
ساند فلسطين وتحدى ماكرون.. هل يدعم مسلمو فرنسا “ميلانشون” في الانتخابات المقبلة؟
كشف ساسة فرنسا عن انحياز واضح ومباشر للاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فيما انبرى أقلية منهم إلى اتخاذ موقف معارض للنهج الرسمي.
وتشكل المواقف الداعمة للحق الفلسطيني المعبر عنه من لدن حزب “فرنسا الأبية” اليساري الراديكالي، بزعامة جان لوك ميلانشون، أبرز هذه المواقف، في وقت اتهمه بعض السياسيين بـ”تبرير” عملية “طوفان الأقصى” ضد إسرائيل.
تشويه الصورة
ووفق موقع “الجزيرة نت”، في 9 أكتوبر/تشرين أول 2023، حمّل حزب “فرنسا الأبية” سياسات إسرائيل المسؤولية عن عملية “طوفان الأقصى” عندما قال إن “الهجوم المسلّح لفصائل فلسطينية بقيادة حماس يأتي في سياق تكثيف سياسة الاحتلال في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية”.
ودعا ميلانشون إلى وقف إطلاق النار، مطالبا فرنسا بـ”العمل على ذلك بكل قوتها السياسية والدبلوماسية”.
وقال إن “على الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي العيش جنبا إلى جنب في سلام وأمن، وإن السبيل لذلك هو حل الدولتين وفقا لقرارات الأمم المتحدة”.
وتفاعلا مع الجريمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال على مستشفى المعمداني بغزة وأدت إلى ارتقاء أكثر من 500 شهيد في 17 أكتوبر 2023، قال ميلانشون في تغريدة له عبر منصة إكس، “يجب إدانة جرائم الحرب في غزة ومحاكمة مرتكبيها ومعاقبتهم”.
وأردف: “يجب على فرنسا أن توقف دعمها غير المشروط لحكومة إسرائيل.. الفلسطينيون بشر، ويستحقون مساعدتنا”.
موقف جريء
وتفاعلا مع تصريحات ميلانشون ومواقفه، قال الناشط السياسي في فرنسا، محمد التفراوتي، إن الرجل وحزبه “فرنسا الأبية”، اتخذوا مواقف جريئة، وكانوا دائما يدافعون عن المسلمين.
وشدد التفراوتي على أن “هذه المواقف كلفتهم عداء من طرف الإعلام وباقي الأحزاب الأخرى، والتي بلغ حد اتهامهم بمعاداة السامية، بل وحتى اتهامهم بالإرهاب”.
وذكر أن “المسلمين في ظل التحيز الواضح لكل الأحزاب للجانب الإسرائيلي، عليهم أن يذكروا هذه المواقف لميلانشون وحزبه”.
وأشار إلى أن “المسلمين صوتوا في رئاسيات 2022 لحزب ميلانشون، مما مكنه من احتلال المرتبة الثالثة، ونال عددا كبيرا من المقاعد في الانتخابات البرلمانية والبلدية آنذاك”.
وكشف استطلاع للرأي أجراه معهد (إيفوب) الفرنسي للدراسات، في أبريل/ نيسان 2022، أن نسبة الناخبين المسلمين الذين صوتوا في الجولة الأولى من الانتخابات لصالح ميلانشون تجاوزت 70 بالمئة.
وأوضح الاستطلاع الذي أجري بالاشتراك مع صحيفة (لاكروا) الفرنسية، أن مرشح حزب “فرنسا الأبية” حقق نقلة نوعية مقارنة بانتخابات العام 2017 وسط الجالية المسلمة حيث بلغت وقتها 37 بالمئة فقط.
وأشار الاستطلاع إلى أن ميلانشون حقق اختراقا مهما في انتخابات 2022، وحصل على أصوات بمعدل 7 من كل 10 ناخبين مسلمين، في حين فاز بـ22 بالمئة فقط من الأصوات المعبّر عنها في الانتخابات.
الخطاب الرسمي
وقال الخبير في الشأن الفرنسي، الباحث في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية بباريس، عمر المرابط، إن “الحكومة تريد أن تفرض على جميع الفرنسيين رأيها بخصوص ما يقع في الأراضي المحتلة”.
وأضاف المرابط أن “السلطات الفرنسية تريد أن تجعل المواطنين أمام الرأي الواحد، ومن ذلك أن الإعلام كله مساند لإسرائيل، ويتبنى أطروحتها”.
وتابع: “تَبين ذلك فيما يسمى بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، وأيضا فيما يتعلق بالمجزرة التي ضربت مستشفى المعمداني، ولو أنه مستشفى مسيحي”.
ونبه المرابط إلى أن “هذا الأمر كشف تناقض بعض الذين يدعون أنهم يحرصون على الدفاع عن المسيحيين في الشرق، حيث ظهر أنهم يدافعون عنهم في مقابل الدولة العربية أو الإسلامية التي يقيمون فيها، والتي هم مواطنون فيها، ولا يدافعون عن المسيحيين بالأراضي المحتلة في مواجهة الاحتلال”.
واستطرد: “اليوم تعدى الأمر إلى اتهام اللاعب بنزيمة بأنه ينتمي للإخوان المسلمين وبأنه يدعم الإرهاب، لا لشيء إلا أنه أعرب عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني، وأنه لم يعلن التضامن مع الإسرائيليين، مما يُظهر الكيل بمكيالين بشكل واضح في الموقف الفرنسي”.
وذكر أن “غياب هذا الرابط أو التجمع لا يعني أن المسلمين بفرنسا معفون من مسؤولية الانخراط في الحياة السياسية عموما، بما فيها الحياة الحزبية، حيث يتوجب عليهم الانخراط في الأخيرة، ما عدا الأحزاب العنصرية والمعادية للمسلمين والأجانب”.
وشدد المرابط، على أنه “بناء على ما يقع الآن من تحولات الحياة السياسية في البلاد، فقد تكون هناك مفاجآت في انتخابات 2027، لأن ميلانشون قد يرشح نفسه، وستكون له حظوظ انتخابية أكبر من الاستحقاقات السابقة”.
وأعرب عن “التخوف القائم الذي يشكله العنصريون وفئة من المواطنين الفرنسيين ممن يصوتون عقابيا على من تصوت له الجاليات المسلمة، لأن هؤلاء يظنون أن المسلمين والأجانب أخذوا منهم وظائفهم واستولوا على مناصبهم، ولذلك يناصبونهم العداء، وكل من يقف إلى جانبهم”.
هجوم واسع
وتعرض “ميلانشون” لهجوم واسع من لدن المسؤولين الفرنسين، من وزراء وبرلمانيين ومنتخبين من أحزاب الأغلبية الحاكمة.
وفي هذا الصدد، اتهمت رئيسة الوزراء الفرنسية، إليزابيث بورن، الحزب بـ”معاداة السامية”، ونددت بالغموض الذي قالت إنه “اكتنف موقفه”، وفق وصفها.
وقالت بورن إن معاداة الصهيونية في حزب “فرنسا الأبية” تُعد وسيلة أيضا لإخفاء معاداة السامية في الحزب.
فيما رد ميلانشون بأن “الموافقة على المجزرة المستمرة على غزة عار على بورن، فرنسا لا تتحدّث على هذا النحو”.
أما عمدة باريس، آن إيدالغو، فقالت إنها “كعمدة لباريس ومواطنة، تعبر مجددا عن كل دعمها للشعب الإسرائيلي الذي يبكي قتلاه، ويواجه اليوم مرة جديدة هجوما إرهابيا من حماس”.
وأفادت إيدالغو، وفق موقع “ليجد” المحلي في 10 أكتوبر 2023، بأن موقفها “ثابت”، وهي تقول “لعائلتها السياسية، الحزب الاشتراكي، إنه حان الوقت لوضع حدّ للزواج غير الموفق مع ميلانشون والذي لا يشبه بأي شيء زواجا ناجحا”.
وكان حزب “فرنسا الأبية” قد عقد تحالفا مع “الحزب الاشتراكي”، خلال الانتخابات التشريعية في يونيو/حزيران 2022، ويضم التحالف أيضا “الخضر” والشيوعيين.