طرح عملة إلكترونية.. هل ينقذ الحكومة اليمنية من أزمة السيولة النقدية؟

في ظل أزمة السيولة النقدية التي يعاني منها اليمن، تدرس الحكومة الشرعية في العاصمة المؤقتة عدن، إصدار عملات إلكترونية بدلا من الورقية التي رفض البنك المركزي اليمني طباعتها مجددا لمواجهة أزمة تدهور العملة المحلية، في بلد تعصف به الحرب منذ 9 سنوات.
انخفضت قيمة الريال اليمني في عدن إلى نحو 1466 ريالا مقابل الدولار الأميركي الواحد، فيما وصلت قيمته في صنعاء التي يسيطر الحوثيون عليها منذ عام 2014 إلى 536 ريالا مقابل الدولار، حسبما نشر موقع “نيوز لاين” اليمني في 27 أغسطس/آب 2023.
وكان البنك المركزي اليمني نفى في 16 أغسطس 2023 نيته طباعة عملة نقدية جديدة لمواجهة أزمة التدهور الراهن للريال ووصف الأنباء التي تتحدث عن ذلك بأنها “شائعات”.
عملة إلكترونية
وبخصوص العملة الإلكترونية التي تعتزم الحكومة المعترف بها دوليا في اليمن التوجه إليها، قال محافظ البنك المركزي اليمني أحمد المعبقي: “بدأنا نرخص لشركات خدمات الدفع وأصدرنا تعليمات بإصدار النقود الإلكترونية”.
وأوضح المعبقي خلال مقابلة مع صحيفة “الأيام” اليمنية نشرتها في 24 أغسطس 2023 أنه “لأجل إنجاح العملة الإلكترونية، يجب أن تكون لدينا عملة ورقية توازي هذه المبالغ”.
ولفت إلى أن “البنك الدولي عرض لنا نظام مدفوعات متكاملا ونأمل أن يتم اعتماده خلال الفترة القادمة، وهذه الإجراءات كلها ستساعد في انفراج الأمور”.
ولكن هذا لن ينجح في اليمن إلا بإعادة توحيد السلطة النقدية، وترك النظام المصرفي يعمل وفقا للقوانين من دون عوائق أو إجراءات لها طابع سياسي من أي طرف، وفق تقديره.
وعن الفرق في سعر الصرف بين مناطق الحكومة الشرعية وتلك التي يسيطر عليها الحوثيون، قال المعبقي إن “الفروق بين العملة سببها السيولة المفرطة التي استخدمت في الماضي لتمويل نفقات الحكومة بدون حدود وقيود”.
وأوضح محافظ البنك المركزي أن “كل نفقات الحكومة كانت تمول بطبع العملة، وطبعها بدون دراسة كان أيضا مغامرة كبيرة، وهذا أوجد سيولة مفرطة خارج النظام المصرفي وهي تستخدم في المضاربات”.
وتابع: “كما أن قرار الحوثي منع تداول الطبعة الجديدة فاقم المشكلة وعزز الفارق بحيث جعل هذا الإصدار الكبير من النقد يتحمله حيز صغير من الاقتصاد، بينما يفترض أن يوازي النقد حركة الاقتصاد أو النمو الاقتصادي”.
ولفت إلى أن “الحاصل الآن، هو أن جزءا من الاقتصاد في المحافظات المحررة يتحمل السيولة الكبيرة، بينما الطرف الآخر في مناطق الحوثي لا يتحمل أي شيء”.
لذلك الأخير عنده ندرة في السيولة، وما يمتلكه أقل من احتياج الاقتصاد وهو ما يجعل سعر الصرف يبدو وكأنه مستقر، ولكنه وهمي.
وأوضح العبقي أنه “إذا أردت الآن أن تحصل على أموال من ودائعك في صنعاء يحسب عليك الدولار بـ2100 ريال، وهذا هو سعر الصرف الآن في مناطق سيطرة الحوثيين وليس 550، لذلك سعر الدولار في مناطقهم وهمي”.
وتأتي تصريحات محافظ البنك المركزي اليمني في وقت تعاني فيه السوق المصرفية اليمنية شحا كبيرا بالسيولة النقدية، في ظل تعدد السلطات بالبلاد منذ عام 2014، والتي ألقت بتبعات جسيمة على معيشة اليمنيين والاقتصاد الوطني والعملة المحلية.
عقبات محتملة
وعن مدى نجاح خطوة الحكومة في إصدار عملة إلكترونية لحل أزمة السيولة، قال الخبير في الشأن اليمني، ياسين التميمي، إن “اليمن يعاني من مشكلة لها علاقة مباشرة بالعملة النقدية المتداولة والتي انقسمت إلى قسمين واحدة قديمة وأخرى جديدة، وهذا تسبب في معاناة لا حصر لها لليمنيين الذين يتعاملون اليوم بسعرين وقيمتين مختلفين للعملتين”.
وبيّن ان “الأمر في اليمن يتعلق بإجراءات شاملة، لإعادة العافية إلى الاقتصاد، لكن طالما هناك حرب وفوضى وسلطات متعددة وإرادات متصارعة، فهذا الأمر يبدو بعيد المنال لأن الاقتصاد يريد حكومة قوية ومقتدرة وموحدة وإجراءات فعّالة على الأرض وهذا ليس متاحا الآن”.
وشدد على أن “واحدة من المشكلات في اليمن هو أنه خلال السنوات الماضية جرى طباعة فئات جديدة من العملة النقدية، وبطبيعة الحال إذا لم تكن لهذه الخطوة غطاء اقتصادي فإنها ستؤدي إلى التضخم، وانهيار سعر القيمة الشرائية للريال اليمني”.
وتابع: “كذلك فإن الحوثيين في شمال البلد قرروا عدم التعامل مع الفئات الجديدة التي طبعتها الحكومة الشرعية، ولهذا نشأت عملتان قديمة وأخرى جديدة بسعرين مختلفين، ما سبب مشكلات كثيرة”.
وتساءل التميمي عن الغرض من طرح الحكومة الجديد، قائلا: “هل هي واحدة من إجراءات الإصلاح الاقتصادي، لأن الأمر يبدو كما لو كان إجراء أحاديا في بلد ضمن محيط إقليمي لم يتخذ خطوات جوهرية على صعيد التعاطي مع العملات الإلكترونية”.
وأردف: “هذا الأمر (إصدار عملات إلكترونية) إذا لم يكن ضمن تكامل إقليمي، فأعتقد أن المسألة سيكون فيها صعوبات ومتاعب إلى حد كبير”.
من جانبه، أشار فهد درهم الباحث اليمني في “معهد الدراسات المصرفية”، إلى “عدم وجود قانون ينظم خدمات الدفع الإلكترونية في اليمن والتي يلاحظ انتشار مؤسسات مالية تعمل على تقديمها عبر الهاتف الجوال بدرجة رئيسة وبصورة عشوائية غير منظمة”.
وترتبط عملية تنفيذ مثل هذه الأدوات النقدية بتوفر منظومة قانونية وبنية تحتية مناسبة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إذ تفاقمت مشاكل الحكومة المعترف بها دوليا في القطاع التكنولوجي منذ أن انتقلت إلى عدن واتخاذها عاصمة مؤقته لها، وفقا لمراقبين.
وشدد على ضرورة “وضع جميع الاحتياطات اللازمة والمنهجية الدولية المتعلقة بأنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، قبل استحداث مثل هذه الأدوات النقدية، إذ إن التحول للمحافظ المالية الإلكترونية يتطلب وجود منظومة قانونية وضمانات تحفظ حقوق جميع المتعاملين”.
اشتراطات سعودية
وبشأن طرح موضوع العملة الإلكترونية بعد تقديم السعودية منحة مالية لليمن، قال التميمي إن “المملكة اشترطت جملة من الإجراءات التي يتعين على الحكومة الشرعية في عدن اتخاذها، وهي تنصرف في الغالب للإصلاحات النقدية”.
وأردف: “قد تكون خطوة التوجه للعملات الإلكترونية واحدة من الإجراءات المسموح بها والتي ربما تتعاطى معها المملكة العربية السعودية”.
وفي 2 أغسطس 2023، أعلنت المملكة العربية السعودية، دعم اليمن بمبلغ 1.2 مليار دولار للتخفيف من العجز الحاصل في موازنة الحكومة، وذلك خلال مؤتمر صحفي لسفير الرياض، محمد آل جابر، في عدن مع وزير المالية اليمني سالم بن بريك.
وقال سفير الرياض في اليمن، محمد آل جابر، إن المنحة السعودية إشارة إيجابية لكل اليمنيين باستمرار الدعم السعودي للاقتصاد اليمني، وكذلك خفض التصعيد بين مختلف الأطراف.
من جانبه، قال وزير المالية اليمني، سالم بن بريك، إن “هذا الدعم سيخفف من الوضع الاقتصادي والإنساني الحرج، نتيجة استهداف المليشيات الحوثية لمنشآت تصدير النفط التي أفقدت الميزانية العامة للدولة حوالي 65 بالمئة من إيراداتها”.
وبدوره، أكد التميمي أن “ما تقدمه السعودية يفترض أنه التزام ينبغي أن يظل مستمرا، لأنها هي التي تدير التدخل العسكري في اليمن، وتمارس نفوذا كبيرا جدا إلى حد تعطلت معه قدرات السلطة الشرعية على القيام بالحلول”.
ويشهد اليمن منذ 9 أعوام أوضاعا إنسانية وصحية صعبة، فضلا عن تدهور حاد في اقتصاد البلد الفقير، وذلك بعدما اجتاح الحوثيون العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وسيطروا على مقر الحكومة فيها بعد مصادمات مع القوات الرسمية.
وتصاعدت الحرب في اليمن عام 2015، عندما بدأت السعودية وعدد من حلفائها ضمن ما أطلق عليه “التحالف العربي” شن ضربات جوية لمنع الحوثيين من السيطرة على المزيد من المدن اليمنية، واستعادة سلطة الحكومة المعترف بها دوليا.
وشدد التميمي على أن “ما يحتاجه اليوم اليمن ليس العملة الإلكترونية، وإنما تفعيل موارد اليمن المعطلة والتي ينبغي استغلالها واستثمارها بشكل كامل للحصول على عوائد نقدية بالعملة الصعبة وتحسين معيشة الناس، لذلك حتى المنح التي تقدمها السعودية لا تكفي وحدها وستبقى الأمور معلقة بإرادة المتدخل الإقليمي”.