رفع الدعم عن الوقود… هل يحد من تهريبه إلى خارج ليبيا؟

فتحت حكومة الوحدة الليبية في طرابلس من جديد ملف رفع الدعم عن الوقود والمحروقات، على رغم التخوف الشعبي الكبير من تداعيات هذا القرار لو اتخذ ودخل حيز التنفيذ على دخلهم ومعيشتهم، خصوصاً في هذا التوقيت الذي يخشى فيه من موجة غلاء جديدة بالبلاد بسبب تراجع سعر الدينار أمام العملات الأجنبية.
محاولة تنفيذ قرار رفع الدعم الحكومي عن الوقود ليست جديدة، وحاولت حكومات ليبية كثيرة فرضه في السنوات الماضية، لكنها فشلت في ذلك لأسباب كثيرة، سياسية واقتصادية، وعلى رأسها الحملات الشعبية الكبيرة على مواقع التواصل، الرافضة هذا القرار على رغم كل الحجج والمسببات التي تحاول السلطة الترويج لها.
وانقسم الليبيون حيال القرار بين مؤيد ومعارض، وسط تساؤلات حول إمكانية ذلك في الحد من عمليات «التهريب الواسعة» للخام المدعم من الدولة.
أرخص من الماء
حكومة الوحدة نشرت على موقعها الرسمي تصريحات لرئيسها عبدالحميد الدبيبة، أرجع فيها رغبة حكومته في تنفيذ قرار رفع الدعم عن المحروقات إلى تنامي ظاهرة تهريبه إلى دول الجوار، مما يكلف الدولة خسائر تقدر بمليارات الدولارات سنوياً،
بسبب رخص ثمنه مقارنة بالأسواق العالمية، حتى باتت ليبيا تشتهر بأنها الدولة الوحيدة في العالم التي يقل فيها سعر ليتر البنزين الذي لا يزيد على 15 قرشاً (0.031 دولار)، عن سعر ليتر الماء الذي يبلغ (0.098 دولار).
الدبيبة قال في بيانه إنه “لا يمكن القضاء على ظاهرة تهريب الوقود إلا برفع الدعم عن المحروقات”، مقترحاً استبدال الدعم النقدي به للمواطنين.
وأضاف أن “رفع الدعم عن الوقود أمر ضروري، ويجب أن نقنع الشباب به، وعلينا طرح البدائل المتاحة لتطبيقها، وأحد هذه البدائل هو منح المواطن قيمة الدعم الذي يحصل عليه نقداً،
ويشتري بها الوقود الذي يريده بالسعر الرسمي، ولو أراد تهريبه حينها فليهربه”. كما أشار إلى وجود مقترح ثانٍ، وهو “الدعم الجزئي، أي منح كوبون للمواطن بالكمية التي يحتاج إليها 100 أو 200 ليتر مثلاً”.
وتبلغ فاتورة دعم الوقود السنوية في ليبيا 12 مليار دولار، فيما تخسر ليبيا قرابة 750 مليون دولار سنوياً نتيجة أنشطة تهريب الوقود، وفق تحقيق استقصائي أجرته منظمة «ذا سنتري» المعنية بالتحقيقات الاستقصائية.
خسائر ضخمة
تقارير كثيرة صادرة عن جهات دولية ومحلية من بينها المصرف المركزي الليبي تقدر خسائر ليبيا جراء عمليات تهريب المحروقات بما لا يقل عن 750 مليون دولار سنوياً، كما زادت مخصصات دعم الوقود لتتجاوز 12 مليار دولار في عام 2022، بزيادة قدرها خمسة مليارات دولار مقارنة بعام 2021،
مما أثقل اقتصاد البلاد بأعباء كبيرة في وقت يعيش فيه اقتصادها واحدة من أصعب فتراته منذ استقلال البلاد.
الحل الوحيد
وكان ديوان المحاسبة الليبي قد سبق حكومة عبدالحميد الدبيبة في المطالبة برفع الدعم عن المحروقات كحل وحيد لاستنزاف ثروات البلاد بعمليات التهريب، في تقرير له نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، رأى فيه أن “الحل المستدام لمشكلة الإهدار في دعم المحروقات لا يخرج عن خيارين، إما استبدال عدم نقدي بالدعم العيني، أو تنظيم عمليات توزيع المحروقات”.
ورصد الديوان في تقريره السنوي لعام 2022 أخطار استمرار سياسة المحروقات المطبقة حالياً، ومنها “إهدار المال العام وانتشار الجريمة وغياب عدالة توزيع الموارد وتفشي ظاهرة التهريب التي أصبحت جريمة منظمة بتواطؤ بين مؤسسات محلية وجهات دولية،
إضافة إلى حرمان المواطنين في المناطق الجنوبية والحدودية من نيل حصتهم وتوقف المشاريع الإنتاجية والصناعية المعتمدة على المحروقات هناك جراء هذه الظاهرة”.