شرائح ذكية تحت الجلد.. كيف ضللت حماس إسرائيل ومنعتها من قتل الجنود الأسرى؟

في فيلم “كينغزمان الاستخبارات السرية” وهو فيلم جاسوسية بريطاني أميركي أُنتج عام 2015، يقوم رجل أعمال ثري مصاب بجنون العظمة بزرع شرائح إلكترونية في أجسام وهواتف البشر.

هذه الرقاقات الإلكترونية الدقيقة التي يتم زرعها تحت الجلد، يجرى من خلالها تتبع الإنسان أو قتله، حيث يعتقد هذا السفاح، في الفيلم، أن “إعدام” جزء كبير من الجنس البشري سيمنع انقراضه عن طريق الاحتباس الحراري.

وتظهر خطورة هذه الشرائح الإلكترونية، التي يوزعها رجل الأعمال الشرير مجانا، وهي بطاقات على شاكلة “وحدة التعريف المشترك” (SIM) تمنح اتصالا خلويا بالإنترنت مجانا، حين يبدأ في التجسس عبرها على من يريد أو تحريكه للقيام بأعمال عنف، عبر تشغيل جهاز داخلها.

ويحاول من خلالها تنفيذ فكرته الغربية، بالتغلب على تلوث المناخ بقتل جزء من البشر الذين يلوثونه، عبر قتل كل من يحمل هذه الشريحة في جسده.

هذه الفكرة جرى تطبيقها في عدة تجارب علمية منذ اختراع الشرائح الإلكترونية أواخر التسعينيات، سواء لتخزين معلومات الإنسان الشخصية في شريحة داخل جسمه تغنية عن بطاقة الهوية، أو زرعها في مرضى لمراقبة صحتهم، أو لمراقبة تحركات مجرمين.

لكن إسرائيل قامت بتطوير شرائح منها بالتعاون مع شركات عالمية وزرعها تحت جلد جنودها حتى يسهل العثور عليهم في حال اختطفتهم المقاومة الفلسطينية.

تحت الجلد

الجديد هو ما كشفه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أيمن الرقب، في 21 أكتوبر 2023 أن إسرائيل زرعت شرائح “جي بي إس” (GPRS) تحت جلد جنودها حتى تتعرف على أماكنهم بعد أسرهم.

وأكد الرقب لقناة “الحياة” المصرية، أن “حركة حماس اكتشفت هذه الشرائح تحت جلد الجنود والمجندات الذين أسرتهم في غزة، من بين 230 أسيرا، واستخدمته ضد الاحتلال بطريقة ذكية”.

وفي عام 2009 تم البدء في زرع شريحة إلكترونية تحت الجلد، وكانت فكرتها تقوم علي تعقب المطلوبين أمنيا وإثبات الهوية الحقيقية، حسبما يشير موقع “الاقتصادية” مطلع مايو/أيار 2009.

وتدرك حماس منذ عام 2014 بقصة زرع الاحتلال شرائح إلكترونية تحت جلد جنوده، لهذا تعاملت مع الأمر في هذه الحرب بذكاء.

قصة الشرائح

وكشف تقرير قصة هذه الشرائح، مؤكدا أن “قوات الاحتلال تزود جنودها العاملين في الميدان وأفراد الوحدات الخاصة بشريحة إلكترونية تزرع في جسد الجندي”.

وذكر التقرير الذي نشره موقع “فلسطين الآن” في 18 مارس/آذار 2014 أن “هذه الشرائح تصنعها شركات عالمية بعقود مع الجيش الإسرائيلي، وتستخدم لمواجهة الخوف من الأسر لدى الجنود”.

وأوضح  أن “الوحدات الإلكترونية الإسرائيلية تراقب وتتتبع عبر هذه الشرائح التي تزرع في الجسم، جنودها وتحدد أماكنهم واتجاهات السير، وتحدد درجة الخطورة ومستوى الأمن الذي يحيط بهم”. 

وتطلع قيادة الجيش المقاتلين على الشريحة ومكان وجودها في جسمهم بهدف رفع الروح المعنوية ومنح الجنود المزيد من الثقة بقيادتهم، وبذل المزيد من الجهد والإحساس أن نسبة المغامرة محدودة وأن القيادة حاضرة معهم أثناء العمليات التي ينفذونها.

وتعتمد الشريحة نظام “جي بي إس” لتحديد مكان الجندي، وهناك نوعان، منها الأول يزرع تحت الجلد، والثاني يعلق في اليد أو العنق، وتبقى هذه الشرائح ملاصقة للجندي وترافقه بشكل دائم وتعمل بنظام دقات القلب، كما أنها تعمل فوق الأرض وتحتها وداخل المياه أيضا.

وأضاف “في حال عدم وجود شريحة خارجية مع الجندي يجب تفحص السلاح الذي يحمله، وعدم أخذ سلاحه قطعيا وتركه على حاله، كما يجب تجريد الجندي من ملابسه بشكل كامل دون استثناء وتفتيش الشعر إن كان طويلا، وإزالة أي أدوات لتثبت الشعر”.

وتابع: “أيضا تعريض الجندي لصعقة كهربائية لمدة 10 ثوان، لحرق الشريحة الإلكترونية، وتتم هذه العملية عبر جهاز تفجير العبوات”.

وأخيرا إخفاء الأجهزة اللاسلكية التي بحوزة الوحدة عن منظور أجهزة الرادار والطيران، وعدم اصطحابها بعد أسر الجندي، والانسحاب على عجل، لأن الوحدات الإلكترونية الإسرائيلية ستعلم بانقطاع الاتصال وستستنفر القوات للتحرك لمكان أسرهم.

يقتلون أسراهم!

عقب “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023 وأسر كتائب القسام ما يناهز 311 أسيرا إسرائيليا، ذكرت تقارير إعلامية أن العديد من الأصوات في الجيش دعت إلى إعادة تفعيل بروتوكول أو توجيه “هنيبعل” أو”هانيبال”، الذي يسمح بقتل أي جندي إسرائيلي يقع أسيرا في يد المقاومة.

وتداولت وسائل إعلامية أنباء عن أن القوات الإسرائيلية فعّلت بروتوكول هانيبال في عملية “طوفان الأقصى”، رغم أنه قد يؤدي إلى مقتل الأسرى في غزة، ودللت على ذلك بشدة القصف الذي أدى إلى مقتل 50 من الأسرى كما أعلنت حماس.

صحيفة “هآرتس” العبرية أكدت في 11 أكتوبر 2023 أن “الحكومة الإسرائيلية قررت تفعيل بروتوكول هانيبال على 250 أسيرا ومفقودا”.

وأوضحت أن “الهجوم المضاد الفتاك الذي شنّته إسرائيل ضد غزة، والأصوات التي تتصاعد من الحكومة، تدل على أن إعادة الإسرائيليين ليست ضمن أولويات الحكومة، ويبدو أنها قررت قتلهم عبر تفعيل بروتوكول هانيبال”.

وأشارت الصحيفة إلى “قول السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة جلعاد أردان إن الخوف على وضع المخطوفين لن يمنعنا من القيام بكل ما هو مطلوب من أجل مستقبل دولة إسرائيل”.

ولتأكيد هذا روى الصحفي، فتحي صباح، لموقع “الحرة” الأميركي في 29 أكتوبر 2023 أنه “خلال معركة طوفان الأقصى الحالية وخلال محاولة الاحتلال القيام بإنزال من طائرة مروحية على الشاطئ في المنطقة الواقعة بين مدينتي خانيونس ورفح عند شاطئ البحر، تصدت لهم كتائب القسام”.

ولا يستبعد المحلل السياسي الفلسطيني، طلال أبو ركبة، إقدام إسرائيل على تفعيل “هانيبال”، لأنها سبق أن فعلته عام 2014، بدليل القصف ومقتل بعضهم في غزة.

لكنه قال لموقع “سكاي نيوز” في 10 أكتوبر 2023 إن “عدد الأسرى الإسرائيليين كبير نسبيا هذه المرة، وربما لا تستطيع القيادة الإسرائيلية تحمل عاقبة التسبب في مقتلهم ما يشكل ضغطا على الحكومة في حال تفعيل هذا البرتوكول”.

بروتوكول هانيبال

“بروتوكول هانيبال” هو إجراء سري متبع بالجيش الإسرائيلي في الحالات التي لا يمكن فيها إنقاذ جندي وتخليصه من محاولة اختطاف وأسر، يقضي باستخدام أقصى ما يمكن من كثافة النيران لقطع طرق الفرار أمام الخاطفين وإفشال محاولة الاختطاف، حتى لو أدى الأمر إلى قتل الجندي نفسه.

وتقوم فكرة هذا الإجراء أو البروتوكول الصهيوني على قاعدة مبسطة تقول “جندي ميت خير من جندي أسير”، كي لا يضطر الاحتلال للمبادلة بالأسرى في سجون الاحتلال.

ويعود تاريخ وضعه وصياغته لأيام إبرام صفقة الأسرى المسماة “الجليل” بين إسرائيل وحركة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة أمينها العام أحمد جبريل عام 1985، والتي كان قد بادل خلالها 3 جنود إسرائيليين بـ1150 أسيرا فلسطينيا.

حين تكررت عملية أسر جنود الاحتلال عام 1986 من جانب “حزب الله” اللبناني الذي أسر الجنديين يوسف فينك ورافائيل الشيخ، وما تلا ذلك من عمليات تبادل للأسرى تم طرح فكرة “توجيه هانيبال” رسميا.

وأثارت اعترافات جنود الاحتلال بإطلاق النار على زميلهم الضابط غولدين الذي جرت محاولة أسره من قبل مقاتلي المقاومة الفلسطينية، وغيره من جنود الاحتلال، جدالا كبيرا داخل الكيان.

محاولة الإلغاء

ودفعت رئيس الأركان آنذاك غادي أيزنكوت لإصدار أوامر بإلغاء “بروتوكول هانيبال” وسن طريقة جديدة للتعامل مع جنودهم لمنع وقوعهم في الأسر.

ففي 30 يونيو 2016، قرر أيزنكوت إلغاء “بروتوكول هانيبال”، الذي يمنح قواته “صلاحية واسعة للقيام كل ما هو ضروري لمنع اختطاف جندي زميل”، بحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.

وعندما نجحت حماس في خطف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في حرب 2008، قالت صحيفة “معاريف” إن الجنرال احتياط غيورا آيلاند، الذي ترأّس لجنة التحقيق في عملية خطفه أكد أنه “كان هناك قصورا” في تنفيذ إجراء هانيبال عندما اختطف شاليط.

واتهم الجنود بأنهم انتظروا ساعة كاملة منذ لحظة إصابة دبابة شاليط وحتى صدور الأمر بتنفيذ هذا الإجراء”، ما أعطى الفرصة لحركة حماس لخطفه عبر نفق.

مقالات ذات صلة