Uncategorized

التقارب التركي – السوري: لم يتبق سوى القليل

ما كان لموقف أردوغان أن يتغير من بشار الأسد لو أن هذا الأخير قد خسر المعركة وانسحب من دمشق إلى أرض لجوء، وما كان للتقارب السوري – التركي أن يحصل لولا استشعار تركيا خطر اللغم الكردي الموجود قرابة أراضيها، وأقصد باللغم مشروع دولة قومية

في مقالي الأخير تحت عنوان “لماذا فشل أردوغان في تحقيق مصالحة مع الأسد؟” كنت قد أشرت إلى أن مسألة انتهاك سيادة الأراضي السورية بما فيها  “لواء إسكندرون” ستكون العائق الكبير في وجه الرئيسي التركي رجب طيب أردوغان الذي يقوم بعملية عسكرية شمال سوريا، وتوقعت أنها ستكون أحد أولويات الرئيس السوري بشار الأسد للمضي قدما نحو فتح عهد جديد في العلاقات مع الجارة الشمالية. وهو ما جاء به رد الرئيس على موضوع التقارب السوري – التركي، حيث رد بأن التقارب مع تركيا بوساطة روسيا يجب أن يهدف إلى “إنهاء احتلال” أنقرة لأجزاء من سوريا. ولكن الحديث عن عودة “لواء إسكندرون” ربما يكون مبالغا فيه، فالمنتظر أن تنسحب تركيا من الأجزاء التي تحاول أن تتوغل فيها لاصطياد “قسد” ثم تعود للدخول إليها في عملية عسكرية سورية – تركية مشتركة.

دخلت إيران على الخط لتقطع كامل التأويلات التي اتهمتها بعرقلة التطبيع بين دمشق وأنقرة، وممارسة ضغط على الأسد يحول دون قبوله اليد الممدودة لأردوغان، وهذا ما أكده وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في مؤتمر صحافي مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو خلال زيارة إلى تركيا الثلاثاء قائلا “نحن مسرورون جدًا لرؤية العلاقات بين دمشق وأنقرة تتغيّر”. وهنا ضربت إيران عصفورين بحجر واحد: أكدت طهران أنها ليست منزعجة من تقارب أنقرة وتل أبيب ولن تضع حجر عثرة في الملف السوري، كما أكدت أنها تحرص على أن تبقى العلاقة مع أنقرة متينة.

صحيح أن الدور الإيراني في سوريا له تأثير على القرار السياسي السوري لكنه لا يرفض أن تعود سوريا إلى علاقاتها الطبيعية في المنطقة بما فيها علاقتها مع الرياض التي تقود فيها أبوظبي جهودا لتقريب وجهات النظر بين النظامين. من هنا نفهم أيضا أن إيران تعي جيدا أن دمشق تبحث عن الخلاص من العزلة والإفلات من عقاب المجتمع الدولي وطيّ صفحة عقد دموي من تاريخ سوريا. وبعبارة أخرى فان إيران لن تبدي أي تحفظات على سياسة سوريا الخارجية لطالما بقيت بعيدة عن التفاوض مع إسرائيل بخصوص عملية سلام ولطالما قبلت المصالحة مع حليفتها حماس واستمرت في علاقتها مع حزب الله. تلك هي الأمور التي تزعج طهران ولن تقبل لسوريا بأن يكون لها موقف آخر فيها.

لقد سبب تقلب أردوغان في سياسته الخارجية إزاء سوريا ضربة موجعة للمعارضة السورية وضربة قوية أيضا لصورته في العالم العربي بعد أن كانت مواقفه “البطولية” تحوز احترام الجميع، لكن أتى الوقت الذي وجب فيه أن تتكيف السياسة الخارجية بما يمليه الواقع الذي فرضته الأحداث، فالأسد، الذي راهن الجميع على سقوطه، لم يسقط بل بات من الضروري بقاؤه لكي لا ينجح مخطط تقسيم سوريا إلى دويلات ستكون إحداها خطرا محدقا بالأمن القومي التركي، أما مسألة اللاجئين فقد حان الأوان للفصل فيها وغلق ملف الثورة السورية نهائيا بما يضمن إخراج صورة للمجتمع الدولي بأن الأوضاع قد عادت إلى وضعها الطبيعي وأن سوريا تقود حربا ضد الإرهاب وليست حربا ضد المعارضة.

ما كان لموقف أردوغان أن يتغير من بشار الأسد لو أن هذا الأخير قد خسر المعركة وانسحب من دمشق إلى أرض لجوء، وما كان للتقارب السوري – التركي أن يحصل لولا استشعار تركيا خطر اللغم الكردي الموجود قرابة أراضيها، وأقصد باللغم مشروع دولة قومية ممولة من الولايات المتحدة الأميركية ستدفع أكراد تركيا إلى التحرر وتكون مركزا لتدريبهم لرفع السلاح في وجه “المحتل التركي” ومركزا لقيادة هجمات إرهابية داخل العمق التركي. ستكون العهدة التي سيفوز بها أردوغان حتما عهدة تخليص تركيا من شوائب فشل الثورة السورية ومخلفاتها على الأمن القومي التركي، وستكون خلالها المعركة الحاسمة ضد قوات سوريا الديمقراطية بتفويض من دمشق ومشاركتها، وهي التي يجب أن تعود إلى بسط سيطرتها على كامل الحدود المشتركة مع تركيا.

ستكون خطوة الأسد التالية بعد التقارب مع تركيا هي إعلان استفتاء مصالحة وطنية يضمن من خلالها عودة المترددين والخائفين من الانتقام، وهي خطوة ضرورية تحدث في البُلدان التي تشهد حروبا أهلية يكون الجيش طرفا مباشرا فيها. وسيكون هذا الاستفتاء بمثابة صك الغفران عن كل ما حصل لكل الأطراف بل سيكون الحجة التي ستقدمها سوريا للمجتمع الدولي وللأمم المتحدة بأن الشعب السوري وبعد أن أعطى التفويض للأسد كرئيس بنسبة 95 في المئة، قد أعطاه التفويض لطيّ الصفحة السوداء من تاريخ سوريا والصفح عن جميع من لم تتورط أيديهم بالدم السوري.

فاضل المناصفة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى