
على خطى نابليون بونابرت.. ماذا يعني وضع فرنسا المسلمين تحت إشراف الدولة؟
وسط حالة عداء عنصرية غير مسبوقة للمسلمين في فرنسا ونمو معاداة الإسلام، طرح مسؤولون فرنسيون “مشروعا عدائيا أكبر” يتمثل في محاولة سن قانون مستقبلي خاص بالمسلمين يقرر لهم ما يفعلون وما يرتدون تحت إشراف الدولة.
ويأتي هذا “المشروع الجنيني المشوه” ضمن سلسلة قوانين صدرت أخيرا تستهدف المسلمين في فرنسا وتعكس اتجاها أوسع لتزايد المشاعر المعادية للإسلام في البلاد، حيث أصبح عداء المسلمين أمرا شائعا في الأوساط السياسية في مناخ ملبد بالعنصرية.
قصة القانون
رئيس الوزراء السابق، إدوار فيليب، المرشح الرئاسي لليمين الفرنسي على منصب الرئاسة في الانتخابات المقبلة 2027، أوضح في كتاب جديد، عن خططه المستقبلية لفرنسا أن الإسلام قد يتطلب قانونا جديدا وهيئة حكومية لتنظيمه في فرنسا، وذلك وفقا لما جاء في تقرير لمجلة “لو نوفيل أوبسرفاتور” في 16 سبتمبر/أيلول 2023.
ودعا فيليب إلى ضرورة السيطرة على الإسلام في فرنسا من خلال وضعه تحت إشراف الدولة، عبر إنشاء “نظام خاص” على شكل “قانون” يسمح للحكومة بالتدخل بشكل مباشر في تنظيم العبادة الإسلامية في فرنسا.
السياسي الفرنسي طالب بتشريعات خاصة بالمسلمين على نقيض قانون 1905، الذي يقر بمساواة الأديان وبحق المواطنين في ممارسة معتقداتهم الدينية، معتبرا أن “المسلمين استثناء من هذا القانون!”.
هذا القانون المنتظر، سيسمح للحكومة الفرنسية بالتدخل بشكل مباشر بتنظيم عبادة المسلمين ويفرض عليهم التزامات تتعارض مع دينهم وتفرض قيودا عليهم، لأنه يلغي قانون المساواة بين المواطنين فيما يخص المسلمين فقط.
والطريف أن فيليب متهم بـ”الاستيلاء بشكل غير قانوني على المصالح واختلاس الممتلكات والمحسوبية والابتزاز والتحرش الأخلاقي”، والقضية في أيدي مكتب المدعي العام المالي الوطني (PNF)، الذي أكد هذه المعلومات.
وهو ما قد يؤثر على طموحات رئيس الوزراء السابق في ترشيح نفسه لرئاسة فرنسا بدلا من الرئيس الحالي ماكرون التي تنتهي ولايته عام 2027، بحسب صحيفة “فرانس سوار” في 20 سبتمبر/أيلول 2023.
وتحدث عن “خصوصية الإسلام” وكيف أنها تطرح أسئلة لا تسمح بنية قانون عام 1905 بمعالجتها، ويذهب فيليب إلى حد التأكيد على أنه سيأتي الوقت الذي تظهر فيه فكرة “الكونكوردات”، حيث “تجبر الدولة الطائفة الإسلامية على تنظيم أو إصلاح نفسها!”.
و”الكونكوردات”، اتفاق تم بين نابليون بونابرت والبابا بيوس السابع تم توقيعه في 15 يوليو 1801 بباريس، للمصالحة بين الثوار الفرنسيين والأساقفة الكاثوليك، سمح بعودتهم بعد استيلاء الثورة على الكنيسة مقابل الخضوع للدولة.
“التقليد النابليوني“
وتحدث فيليب أيضا بالتفصيل عن هذا القانون العنصري في لقاء مع محطة “راديو فرنسا” في 13 سبتمبر 2023 وهو يعقب على منع باريس العباءة في المدارس وتصديق المحكمة العليا على هذا القرار ومنع الطالبات المسلمات من ارتدائه.
وأشارت مجلة “لو نوفيل أوبسرفاتور” إلى أنها المرة الأولى التي يدافع فيها شخص بمكانة فيليب السياسية عما يمكن أن يكون في الأساس قانونا منفصلا يتعلق بالعلمانية الفرنسية ويستهدف المسلمين فقط.
ودفع هذا صحيفة “لو فيغارو” للتساؤل أيضا في 21 سبتمبر 2023، هل إثارة فيليب فكرة عدم فعالية “قانون 1905” (الخاص بالمساواة بين الأديان) في مواجهة الإسلام، معناه أن فرنسا قد تفعل بالمسلمين ما فعله نابليون باليهود قبل 200 عام.
وتشير دراسات تاريخية إلى أن نابليون كانت له علاقات عدائية مع اليهود، وأنه سبق الزعيم النازي أدولف هتلر في اضطهاد اليهود، حسبما تدل على ذلك وثائق اشتغل عليها مؤرخون يهود أنفسهم.
فقد عامل اليهود معاملة عنصرية قاسية إرضاء منه لموجة عداء أوروبية لليهود، لدرجة أن نابليون أصدر قراراته المعروفة بـ”قرارات 30 مايو” والتي تميز بينهم وبين بقية الأعراق.
وسبق لماكرون إصدار قانون “مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية” المثير للجدل، والذي عرف باسم “مكافحة الإسلام الانفصالي” في البرلمان خلال يوليو/تموز 2021 والذي لقي انتقادات كونه يستهدف المسلمين بطريقة عنصرية.
وأثار قانون “مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية” (قانون الانفصالية) الذي تبناه البرلمان منتصف عام 2021، استياء المسلمين في البلاد الذين رأوا أنه يهدف إلى تهميشهم والحد من وعيهم.
أبارتهايد فرنسي
صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية وصفت القانون الذي دعا له رئيس الوزراء السابق فيليب للتعامل مع المسلمين، أنه “محاولة فرنسية لشرعنة الأبارتهايد (الفصل العنصري) ضد المسلمين”.
وأوضحت الصحيفة في 22 سبتمبر/أيلول 2023 أن اقتراح قانون خاص بالمسلمين يعني أن “فرنسا يجب أن تكون مستعدة لتطبيق ما لا يقل عن الفصل العنصري القانوني للمسلمين، من خلال وضع قانون منفصل يتعلق بالإسلام”.
لكنها أوضحت أن فرض قوانين والتزامات مختلفة على دين واحد فقط، وعلى أتباعه، من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى القضاء على العلمانية في فرنسا وجميع ركائزها الأساسية، بما في ذلك حرية الدين، والفصل بين الكنيسة والدولة، والمعاملة المتساوية الصارمة لجميع الأديان من قبل الدولة.
إذ إن تنفيذ مثل هذه التدابير على المسلمين فقط من خلال القانون المقترح، هو أمر مستحيل في ظل الوضع الحالي لدستور فرنسا الذي يزعم المساواة بين الجميع.
ويشير مقال “ميدل إيست آي” لخطورة ما قاله فيليب ولهجته، التي تعني أن “الإسلام دين خطير وسامّ، وهو في نظره مبتلى بالظلامية، والراديكالية، والتطرف”، بينما لا يتحدث هو أو أي سياسي فرنسي آخر عن اليهودية والمسيحية واليمين السياسي المتطرف.
وأوضح أنه “بالنسبة لفيليب، الإسلام وحده هو الذي يمثل مشكلة، ويمثل تهديدا وجوديا، لدرجة أن قانون البلاد الشهير لعام 1905 بشأن الفصل بين الكنيسة والدولة والتوجه العلماني لا يكفي لترويض هذا الدين أو السيطرة عليه أو إصلاحه!!”.
انتقادات للقانون
ما يدافع عنه فيليب هو التشكيك في المبدأ الأساسي لـ”قانون 1905″، ويطالب باختصار بمعاملة المسلمين الفرنسيين بطريقة مختلفة وفقاً لدينهم.
وهو دفع فرنسيين ومسلمين للتنديد باقتراح فيليب بالقول إن “هذا النهج يحض على كراهية الإسلام، ويثير المخاوف على الصعيدين المحلي والدولي”.
وقد نددت نحو 50 شخصية فرنسية بهذا التصريح المثير للجدل لفيليب، من بينهم أستاذ علم اجتماع العلاقات الدولية المؤثر، برتران بادي، ومؤسس علم اجتماع العلمانية، جان بوبيرو، والكاتبة آني إيرنو.