زيارات قائد فيلق القدس الإيراني المتكررة لسوريا.. ما علاقتها بروسيا وأميركا؟

بصورة لافتة، يكثف قائد مليشيا فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني (66 عاما) زياراته إلى سوريا لتفقد المليشيات متعددة الجنسيات التي يشرف عليها هناك.

وتكاد تكون زيارات قاآني دورية بمعدل زيارة كل ثلاثة أشهر وأحيانا كل شهر، حيث يظهر عند محور جبهات قتالية تتمركز فيها المليشيات الإيرانية في أكثر من محافظة سورية.

قاآني في سوريا

وذكرت وكالة “تسنيم” الإيرانية للأنباء أن قاآني بحث خلال زيارته إلى دمشق في 22 سبتمبر/أيلول 2023 مع مسؤولين كبار في نظام بشار الأسد سبل “التصدي للتحديات العسكرية والأمنية التي تواجه سوريا”.

كما أوردت “تسنيم” أن قاآني أشرف على مناورة عسكرية إيرانية سورية مشتركة، مؤكدا أن إيران “ستقف إلى جانب الشعب السوري وقيادته في مواجهة التحديات”.

وبينت الوكالة أن قاآني تدارس المناطق والمحاور الحساسة السورية في إطار المواجهة المشتركة مع التحديات والانفلات العسكري والأمني في سوريا​.

ووصفت الوكالة الزيارة بـ”الحساسة والمهمة” إلى سوريا، حيث تفقد قاآني عددا من مختلف مناطق العمليات في هذا البلد.

وخلال الزيارة، قال قاآني إن “أميركا تعد المصدر الرئيس للفساد والفوضى والإرهاب والنزاع في سوريا”.

وقاآني من مواليد 1957 في مدينة مشهد بإيران، وكان قبل مقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني عام 2020 الرجل الثاني في قيادة الحرس الثوري، والمشرف على متابعة تسليحه.

وشارك قاآني بالحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينيات القرن العشرين وتولى قيادة فرق أثناء الحرب، قبل أن يشغل منصب نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة لاستخبارات الحرس الثوري، ثم نائبا لقائد مليشيا فيلق القدس.

إثبات الجاهزية

ونظرا للقلق الإيراني الدائم على وجودها في سوريا، تأتي زيارات قاآني استكمالا لمحاولات ترسيخ النفوذ طويل الأمد لإيران في سوريا والتي عمل عليها سلفه سليماني الذي كان أيضا دائم التردد على سوريا قبيل اغتياله قرب مطار بغداد بقصف أميركي.

ومنذ أن عين المرشد الإيراني، علي خامنئي، قاآني قائدا لـ”فيلق القدس”، في يناير/ كانون الثاني 2020، زار في العام المذكور سوريا 3 مرات، في مؤشر على أهمية حضوره هناك لتفقد المليشيات الإيرانية المنتشرة على طول الجغرافيا السورية التي تجمعها في الجنوب حدود مع إسرائيل.

وهنا يؤكد المحلل والخبير العسكري السوري إسماعيل أيوب، أنه “مع وجود 120 ألفا من المليشيات الإيرانية على الأراضي السورية فإن زيارات قائد فيلق القدس قاآني المتكررة هي لتفقد هذا الجيش وجاهزيته الذي يقوده بشكل مباشر والمنتشر في مناطق بالداخل السوري وعلى الحدود السورية مع العراق والأردن ولبنان”.

وأضاف أيوب: “أن الزيارة على الرغم من عدم وجود صدامات عسكرية مع أطراف أخرى حاليا، إلا أنها طبيعية وتحمل طابع التفقد لتلك المليشيات أو لإجراء مناورات بين الحرس الثوري وقوات الأسد”.

وألمح أيوب: “إلى أن هذه المليشيات الإيرانية في سوريا تتغطى تحت ستار المقاومة والممانعة لتمرير أجنداتها”.

وكانت صحيفة واشنطن بوست ذكرت في يونيو/حزيران 2023 أن مسؤولين عسكريين ومخابراتيين رفيعي المستوى من روسيا وإيران اجتمعوا في نوفمبر 2022 واتفقوا على تشكيل مركز تنسيق مشترك لموائمة جهودهم للضغط على القوات الأميركية صغيرة الوجود في سوريا.

واستشهد تقرير الصحيفة حينها بوثيقة مسربة من البنتاغون تحتوي على معلومات استخباراتية سرية يعود تاريخها إلى أواخر يناير/كانون الثاني 2023.

رسائل إيرانية

على الجانب الآخر فإنه عقب تقارب النظام السوري مع عدد من الدول العربية بعد قطيعة لعقد من الزمن، تفتحت العين على الوجود الإيراني بسوريا وحاولت بعض الدول دفع الأسد للابتعاد عن طهران مقابل مساعدته في إعادة إدماجه أكثر بمحيطه العربي.

إلا أن بشار الأسد في كلامه عن المبادرات العربية المطروحة تجاه نظامه، ومدى ارتباطها بعلاقته مع إيران، رأى أن شرط ابتعاد نظامه عن إيران لم يعد مطروحا منذ سنوات، وذلك حسبما جاء في حديثه مع قناة “روسيا اليوم” في مارس/آذار 2023.

وزعم الأسد حينها أن هناك تفهما من جانب العرب لعلاقة نظامه مع إيران التي تمتد إلى أربعة عقود.

ولهذا يرى متابعون أن الرهان على عودة سوريا إلى محيطها العربي وابتعادها عن إيران، غير واقعي في ظل نجاح إيران في بناء أسس نفوذ اقتصادي وعسكري واجتماعي راسخ في سوريا.

ولهذا فقد حرص الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على زيارة دمشق في 3 مايو/أيار 2023، هي الأولى لرئيس إيراني لسوريا منذ عام 2010، والتقى مع الأسد.

وكان توقيت الزيارة قبل أيام من إعادة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية في 7 مايو/أيار 2023 والتي أفضت إلى حضور رأس النظام بشار الأسد القمة العربية بمدينة جدة السعودية في 19 من الشهر المذكور.

ووفقا لوثيقة سرية مسربة من مؤسسة الرئاسة الإيرانية، كشفت أن طهران أنفقت ما يزيد على 50 مليار دولار خلال 10 سنوات على الحرب في سوريا، تعدها ديونا واجبة السداد، بينها 18 مليار دولار سيتم استردادها على شكل اتفاقيات واستثمارات اقتصادية بلا ضمانات للتنفيذ.

ولا سيما مع وجود جملة من الملفات الخلافية بين طهران وبعض الدول العربية وكذلك إسرائيل التي ينتشر عند حدودها مع سوريا مليشيات إيرانية بقيادة الحرس الثوري.

مخاوف أمنية

وفي السياق، رأى فراس فحام الباحث في مركز أبعاد للدراسات، أن “المناورات بين المليشيات الإيرانية وقوات النظام السوري نابعة من مخاوف أمنية خاصة من خشية طهران من قطع الولايات المتحدة الطريق البري بين سوريا والعراق القادم من طهران والواصل إلى لبنان”.

وأضاف فحام في تصريحات تلفزيونية بتاريخ 22 سبتمبر 2023 أن “إيران تقوم بتحركات استباقا لأي محاولات محتملة للتحرك الأميركي من قاعدة التنف بسوريا أو من الأردن”.

ومضى يقول: “ولهذا فإن المناورات ليست ذات رسائل سياسية فقط بل هناك عمل ميداني من طهران لتجنيد المزيد من القوات الموالية لإيران التي تحاول اللعب على السخط الشعبي من قبل العشائر العربية في شرق الفرات ضد قوات قسد المدعومة من الولايات المتحدة”.

وشهدت الفترة الماضية الجغرافية السورية تحشيدات أميركية ومناورات روسية مع النظام السوري، مع إعادة انتشار وتموضع جديد للمليشيات الإيرانية في المنطقة.

إذ تكثفت في الفترة الأخيرة التكهنات التي ترى أن الولايات المتحدة تحضر لعملية عسكرية على الحدود مع سوريا والعراق، وتستهدف بالتحديد المليشيات الموالية لإيران.

ولهذا فقد قامت قيادة الحرس الثوري الإيراني بتحركات ميدانية في خضم ذلك، ومنها قيام قاآني، بزيارة بغداد، بحث خلالها مع قادة المليشيات والأحزاب الشيعية، ملف مصير الوجود الأميركي في العراق، حسبما كشفت وكالة “شفق نيوز” العراقية في 15 أغسطس.

مقالات ذات صلة