبعي أنه “إذا هددت تركيا فعلا باجتياح شمال العراق بالطريقة التي فعلتها إيران، وحشرت السلطات العراقية في الزاوية، فإن الأخيرة ستتحرك حينها مجبرة وليست مخيرة، لإجلاء حزب العمال الكردستاني”.

وفي هذا السياق، قال الباحث السياسي والخبير في الشؤون الكردية والعراقية كفاح محمود، إن “التصريحات الإيرانية بشأن عدم تمديد الاتفاق الموقع ما بين طهران وبغداد وأربيل لم تتوقف، منذ التوقيع وحتى هذا اليوم”.

ونقلت وكالة “سبوتنيك” عن محمود في 18 سبتمبر 2023، قوله إن “تلك التهديدات انطلقت من بعض المسؤولين رفيعي المستوى في طهران، وخاصة تصريح مسؤول الحرس الثوري (عباس نيلفروشان)، وأخيرا تصريح وزير الدفاع (محمد رضا آشتياني)”.

وأشار إلى أن “حكومة أربيل والحكومة الاتحادية في بغداد عملت، خلال الأسابيع القليلة الماضية، على نشر قوات حرس الحدود العراقية في معظم النقاط أو المناطق التي كانت تتواجد فيها مجموعات المعارضة الإيرانية، التي جرى إخلاؤها من المعسكرات و تجريدها من سلاحها وتجميعها في مخيمين في مناطق بعيدة من إقليم كردستان”.

وأعرب الخبير في الشؤون الكردية عن اعتقاده بأن “مثل هذه التهديدات لا تعبر عن شكل العلاقة ما بين بغداد وطهران وما بين الأخيرة وأربيل، خاصة وأن لإيران نفوذا كبيرا وعلاقات جيدة جدا سواء مع الإقليم أو مع الحكومة الاتحادية ومفاصل الدولة العراقية”.

وبموجب الاتفاق الموقع مع العراق أواخر أغسطس/ آب 2022، تطالب طهران حكومة بغداد بنزع سلاح التنظيمات المعارضة والنشطة شمالي العراق حتى 19 سبتمبر 2023.

وأرسلت طهران إشارات بإمكانية التدخل عسكريا في حال عدم تطبيق الاتفاق، ونشرت وسائل إعلام إيرانية مشاهد قالت إنها لتعزيزات إيرانية على الحدود العراقية.

تصعيد تركي

وبالتزامن مع إعلان السلطات العراقية إنهاء تواجد المعارضة الكردية الإيرانية على الحدود إقليم كردستان مع إيران، شنت تركيا في 18 سبتمبر، هجوما بطائرة مسيرة على مطار “عربت” الزراعي في مدينة السليمانية، نتج عنه مقتل 3 أشخاص وإصابة 3 آخرين.

وذكر بيان من الرئاسة العراقية في 19 سبتمبر، أنّ الرئيس عبد اللطيف رشيد سيستدعي سفير تركيا لدى العراق (علي رضا كوناي) للاحتجاج على ضربة بطائرة مسيّرة استهدفت مطارا صغيرا في إقليم كردستان، ممّا أدّى إلى مقتل عدد من أفراد قوات الأمن العراقيين.

وقالت الرئاسة إنه “يوما بعد آخر، تتصاعد الهجمات العسكرية الممنهجة على الأراضي العراقية وتحديدا في إقليم كردستان”.

وأضافت: “أوضحنا للجهات التركية المعنية في مراتٍ سابقة، أن العراق على استعداد للجلوس مع الجهات الأمنية المعنية لسد الثغرات التي تعتقد تركيا أنها أماكن تسلل لمن يريد المساس بأمنها، لكن دون أن نرى استجابة حقيقية لدعواتنا”.

وقال المتحدث العسكري باسم الحكومة العراقية في العاصمة بغداد، اللواء يحيى رسول، في 19 سبتمبر، إن طائرة مسيّرة دخلت الأجواء العراقية عبر الحدود مع تركيا، وقصفت مطار “عربت” بمحافظة السليمانية.

وتابعت: “نتطلع من الحكومة المركزية العراقية وسلطات إقليم كردستان العراق تصنيف (بي كا كا) وأذرعه كتنظيمات إرهابية، ومكافحة الإرهاب بشكل صادق وملموس”.

ورغم أن مدينة السليمانية تقع في إقليم كردستان، لكنها تدار بشكل مباشر من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بقيادة بافل الطالباني، ولا تخضع لسلطة الحكومة الكردية في أربيل، التي يديرها الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني.

وتنفذ تركيا عمليات عسكرية مستمرة ضد مواقع حزب العمال الكردستاني شمالي العراق، آخرها عملية “المخلب – القفل” المستمرة منذ 17 أبريل/ نيسان 2022، بعد أن دفع الصراع بين تركيا و”بي كا كا” لعقد اتفاقية أمنية مع العراق عام 1994 جرى تمديدها في 2007.

وبموجب الاتفاقية يُسمح للقوات التركية بتنفيذ ضربات جوية ضد معاقل الحزب الذي تصنفه إرهابيا، والتوغل البري لمطاردته إلى عمق 25 كيلومترا على طول الشريط الحدودي.

مقالات ذات صلة