في يوم واحد.. ماذا يعني خروج 72 مظاهرة في 16 دولة أوروبية ضد مجازر الاحتلال؟

رغم الانحياز الكامل لوسائل الإعلام الغربية في أميركا وأوروبا للعدوان الإسرائيلي على غزة، والتضييق على آراء المعارضين له على مواقع التواصل، كان رد فعل الشارع مختلفا هذه المرة.

وأدرك كثيرون أن ما يجرى ليس “دفاعا لإسرائيل عن نفسها”، كما يروج الساسة وإعلام الغرب، وإنما هي حرب “إسرائيلية غربية” مشتركة ضد الفلسطينيين، بدليل إرسال بوارج وطائرات وجنود وأطنان من القنابل لتدمير غزة.

منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتسوية طائرات الاحتلال، المنازل الفلسطينية بالأرض وهدمها فوق رؤوس سكانها، خرج آلاف المتظاهرين في أوروبا وأميركا ينددون بهذه الوحشية ودعم معركة إسرائيل في إبادة أبناء غزة، متسائلين: لماذا؟

في يوم واحد هو 21 أكتوبر 2023، رصد ناشطون على مواقع التواصل خروج مظاهرات في 72 مدينة في 16 دولة أوروبية ترفض المجازر الصهيونية.

اعتماد صحف وفضائيات غربية لغة الكذب والازدواجية وشيطنة المقاومة التي تدافع عن أرضها والدعم الأعمى للاحتلال لدرجة وصف المقاومين بأنهم “إرهابيون” على الطريقة الإسرائيلية استفز الشارع الغربي فخرج ليقول الحقيقة.

فمقابل الخطاب الغربي الداعم لإسرائيل، توجد رواية موازية متضامنة مع الشعب الفلسطيني يرددها عدد من السياسيين والناشطين ووسائل الإعلام البديلة.

ملاحقة الداعمين

رغم أن الشرطة في دول أوروبية عدة سمحت بحرق نسخ من القرآن الكريم بدعاوى أن هذه “حرية تعبير”، فقد قمعت بعنف المتظاهرين الذين خرجوا للاحتجاج ضد المجازر الإسرائيلية وجرى اعتقال العشرات وقمعهم.

لم تكتف الدول الغربية، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بإعلان انحيازها الكامل للاحتلال الإسرائيلي، بل تعدى ذلك الدعم إلى ملاحقة الأصوات المناصرة للقضية الفلسطينية، ومنعها من التعبير عن الرأي، ما كشف مجددا ازدواجية المعايير الغربية.

حكومات تلك الدول سعت إلى إخراس الأصوات المتضامنة مع فلسطين، عبر ملاحقتهم أو منعهم من التعبير عن رأيهم وتجريم ذلك، وهو ما قال مراقبون، إنه يظهر مجددا عنصرية الغرب في تعامله مع القضايا التي تهم العرب والمسلمين.

فباريس التي سمحت بمظاهرات معادية للإسلام وأخرى لدعم قتل الاحتلال للفلسطينيين، لم تسمح سوى بمظاهرة واحدة في 22 أكتوبر 2023 لدعم غزة، وبعد 15 يوما من الحرب.

واشترطت على المتظاهرين التنديد أيضا بهجوم حركة المقاومة الإسلامية حماس على إسرائيل، حسبما أوضحت وكالة “رويترز” البريطانية.

وهو ما دفع “بنزيما” لرفع دعوة قضائية على وزير الداخلية الفرنسي و4 أشخاص آخرين بسبب اتهامه بالانتماء لجماعة الإخوان والتحريض ضده بعد موقفه من العدوان الإسرائيلي على غزة.

وفي ألمانيا، ورغم أن معظم الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين أوضحت أن تركيزها ينصب على الوضع الإنساني في غزة وليس دعم حماس، فقد جرى حظرها جميعا باستثناء اثنتين، واستخدمت الشرطة العنف لتفريق المتظاهرين.

قمع وقوانين

الناشطة “بسمة مصطفي” قالت غاضبة: “لقد هربت من مصر بسبب القيود المفروضة على حرية التعبير، لأواجه قيودا مماثلة كمهاجرة في ألمانيا وتهديدات بالطرد لأنني أدافع عن فلسطين رغم ادعاء برلين أنها تمتلك قيما ديمقراطية”.

كما أصبح التلويح بالعلم الفلسطيني “جريمة جنائية” في بريطانيا، بحجة مضايقة أفراد الجالية اليهودية، كما قال وزيرة الداخلية “سويلا برافرمان” في تعليماتها لرجال الشرطة، ودعت لقمع داعمي غزة، حسبما ذكرت صحيفة “الغارديان” 10 أكتوبر 2023.

لم يقتصر الأمر على منع الشرطة في غالبية الدول الأوروبية التظاهر لدعم الفلسطينيين وإعلان أنها ستعتقل من يدعم غزة، بل قررت حكومات إصدار قوانين تعاقب وتسجن من يدعمهم.

وأطلقت الداخلية الفرنسية حملة اعتقالات في صفوف المتضامنين مع القضية الفلسطينية، بحسب صحيفة “لوموند” 11 أكتوبر 2023.

وهدد وزير العدل الفرنسي إريك دوبوند موريتي، في 12 أكتوبر 2023 بـ “السجن 7 سنوات”، لكل من يتعاطف مع ما تتعرض له إسرائيل بما يدعم “حماس” أو يعلن مساندتها.

دلالات المظاهرات

منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى” كشفت أغلب دول الغرب انحيازها التام لإسرائيل، وأعلن زعماء الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا “دعمهم الثابت والموحد” لها في هجومها على غزة. 

كما انهالت الآلة الإعلامية لتلك الدول كي تشيطن الفلسطينيين، مستخدمة في ذلك الأخبار الزائفة.

لكن نشأ بالتوازي مع هذا الخطاب المنحاز خطاب آخر متعاطف مع الشعب الفلسطيني، عبّر عنه عدد من السياسيين الأوروبيين، على الرغم من التضييقات التي تعرضوا لها. 

وظهر ناشطون أميركيون وأوروبيون يذرفون الدموع على غزة ويهاجمون الاحتلال الإسرائيلي بسبب جرائمه، ويتهمون حكوماتهم بالإجرام وإعلامهم بالكذب بعدما أصبحوا يرون وجه الاحتلال الحقيقي.

ازدواجية مفضوحة

وقالت لها عضو البرلمان الأوروبي كلير دالي على تويتر: من تظنين نفسك؟ أنت غير منتخبة، وليس لديك أي سلطة لتحديد السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، أوروبا لا تقف إلى جانب إسرائيل، نحن ندافع عن السلام”.

وقد انتقد العديد من الأوروبيين والأميركيين طريقة تعامل الغرب مع مجازر غزة مقارنة بما فعلوه مع الحرب الروسية على أوكرانيا.

قالوا إن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن انتقد في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 قطع روسيا الماء والكهرباء عن المدنيين في أوكرانيا ووصف ذلك بالعمل “الهمجي”، فلماذا صمت على منعها عن أهالي غزة؟!

البرلماني الهولندي “ستيفان فان بارلي” تحدث مع وزيرة خارجية بلاده وهو ينظر الى عينيها قائلا: “عندما يضرب صاروخ روسي مستشفى في أوكرانيا فإنك تعد ذلك جريمة حرب، لكن عندما يحدث ذلك في غزه تتجاهلون”.

أضاف صارخا فيها: “عندما انفجر سد في أوكرانيا قلتم إن روسيا ارتكبت جريمة حرب، لكن عندما يموت مليونا شخص بسبب محاصرة (تل أبيب) لهم وحرمانهم من الماء والغذاء والدواء تتخذون وضعية الصامت، هذا يعني أن خطابكم وإنسانيتكم تتغير عندما يكون الفاعل إسرائيل”.

مقالات ذات صلة