طوفان الأقصى ومعركة نيالا.. هل تنهيان مفاوضات السلام في السودان؟

أشغلت معركة طوفان الأقصى كلا من مصر وتركيا عن تنفيذ خطط دعم الجيش السوداني ضد تمرد مليشيا الدعم السريع في الحرب الجارية بين الطرفين منذ منتصف أبريل/نيسان 2023.

وجاء ذلك رغم أنباء عن تسليم القاهرة طائرات مسيرة تركية للجيش السوداني برئاسة عبد الفتاح البرهان، وفق صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية 14 أكتوبر/تشرين أول 2023.

وقالت مصادر سودانية إن الإمارات استغلت بالمقابل حرب غزة في مد قائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، رجلها الذي يمنحها ذهب السودان المنهوب، بقوات مرتزقة من تشاد لعبوا دورا في حسم معارك نيالا.

ونيالا هي ثاني أكبر مدينة سودانية وأهمها ويسيطر عليها الدعم السريع بصورة كبيرة بعد الخرطوم.

نيالا والمفاوضات

وفي 26 أكتوبر 2023 أعلن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية أنهما سيعودان إلى المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة والسعودية في جدة، بعد أن أنهكت الحرب المستمرة منذ ستة أشهر البلاد والطرفين المتحاربين.

وجاءت العودة للتفاوض بعدما انسحبت الأضواء عن الحرب في السودان، وسُلطت على العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي يهدد بتوسيع الصراع إلى حرب تتورط فيها دول إقليمية وأميركا وأوروبا.

الجيش السوداني قال إنه قبل الدعوة، لأن “المفاوضات هي إحدى الوسائل التي قد تنهي الصراع”، لكنه لن يوقف القتال.

ووافقت قوات الدعم السريع لكنها سعت للفوز بكارت رابح على طاولة التفاوض تمثل في إعلان سيطرتها على مدينة نيالا في دارفور.

مع هذا تبدو هذه المفاوضات مهددة مجددا بسبب سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة نيالا وتصعيدها الصراع بعد فترة هدوء وقصف متبادل ضعيف.

واندلع القتال عموما بين الطرفين بسبب خطط لدمج قوات الدعم السريع في الجيش، ورفض قائد المليشيا المذكورة محمد حميدتي ذلك وسعيه للانقلاب على قائد العسكر عبد الفتاح البرهان.

وعلقت الولايات المتحدة والسعودية محادثات جدة في يونيو/حزيران 2023 بعد تكرار انتهاك وقف إطلاق النار من الطرفين، لكن تباطؤ وتيرة القتال أخيرا، شجع على الدعوة لاستئناف المفاوضات.

وفي 27 أكتوبر 2023 وقبل ساعات قليلة من بدء محادثات سودانية لوقف الحرب في جدة أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على مقر قيادة الجيش بمدينة نيالا في ولاية جنوب دارفور، وقتلها نحو ألف من جنود الفرقة 16 وتدمير آليات عسكرية والاستيلاء على أخرى.

و”نيالا” التي تقع في جنوب دارفور، هي المدينة الثانية في الترتيب بعد الخرطوم، التي تسيطر علي أغلبها أيضا ميلشيا حميدتي، ما يضعف موقف الجيش عسكريا وإستراتيجيا، وقد يكون بداية غير مبشرة للمفاوضات.

ويبدو أن مليشيات حميدتي، ومن خلفها الإمارات، سعت لتكثيف المعارك في نيالا وحسم الصراع فيها كي تلقي بظلالها على محادثات جدة، بحيث تدخل قوات الدعم السريع المفاوضات وفي يدها مكاسب عسكرية تضغط بها على الجيش.

مخططات خطيرة

الأكثر خطورة أن معارك نيالا كشفت عن وجود مرتزقة من تشاد يحاربون مع قوات حميدتي بدعم من الإمارات.

وهو ما رصده سودانيون أكدوا أن أغلبهم يتحدث الفرنسية، وأكدته ضربات للجيش على منطقة الحدود بين السودان وتشاد.

أي فرض السيطرة على مدن كبرى وربما إعلان حكومة فيها على غرار ما فعله الجنرال المتمرد خليفة حفتر في شرق ليبيا.

ويسعى الرئيس الإماراتي محمد بن زايد لاستغلال الوضع لصالح توفير دعم أكبر لقوات حميدتي لحسم الصراع في ظل ما تشيعه الإمارات عن تحالف الجيش مع الإسلاميين الذين تعاديهم.

وتقول تقارير صحفية سودانية إن الولايات المتحدة اتخذت موقفا صارما في محادثات جدة ‏الحالية في السعودية، وهددت بسلاح العقوبات خاصة أنها فرضت عقوبات على الدعم السريع بالفعل.

وذكرت صحيفة “السوداني” 28 أكتوبر 2023، نقلا عن مصادرها، أن واشنطن وضعت سلاح العقوبات على طاولة مفاوضات جدة، وقالت إنها لن تسمح مجددا بعدم التوصل لاتفاق، ولن تدع الوضع الإنساني يتفاقم بسبب الحرب المستمرة في السودان.

تأثير غزة

تشير كل المؤشرات إلى تأثر قضية السودان بحرب غزة، سواء على مستوى الاهتمام السياسي في صورة انشغال الدول المؤثرة في القضية بمعركة طوفان الأقصى أو على المستوى الإعلامي الذي بدأ يغفل ما يجري في البلد الإفريقي.

ويرى مراقبون أن تداعيات الحرب على غزة ستمثل ضغطا على موقف الجيش السوداني إذ تنشغل أهم دولتين يعول عليهما في دعمه عسكريا، وهما مصر وتركيا وأيضا إيران.

وقد نبه وزير الخارجية المصري سامح شكري في 22 أكتوبر 2023، الأوروبيين من «تجاهل دولي» لأزمة السودان، خلال لقائه المبعوثة الأوروبية للقرن الإفريقي “أنيت فيبر”، بحسب صحيفة “الأهرام”.

حذر من «تجاهل المجتمع الدولي للأزمة السياسية والأمنية في السودان، نتيجة طول أمدها أو بزوغ أزمات أخرى في المنطقة»، في إشارة إلى التركيز الراهن على الوضع المتأزم بقطاع غزة.

ورغم جراحهم، خرج أهل السودان انتصارا لغزة مطالبين بوقف الحرب في بلادهم وتحريك الجيوش وإعلان النفير.

ونقلت الوكالة الفرنسية عن الباحث في العلاقات الدولية مهند حافظ أوغلو، أن هناك “طلبات سودانية للحصول على المسيرات التركية” لترجيح كفة المعارك لصالح الجيش، مع احتمال أن يتحول الموقف التركي إلى دعم عسكري بأسلحة نوعية مثل المسيرات وغيرها.

كما نقلت عن الكاتب والمحلل السياسي رضوان أوغلو أنه “كانت هناك لقاءات بين ضباط من الجيش السوداني وبعض القيادات العسكرية في تركيا حول قضية المسيرات، وربما جرى حينها التوصل إلى صفقة حول الموضوع بين الطرفين”. 

ويمتلك الجيش السوداني طائرات بدون طيار يقال إنها صينية أو إيرانية، لكنها تختلف عن المسيرات التركية، لدورها الفعال في حسم صراعات أخرى مثل “قره باغ وليبيا والصراع الروسي الأوكراني”.

مقالات ذات صلة