صراع نفوذ على إفريقيا.. ما أهداف زيارة “حفتر” لروسيا بعد لقائه قائد عسكري أميركي؟

فاجأ الجنرال الانقلابي الليبي خليفة حفتر، الأميركيين بإجرائه زيارة إلى روسيا في 26 سبتمبر/أيلول 2023 اجتمع خلالها بالرئيس فلاديمير بوتين ووزير دفاعه سيرغي شويغو.

سبب المفاجأة أن حفتر كان قد انتهى للتو من استقبال وفد أميركي بقيادة الجنرال مايكل لانجلي، قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، في 21 سبتمبر 2023، في سياق سعي واشنطن التأكيد على مركزية دورها في ليبيا.

وجاء استقباله رسميا في روسيا، رغم أنه بلا صفة رسمية، من قبل نائب وزير الدفاع، يونس بك يفكيروف، الزعيم السابق لجمهورية إنغوشيا ذات الغالبية المسلمة، الذي سبق له زيارة ليبيا مرارا أخيرا، ليطرح تساؤلات حول سر الحفاوة به.

ويرى محللون أن زيارة حفتر إلى روسيا فتحت باب التكهنات بشأن تحالف رسمي جرى تدشينه بينهما.

ومن ثم توقع توغل روسيا أكبر في ليبيا، خصوصا بعدما أعادت موسكو سيطرتها على مرتزقة “فاغنر” والحديث عن عودة نشاطها إلى هذا البلد، إلى جانب السودان.

ويرى محللون ليبيون أن زيارة حفتر إلى روسيا بعد أقل من أسبوع من استقباله قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا مايكل لانجلي، يعكس حجم الضغوط عليه من أكبر قوتين عسكريتين في العالم لاستقطابه في صراعهما على النفوذ والهيمنة على إفريقيا، بحسب وكالة “الأناضول” التركية 2 أكتوبر/تشرين أول 2023.

وضمن هذا التكالب الأميركي الروسي على حفتر، سبق أن زاره نائب وزير الدفاع الروسي “يونس بك” في بنغازي 22 أغسطس/آب 2023، وقبلها زيارة مدير وكالة المخابرات الأميركية وليام بيرنز، لليبيا 13 يناير/كانون الثاني 2022 ولقائه السريع بالقائد الانقلابي.

دعم مقابل قواعد

محللون في الشأن الليبي أوضحوا  أن سبب الزيارة الواضح، أو دعوة موسكو لحفتر، هو أن روسيا ترى أن هذا هو الوقت الملائم لإحياء اهتمامها بليبيا، ودفع اللواء المتقاعد حفتر نحو دور سياسي كبير أو بسط سيطرته على كامل البلاد ليلبي مصالحها الحيوية.

أكدوا أن المعضلة أن أميركا قررت أيضا، وهي تسعي لحصار روسيا في حرب أوكرانيا، أن هذا هو الوقت المناسب لدور متزايد في البلد المذكور وعودة التعامل مع حفتر حتى ولو كانت غير راضيه عنه، لفرملة هذا التوغل الروسي في ليبيا، التي يعد شرقها هو صلة الربط بين أساطيل وقواعد روسيا في إفريقيا.

وقال خبير سياسي مصري متخصص بالشؤون الليبية  إن توقيت الزيارة ولقاء حفتر بالرئيس فلاديمير بوتين، ووزير دفاعه، يعكس التغلغل الروسي المتزايد في ليبيا من خلال مرتزقة فاغنر ورغبة الجنرال وطموحه السياسي في حكم ليبيا بدعم روسي مقابل امتيازات لها في مناطقه.

أوضح، مفضلا عدم ذكر اسمه بسبب تعامله مع معسكر حفتر، أن اللواء الانقلابي يسعى للعبة التوازنات مع روسيا وأميركا ويطالب كل طرف بثمن لما يطالبونه به، لذا فهو لا يريد إغضاب واشنطن ولا إزعاج موسكو.

وبين أنه على المستوي الروسي، يسعي حفتر للحصول من روسيا على أسلحة نوعية ودعم عسكري مقابل السماح لها باستغلال موانئ شرق ليبيا كقواعد عسكرية.

أوضحت أن روسيا تسعى إلى توسيع تواجدها البحري في البحر الأبيض المتوسط، ومن المتوقع أن يزور مسؤولون أميركيون ليبيا للضغط ضد الوجود الروسي، وهو ما حدث بزيارة قائد قوات “أفريكوم” لحفتر.

وتربط زيارة حفتر لروسيا بسعيه للاستقواء بها في وقت تتكالب عليه الهجمات بسبب مسؤوليته عن كارثة فيضانات درنة والمطالبة بمحاكمته مع مسئولي حكومته بشرق ليبيا.

ودمر الإعصار الذي ضرب شرقي ليبيا في 10 سبتمبر 2023 مناطق واسعة وتسبب بمقتل 4333 شخصا بحسب منظمة الصحة العالمية.

واستعاد الكرملين، أخيرا، سيطرته على المرتزقة “فاغنر” في ظل انضمام القائد السابق للمجموعة، أندريه تروشيف، للقوات الرسمية الروسية وطلب بوتين شخصيا منه تدريب متطوعين للقتال في أوكرانيا.

وتخشى واشنطن أن يكون هذا مؤشرا لإعادة تكثيف وجود قوات فاغنر في ليبيا بعدما تقلصوا من 2000 إلى 1000 عقب حرب أوكرانيا.

رغبة مشتركة

تعكس هذه اللقاءات المكثفة للمسؤولين الروس والأميركيين مع حفتر، رغبة كل طرف بكسب قائد قوات الشرق الليبي إلى صفه، في ظل حرب بالوكالة مشتعلة بينهما في أوكرانيا، وتمدد الروس في الساحل الإفريقي مقابل تراجع النفوذ الغربي بالمنطقة.

هذه الرغبة من كلاهما في خطب ود حفتر، يراها خبراء سياسيون بمثابة “حصار” عليه يجعله بين مطرقة العقوبات الأميركية وسندان الدعم الروسي.

إذ تحاول واشنطن تجفيف التواجد العسكري لمرتزقة فاغنر في ليبيا، التي تعد نقطة الربط بين قواعد موسكو في سوريا ومناطق انتشار فاغنر وحلفائها في السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، وبوركينا فاسو والنيجر، لمحاصرة قلعة النفوذ الفرنسي في تشاد.

رسائل متضاربة

وقد أشار موقع “إنترسيبت” الأميركي 26 سبتمبر 2023 إلى أن الولايات المتحدة تواصل إرسال إشارات متضاربة حول حفتر وإليه.

ففي مارس/آذار 2020، أشار مسؤول كبير في وزارة الخارجية إلى أنه قد يكون هناك “دور لحفتر في تشكيل المستقبل السياسي لليبيا”. 

لكن في أبريل/نيسان 2023 أعلنت واشنطن عن عقوبات ضد اثنين من قادة مليشيا الكانيات -وهي جزء من جيش حفتر -وقال وزير الخزانة آنذاك ستيفن منوشين إنهم “عذبوا وقتلوا مدنيين خلال حملة قمع وحشية في ليبيا”.

وقبلها في يناير 2023، التقى مدير المخابرات الأميركية حفتر وحذره من عقوبات بسبب استضافته قوات “فاغنر”.

ثم عاد قائد القوات الأميركية في إفريقيا ليلتقيه أكتوبر 2023 ويبحث معه أوضاع ليبيا والانتخابات، رغم أنه “أمير الحرب الليبي سيئ السمعة”، كما وصفه موقع “إنترسيبت”.

وفي المجمل، تسعى واشنطن عبر “أفريكوم” إلى منع ربط روسيا نقاط نفوذها في إفريقيا بعضها ببعض، وهذا ما يفسر موقفها المتشدد من انقلابيي النيجر والغابون، خشية ارتماء الحكام الجدد هناك في أحضان موسكو مثلما حدث في مالي وبوركينا فاسو.

وخلال زيارة مدير المخابرات الأميركية وليم بيرنز لليبيا ولقائه حفتر يناير 2023، مارس ضغوطا عليه لوضع حد لنشاط قوات فاغنر في شرق ليبيا، وحذره من عقوبات تؤثر عليه وعلى ضباطه، بحسب وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية.

إذ تلاعبه واشنطن وتضغط عليه بقضايا جنائية في المحاكم الأميركية تتعلق بـ”جرائم حرب” رفعتها ضده عائلات ليبية مقيمة في الولايات المتحدة، ورفضت إعطاءه حصانة “رئيس جمهورية”.

لكن واشنطن نفسها لم تتابعه في أي قضايا متعلقة بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، كما تطالب بذلك هيئات دولية.

وتشير وكالة “الأناضول” 2 أكتوبر 2023 إلى أن الضغط على حفتر لا يأتي فقط من واشنطن، بل من مصر أيضا التي تدعم رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، ولا تنظر بعين الرضا لاستخدام فاغنر الأراضي الليبية لتزويد قوات الدعم السريع السودانية بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) بالأسلحة.

وتريد روسيا من حفتر، أن يعاود محاولة بسط سلطته على كامل البلاد، وفي المقابل تشجع أميركا إنهاء انقسام ليبيا، عبر تشكيل حكومة قوية وانتخاب رئيس مدني رسمي.

مقالات ذات صلة