
قدمتها واشنطن لكييف.. ما خطورة الذخائر التي تحتوي على “اليورانيوم المستنفد”؟
واصل الولايات المتحدة مد أوكرانيا لمواجهة هجمات روسيا بمزيد من الأسلحة الفعالة، وهذه المرة، قررت إدارة الرئيس جو بايدن تسليم كييف لأول مرة ذخائر خارقة للدروع تحتوي على اليورانيوم المستنفد.
ورغم أنه بإمكان القذائف من هذا النوع المساعدة في تدمير الدبابات الروسية في ساحة المعارك الأوكرانية التي يشتد وطيسها، إلا أن التحالف الدولي لحظر أسلحة اليورانيوم، يرى أن هناك مخاطر صحية جسيمة من ابتلاع أو استنشاق غبار اليورانيوم المستنفد، وتشمل السرطان وتشوه المواليد.
اليورانيوم المستنفد
واليورانيوم المستنفد (المنضب) هو ناتج ثانوي لعملية تخصيب اليورانيوم ويستخدم في القذائف لأن كثافته الشديدة تمنح القذائف القدرة على اختراق طبقات الدروع بسهولة والاشتعال الذاتي مثيرة سحابة حارقة من الغبار والمعادن.
وأشارت وثيقة اطلعت عليها وكالة “رويترز” البريطانية، وأكد محتواها مسؤولان أميركيان بشكل منفصل، إلى أن واشنطن سترسل لأول مرة ذخائر خارقة للدروع تحتوي على اليورانيوم المستنفد إلى أوكرانيا.
وبإمكان القذائف من هذا النوع المساعدة في تدمير الدبابات الروسية، ويمكن إطلاق الذخائر من دبابات “أبرامز” الأميركية التي من المتوقع تسليمها لأوكرانيا خلال أسابيع.
ورغم أن بريطانيا أرسلت قذائف تحتوي على يورانيوم مستنفد في مارس/آذار 2023 لكييف، فإن شحنة الولايات المتحدة من تلك القذائف قد تثير الجدل مجددا.
ففي عام 1943، كان وزير التسليح والإنتاج الحربي في الرايخ، ألبرت سبير، يأمل في استخدام المواد المشعة لتحل محل التنغستن، وهو مكون أساسي في قذائف الدبابات التي كانت قليلة المعروض.
لكن لا يوجد أي دليل على أن “الرايخ الثالث” تمكن من صنع قذائف من اليورانيوم المنضب، لكن الولايات المتحدة طورت التكنولوجيا لتطوير ذخائر “قاتلة للدبابات” في سبعينيات القرن العشرين.
وأظهرت العديد من الدراسات أن اليورانيوم المنضب أقل إشعاعا من المخصب لأنه يحتوي على عدد أقل من النظائر.
واليورانيوم المنضب هو عبارة عن نفايات ناتجة عن العملية التي يجري من خلالها تخصيب اليورانيوم لاستخدامه في محطات الطاقة النووية والأسلحة النووية.
ولاحقا يجري تجريد اليورانيوم المنضب من الكثير من مادته المشعة، لكن ليس كلها بهدف استخدامه في الأسلحة، ويمكن استخدامه لتعزيز طلاء الدروع على الدبابات.
وبذلك ستمكن القذائف أطقم الدبابات الأوكرانية التي تخوض هجوما مضادا ضد روسيا، من إطلاق النار على أهداف العدو من مسافات أكبر، مما يقلل من تعرضهم للنيران المضادة.
سلاح فتاك
ويجعل اليورانيوم المنضب الأسلحة أكثر قوة وفتكا، لكنه قد يشكل خطرا على الجنود والسكان المدنيين المحليين.
وعندما تضرب الذخيرة المصنوعة من اليورانيوم المنضب هدفا، يتحول اليورانيوم إلى غبار يستنشقه الجنود بالقرب من موقع الانفجار.
ثم تحمل الرياح الغبار إلى المناطق المحيطة، مما يؤدي إلى تلويث المياه المحلية والزراعة.
كما تشكل قطع الدروع والذخيرة القديمة تهديدا، خاصة للأطفال المحليين الذين يلعبون بالدبابات وغيرها من المعدات العسكرية المصنوعة من اليورانيوم المنضب.
ثم جرى استخدامها لأول مرة في حرب الخليج عام 1991، ثم في كوسوفو عام 1999، وأثناء غزو العراق عام 2003.
وفي يوغوسلافيا السابقة أدى استخدام اليورانيوم في الذخيرة بعد ذلك إلى فضيحة كبرى، أمراض ووفيات بين أفراد عسكريين من الوحدات التي استخدمت قذائف اليورانيوم المنضب، وهذه الظاهرة كانت تسمى “متلازمة البلقان”.
وحددت ميرون طبيعة الخوف من اليورانيوم المنضب، وهو أنه إذا سقطت قذائف اليورانيوم المنضب على الأرض، فإنها قد تلوث التربة.
وزادت بالقول: “ولهذا السبب أثارت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي الجدل عندما استخدموها في كوسوفو عام 1999”.
زاوية صحية وبيئة
من زاوية صحية وبيئية، يقول برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة إن الهواء والتربة والمياه والنباتات يمكن أن تكون ملوثة وتتأثر ببقايا اليورانيوم المنضب.
ولهذا أمرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بمراجعة الآثار الصحية لأسلحة اليورانيوم المنضب عام 2007، وأجرت الهيئات الدولية عدة مراجعات أخرى.
ومع ذلك، تقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنه قد يكون هناك خطر التعرض للإشعاع بالنسبة للأفراد الذين يتعاملون مع شظايا طلقات اليورانيوم المنضب.
وتشير دراسة نشرت في مجلة التلوث البيئي عام 2019 إلى احتمال وجود روابط بين استخدام أسلحة اليورانيوم المنضب والعيوب الخلقية في مدينة الناصرية بالعراق.
وأعرب تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2022، عن القلق إزاء احتمال استخدام اليورانيوم المنضب في أوكرانيا، محذرا من أنه يمكن أن يسبب “تهيج الجلد والفشل الكلوي وزيادة مخاطر الإصابة بالسرطان”.
ويقول اللوبي التابع للتحالف الدولي لحظر أسلحة اليورانيوم إن اليورانيوم المنضب “يشكل تهديدا صحيا طويل الأمد للمدنيين والعسكريين على حد سواء”.
ولهذا هناك من يقول إن تقديم الضرورة العسكرية على حياة الإنسان وبظل غياب معاهدة تحظر اليورانيوم المنضب هو السبب الذي جعل دولا مثل الولايات المتحدة قادرة على تبرير استخدامه.
وسبق أن اعتمدت لجنة الأمم المتحدة الفرعية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في عام 1996 وفي عام 1997 مقترحات لإدراج الأسلحة التي تحتوي على اليورانيوم المنضب ضمن أنواع أسلحة الدمار الشامل التي لها آثار عشوائية وتسبب أضرارا مفرطة أو معاناة لا داعي لها.
كما حثت الهيئة التابعة للأمم المتحدة جميع الدول على الحد من إنتاج وانتشار مثل هذه الأسلحة.
ومضت تقول: إن هذه القذائف معدة للاستخدام بواسطة دبابات تشالنجر التي تعتزم لندن تزويد كييف بها.
ورفض الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ وقتها الشكاوى الروسية بشأن إعلان بريطانيا أنها تعتزم إرسال ذخيرة إلى أوكرانيا تحوي اليورانيوم المنضب، مؤكدا أن الأعضاء “يتبعون القواعد الدولية والقانون الدولي في كل ما يفعلون في إطار دعمهم أوكرانيا”.
تهديد روسي
وحينذاك حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من أن تسليم لندن أوكرانيا ذخيرة تحوي اليورانيوم المنضب سيكون “خطوة نحو مزيد من التصعيد، بل خطوة خطرة في هذا الاتجاه”.
وأشار لافروف إلى أن هذا الأمر “سيقلص بشكل حاد” قدرة أوكرانيا على “إنتاج أغذية عالية الجودة وغير ملوثة”.
كما علق أوليج كاربوفيتش، مدير معهد الدراسات المعاصرة في الأكاديمية الدبلوماسية بوزارة الخارجية الروسية، على الأمر بقوله إن قذائف اليورانيوم المنضب قد تؤثر على الزراعة في أوكرانيا.
وتعتمد معظم الدول الأوروبية وكذلك دول أفريقيا والشرق الأوسط بشكل كبير على المنتجات الزراعية الأوكرانية.
وليس من الصعب التنبؤ بحجم الأزمة الغذائية التي يمكن أن تندلع إذا تبين أن جزءا كبيرا منها موجود في أوكرانيا.
كما شكك كاربوفيتش في عدم وجود رد فعل من جانب المستوردين الأوروبيين للحبوب الأوكرانية.
لكن الولايات المتحدة رفضت حينها في 23 مارس/آذار 2023 شكاوى موسكو ووصفتها بأنها “حجج واهية”.
وأدانت منظمة “الحملة من أجل نزع السلاح النووي” البريطانية المناهضة للأسلحة النووية تزويد ذخائر تحتوي اليورانيوم المستنفد، ورأت في بيان 21 مارس/آذار 2023 أن الأمر سيكون بمثابة “كارثة بيئية وصحية إضافية لأولئك الذين يعيشون في قلب النزاع”.