Uncategorized

عام 2023 يَهِل وغزة لا تزال حُبلى بالوجع!

بقلم: هبة الوعري

ودعنا عام 2022م واستقبلنا عام 2023م لا ندري ما الذي يحمله لنا العام الجديد في جُعبته فكُلنا يترقب ملامحه بِثِقل، فغزة لا تزال حُبلى بالألم مثقلة بالهموم والأوجاع، رحل العام المُنصرم بهدوء ولكنه حمل معه مآسي كل عام من ويلات الحروب الإسرائيلية المتتالية على قطاع غزة التي تدمى لها القلوب فآثار كل حرب لا زالت محفورة بدواخلنا بقسوة أيامها ووجع لياليها وبشاعة مجازرها، كما أن الحصار الإسرائيلي الخانق من كل الجهات على القطاع طالت شدته وقد أرهق الأرواح بعد أن تحولت غزة إلى سجن مُحكم، خمسة عشر عاماً ونيّف وما زال الغزيون يتلمسون طريقهم بدون كهرباء لتضيء لهم حياتهم!، مرضى السرطان في قطاع غزة يموتون وهم ينتظرون تصريح يذلهم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي للسماح لهم بالسفر لوطنهم المحتل للوصول لمشافي القدس والضفة الغربية لأخذ جرعة كيماوي قاسية!.

البطالة المستفحلة في قطاعنا الجريح وانقراض فرص العمل للخريجين مما يجعل معظمهم يشق طريق الهجرة متأملين الحصول على وظيفة للعيش بسلام وسط مخاطر السفر التي جعلت الكثير منهم يعود لأهله غريقاً في بِحار الغُربة!، وأخيراً الانقسام الفلسطيني الفلسطيني المؤسف!، فجُلها مآسي لم تُطوى مع صفحات العام المنصرم فلا زالت أوجاع غزة بحجم المجَرة!..

نبدأ كل عام جديد بالأمل والتفاؤل وغالباً ما ننهيه بالخيبات والمآسي، ولكننا نحاول قدر المستطاع أن نستبشر خيراً في كل عام يُقبل قبل أن يصفعُنا مثل سابقه من الأعوام بالخذلان!.

2022عام رحل وحمل معه للعام الجديد كل ما يؤلم شعبنا الفلسطيني سواء في القدس والضفة الغربية أو في قطاع غزة، حرب تلو حرب ندوب طبعت على أرواحنا وتركت أثر مُوجع فينا فكل حرب كانت تحمل لنا أقسى وأبشع الصور والمشاهد المروعة التي لن ننساها طوال سنين حياتنا، فلم تسلم البيوت ولا المدارس ولا المساجد ولا المشافي ولا المقرات الحكومية والأبراج السكنية وحتى المقابر من القصف الإسرائيلي، عائلات بأكملها أُبيدت وخرج اسمها من السجل المدني، فالحرب على قطاع غزة تكون كل مرة براً وبحراً وجواً تستخدم فيها حكومة الاحتلال أحدث أنواع الطائرات الحربية التي تقذف أطنان من المتفجرات الضخمة على شعبنا الأعزل.

الانقسام الداخلي يستدعينا جميعاً أن نقف وقفة واحدة ويد واحدة لحماية وطننا النازف من غطرسة الاحتلال الإسرائيلي، الاقتحامات المتكررة في أقدس بقعة على وجه الأرض القدس الشريف وتدنيس المستوطنين للمسجد الأقصى ‏المبارك وتأدية طقوسهم التلمودية العلنية في مشهد تئن له القلوب وجعاً وحزناً على ما وصلنا به من حال مع استمرار ‏الصمت العربي والدولي تجاه مقدساتنا، وتساقط الشباب يومياً وهم في عمر الورد في قدسنا المحتلة والضفة الغربية شهداء بالجنة تُعطِر دمائهم ثرى وطننا ‏الغالي، واختلاط بكاء وزغاريد الأمهات في وداع فلذات أكبادهن ومشاهد تشييع الشهداء المتكرر كل يوم، ‏والاعتقالات اليومية للشباب والأطفال من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي وتعرضهم لأبشع أنواع التعذيب، المستوطنات الإسرائيلية التي تتشعب كل يوم وتلتهم أراضينا المحتلة، أسرانا البواسل القابعين خلف زنازين إسرائيلية حقيرة كان الله في عونهم مِدهم بالصبر يا الله، واغتيال عين الصحافة الصحافية الشهيدة شيرين أبو عاقلة مراسلة قناة الجزيرة الإخبارية من قبل قناص إسرائيلي حيث جاء خبر استشهادها في صباح ذلك اليوم الحزين كالصاعقة حَزن عليها الجميع وتعاطف معها العالم بأكمله.

جميعها عوامل محفورة في ذاكرة شعبنا الفلسطيني المناضل على مر العصور ونستذكرها بألم مع بداية كل عام جديد.‏

في ذلك المساء الممطر ذهبت لتهنئة صديقتي بحلول العام الجديد الذي حل عليها بالألم والصدمة بعد استشهاد كل أفراد عائلتها والديها وإخوتها وحتى بعض جيرانها في الحرب الإسرائيلية الأخيرة البشعة على قطاعنا الصامد، هنأتها وحاولت أن أخفف عنها لكن هول مشهد استشهاد من حولها وإخراجها حية من تحت أنقاض منزلها جعلها تفقد سمعها ونطقها، بعد أن انهارت العمارة على رأس ساكنيها وسويت بالأرض تماماً كأفلام الكرتون في ذات ليلة موحشة مظلمة.

ورغم وجع الوجع الذي تعيشه تلك الفتاة التي تتجرع الألم مع كل شهقة وزفرة إلا أنها صامدة محتسبة جميع أفراد عائلتها شهداء عند خالقهم.

انصرفتُ من عندها وبقيّ مرارٌ يقف كالعُلقُم في صدري جعلني أصمت وأصمت لما حل بها!.

حين أخرُج في صباح كل يوم إلى عملي أرى التدمير والخراب الذي حل بالشوارع والمنازل أثر كل عدوان إسرائيلي على قطاع غزة فعلى بُعد أمتار يوجد ركام منزل جاري المسيحي حيث قصفته طائرات الاحتلال بصاروخ ‏حاقد أضاع حلم ساكنيه فوق رؤوسهم، أذكر أني كنت أشاهده مع زوجته يعتنيان بالأزهار الموجودة في ‏حديقة منزلهم ويسقيان الأشجار الجميلة، وكانا يجتمعان كل يوم لتناول وجبة الإفطار صباحاً مع أبناءهم في شرفة ‏منزلهم الممتلئة بالأزهار المتنوعة، وكنت أذهب إليهم لتهنئتهم بكل عام جديد وأجلس معهم في تلك الشرفة الخلابة، ولكن صاروخ إسرائيلي قضى على كل شيء، وحتى حين أذهب لإحضار الخبز من المخبز المجاور لمنزلي أقف شاردة الذهن لما حل بالشارع والحي الذي يتواجد فيه هذا المخبر حيث ‏تغيرت ملامحه وناسه ومحلاته فلم يعد هناك ناس ولا منازل ولا محلات في هذا الشارع المخيف فجميع ساكنيه ‏استشهدوا ولم يبقى من أثرهم شيء ذهبوا إلى بارئهم شهداء في عليين.

لقد لفت انتباهي عبر مواقع التواصل الاجتماعي تقرير حول آراء المواطنين بحلول عام 2023م فأجاب شاب حين ‏سأله المذيع (ماذا حققت في عام 2022م من انجازات في حياتك الشخصية؟) فأجاب الشاب بإحباط شديد (أنا ‏خريج منذ سبع سنوات وحتى الآن أبحث عن فرصة عمل ولم أجد كي أعيل أسرتي بعد استشهاد والدي في ‏حرب العام الماضي على قطاع غزة فحياتنا أصبحت صعبة جداً وحياة كل شاب مثلي مليئة بالإحباطات!)، من جانب ‏آخر عبرت فتاة في مقتبل عمرها عن أمنيتها للعام الجديد بزيارة المسجد الأقصى والقدس المحتلة، كما عرض ‏التقرير صورة كاريكاتير لطفل صغير يسأل جده والذي كان يرتدي الحطة والعقال: (جدي ما هي أمنيتك لعام ‏‏2023؟)، أجاب الجد: (أمنيتي أرجع لبلادي وأرضي التي هُجرت منها عام 1948م ولمدينتي حيفا المحتلة أجمل ‏مدينة عشت فيها طفولتي).‏

عام يرحل وعام يأتي ولازالت غزة حُبلى بالآهات والمآسي ولو تحدثتُ أكثر عن الأوجاع في مقالي فلن يحتمل قلمي الكتابة وسيسقط حزناً على حال أهل غزة، ولكن ومع تساقط زخات المطر أدعو الله تعالى أن يحمل عام 2023م الخير، ولنزرع فيه الصبر لنحصد الورد.

وكل عام وأنتم بألف خير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى