روسيا والصين …من التنافس والعداء التاريخي الى التعاون والتحالف

قال الرئيس الصيني شي جين بينغ ، يوم الاثنين ، لدى وصوله إلى العاصمة الروسية في زيارة دولة ، إن بكين وموسكو جارتان صديقتان وشريكتان موثوقتان.

“على مدى العقد الماضي ، عزز بلدينا العلاقات الثنائية ونماها على أساس عدم التحالف وعدم المواجهة وعدم استهداف أي طرف ثالث ، وضربا مثالًا رائعًا لتطوير نموذج جديد للعلاقات بين الدول الكبرى وشدد على الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المربح للجانبين “.

وتابع الزعيم الصيني قائلا إن البلدين عمقا الثقة السياسية المتبادلة، ووسعا التعاون العملي ، كما يواصلان التعاون الوثيق والفعال على الساحة العالمية.

أين تلتقي المصالح الصينية-الروسية؟

تلتقي المصالح الصينية-الروسية على خمس نقاط أساسية تأتي في مقدّم جدول أعمالهم المشترك بشكل دائم، و يتم تكرارها و التأكيد عليها كلما سنحت الفرصة لذلك، و هذه النقاط الخمس هي:

أوّلًا: إنّ الطرفين يرغبان في تدعيم قوّتهم مقابل الولايات المتّحدة الأميركية، سواءً من القيادة الروسية التي تعرف أنها في موقف أضعف مما كان عليه الاتحاد السوفياتي، أو من قبل القيادة الصينية التي ترى أنّها مؤهّلة لأن تكون القوّة العظمى فيما بعد.

ثانيًا: إنّ كلا الطرفين قلقان جدًا من مسألة عدم الاستقرار و مستعدان للجوء إلى إجراءات سلطوية في الداخل والخارج من أجل تثبيت سلطتهم. فعلى الصعيد الداخلي،  يواجه الطرفان مشكلة في التعامل مع الاقليات. أما على الصعيد الخارجي، فكلا الطرفين يرفضان التدخّل الخارجي في آسيا الوسطى و يخشيان من سقوط هذه المنطقة في النفوذ الغربي.

ثالثًا: إنّ كلا الطرفين يرفضان المظلّة الدفاعية الصاروخية الأميركية و يخشيان من انتشار أسلحة الدمار الشامل و من استخدامها ضدّهم سواءً عبر دول أخرى أو جماعات.

 أين تختلف المصالح الصينية-الروسية؟

على الرغم من التقاء المصالح الصينية-الروسية في الكثير من النقاط إلاّ أنّ هناك العديد من النقاط التي قد تقف عائقًا في وجهة العلاقات الاستراتيجية الثنائية مستقبلاً أو تعرقل مسيرتها و منها على الأرجح النقاط التالية:

أولاً: إنّ الصين تشكّل قوّة صاعدة متزايدة يومًا بعد يوم سواءً من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية، فيما نستطيع أن نقول وفي أحسن الأحوال أن قوّة  روسيا ترواح مكانها بعد أن كانت شبه دولة إثر انهيار الاتحاد السوفياتي، لكنّ جهود بوتين لإعادة القوة لروسيا على الرغم من قوتها و إيجابيتها إلاّ أنّها ينقصها الكثير لتكون في موقع الصين وهو الامر المستبعد الحصول. و من هنا فإنّ ضعف روسيا أمام الصين قد يثير حساسية العديد من الفئات الروسية و بالتالي يعرقل أو يوجد العديد من المشاكل في العلاقة مع الصين.

ثانيًا: مسألة الكثافة السكانية. فالصين تشهد كثافة سكانية عالية في حين أنّ الكثافة السكانية الروسية مقارنة بنظيرتها الصينية صغيرة و بالتالي هناك من يرى من القوميين الروس أنّ هذه المسألة تشكّل خطرًا و تهديدًا لروسيا من باب أنّ الانفجار السكاني الصيني لا بدّ وأنّ يدفع الصين في مرحلة من المراحل إلى التمدّد الجغرافي فتكون روسيا هي الضحية.

ثالثًا: ترى روسيا نفسها على أنّها قوّةّ أوروبية في أغلب الأحيان ، فيما يعرف الصينيون أنّهم ليسوا كذلك وأنّ آسيا منطقة نفوذهم الاستراتيجي و نطاقهم الحيوي، و هذا بطبيعة الحال سيحد من تحرّك روسيا كقوة في اسيا و لن يكون لها موقع مميّز في الوقت نفسه في أوروبا و هو ما سيثير حفيظة الروس على الأغلب و يلقون باللوم على الصينيين.

رابعًا: الإعتراض الصيني على دعم روسيا العسكري للهند وتزويدها أحدث التقنيات العسكرية و أنظمة الدفاع خاصّة أنّ الصين ترى بأنّ بعض القوى الراغبة في عرقلة مسيرتها يريد أن يدعم الهند لتصبح قوة آسيوية موازية للصين و بالتالي يقف في وجهها و يحدّ من قدراتها، و لا شكّ أنّ المسعى الروسي في هذا الاتجاه سيصطدم بالانزعاج الكبير للصينيين.

و في كل الأحوال تبقى العلاقات الصينية-الروسية خطوة مهمّة و مطلوبة في عالم الأحادية القطبية السائد حاليًا ، و ذلك لكسر السيطرة و الهيمنة الأميركية على العالم، و هي بلا شك خطوة مهمّة في تعجيل ولادة عالم متعدّد القطب.

موقف الصين من الحرب في أوكرانيا

رغم الانتقادات الغربية لموقفها، لم تدِن الحكومة الصينية أبدا الحرب الروسية على أوكرانيا، بينما تلقي باللائمة في الصراع على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

سعت الصين إلى الإبقاء على مسافة دبلوماسية من الحرب في أوكرانيا، واختارت الامتناع عن التصويت في الأمم المتحدة لإدانة الغزو الروسي، كما تبذل جهوداً متضافرة لخنق الآراء القوية حول الصراع على منصات وسائل التواصل الاجتماعي الصينية.

وفي مطلع هذا العام، زار الرئيس الروسي بوتين بكين في الرابع من فبراير لحضور حفل افتتاح أولمبياد بكين الشتوية، خلال الزيارة التي استغرقت تسع ساعات، وقع بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ 15 بروتوكولًا ومذكرة تفاهم، وأعلنا بشكل مشترك أنهما يعارضان المزيد من توسيع الناتو، وأن صداقتهما لا حدود لها، وهذا ما جعل الناس يتساءلون بسهولة عما إذا كانت بكين وموسكو قد توصلتا إلى نوع من الصفقة للحرب بعد أن شنت روسيا “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا، امتنعت الصين عن تعريفها على أنها “غزو”، وبدلاً من ذلك شددت مراراً وتكراراً على ضرورة احترام مخاوف روسيا الأمنية.

وتجدر الإشارة إلى أن كل هذه الأحداث تجري في سياق العلاقات المتوترة بالفعل بين الصين وأوروبا، فقد مرت العلاقات بين الصين وأوروبا مؤخراً بأصعب عام منذ عام 1989. ففي عام 2021، تراجعت العلاقات بينهما إلى مستوى منخفض جديد بسبب العقوبات المتبادلة وانسحاب ليتوانيا من آلية “17 + 1” وإنشاء “مكتب تمثيلي لتايوان” “في فيلنيوس، التي تجاوزت الخط الأحمر للصين، قبل ذلك، دفعت طريقة الصين في التعامل مع جائحة COVID-19 وجهات النظر العامة السلبية عن بكين إلى مستويات تاريخية في جميع أنحاء أوروبا. حالياً، لن يؤدي موقف الصين من الحرب الروسية الأوكرانية إلا إلى مزيد من الإضرار بصورتها وتحفيز الرأي العام غير المواتي بالفعل في جميع أنحاء أوروبا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *