رفعوا علمها عقب انتصارات “قره باغ”.. لماذا تزود إسرائيل الأذريين بالسلاح؟

رغم المساندة العسكرية التركية المعروفة، يرفع الجيش والشعب الأذربيجاني الأعلام الإسرائيلية في العروض العسكرية والشوارع، ما يثير تساؤلات عن مدى دعم تل أبيب لباكو في حربها ضد أرمينيا بإقليم قره باغ.

ففي خريف عام 2020، حررت أذربيجان عدة مدن وقرى ومستوطنات من الاحتلال الأرميني خلال 44 يوما من الاشتباكات، وانتهت الحرب بوقف إطلاق النار بوساطة روسية، أعقبه إطلاق محادثات لتطبيع العلاقات.

وحققت أذربيجان هذا النصر بمساندة قوية من طائرات “بيرقدار” التركية المسيرة، لكن رفعت أعلام إسرائيل إلى جانب العلم التركي والأذربيجاني خلال سبتمبر/أيلول 2023 لتثيرر تساؤلات عن مدى حضور تل أبيب.

وفي 19 سبتمبر 2023، أعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية، في بيان، إطلاق عملية ضد الإرهاب “بهدف إرساء النظام الدستوري في إقليم قره باغ”.

وبعد يوم واحد، أعلنت الدفاع الأذربيجانية أن ممثلي السكان الأرمن في قرة باغ تقدموا بطلب عن طريق قوات حفظ السلام الروسية المتمركزة في المنطقة، تم بموجبه التوصل إلى اتفاق لوقف باكو عمليتها ضد الإرهاب في الإقليم.

كما جرى بموجبه كذلك تخلي المجموعات المسلحة الأرمنية غير القانونية والقوات المسلحة الأرمينية الموجودة في قره باغ عن سلاحها، وإخلاء مواقعها العسكرية.

اليهود والسلاح

خبراء وناشطون فسروا رفع أعلام إسرائيل خلال احتفال سكان العاصمة الأذربيجانية بالنصر في قره باغ، بقولهم إن السبب هو أن أذربيجان انتصرت في هذه المعركة واستعادت أرضها “بالسلاح الاسرائيلي”.

أشار لهذا الأمر أيضا الصحفي الفلسطيني المتابع للإعلام العبري أحمد دراوشة عبر تويتر، مؤكدا أن لإسرائيل “حصة” في انتصار أذربيجان الأخير في “قره باغ” لذا من الطبيعي أن يرفع بعض السكان أعلامها، وفق تقديره.

وبين أنه منذ بداية العام 2023، حطّت 15 طائرة نقل في مطار عوفدا العسكري جنوبي إسرائيل، من بين 100 رحلة منذ عام 2016 لشحن الأسلحة الإسرائيلية إلى أذربيجان.

رفع الأعلام الإسرائيلية في العاصمة باكو ذات الأغلبية المسلمة الشيعية، له علاقة بأمرين مهمين.

الأول، أن إسرائيل منذ أن أقامت علاقات دبلوماسية مبكرة مع أذربيجان عام 1992 وهي تركز على الجانب العسكري ومد الأذريين بالسلاح، مستغلة حاجتهم لتحرير أراضيهم التي احتلتها أرمينيا والانفصاليون في قره باغ.

وأن تركيز عين تل أبيب على أذربيجان، له علاقة بالسعي لاستغلال أراضيها الملاصقة لإيران كمركز تجسس على طهران وقاعدة عسكرية تنطلق منها لتنفيذ عمليات استخبارية لتدمير مصانعها الحربية وبرنامجها النووي.

الثاني، أن أذربيجان بها جالية يهودية ضخمة وجزء منهم هاجر لإسرائيل والباقون يشكلون قاعدة دعاية كبيرة لتل أبيب في البلاد.

هذه الجالية اليهودية الأخيرة المتبقية بالقوقاز، في أذربيجان، بالمنطقة المعروفة باسم كراسنايا سلوبودا (المدينة الحمراء) ساعدت على تقوية هذه العلاقات بين الطرفين.

وخلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ديسمبر/كانون الأول 2016، أشاد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف “بالدور الفعال للطائفة اليهودية التي تعيش في أذربيجان في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين”، بحسب موقع الرئاسة الأذربيجانية.

كما ساعد بتطوير العلاقات، وجود يهود أوروبيين يعيشون في ذلك البلد، معظمهم في باكو، منذ أواخر القرن التاسع عشر، فضلا عن اهتمام تل أبيب بالوجود الديني والقومي في باكو عبر مجموعة “إسرائيل في أذربيجان” على تويتر.

العلاقات العسكرية

في 6 مارس/آذار 2023 كشف تحقيق أجرته صحيفة “هآرتس” العبرية، أنه على مدى السنوات السبع الماضية (من 2016 حتى 2023) هبطت 92 رحلة شحن تابعة لشركة طيران “سيلك واي” الأذربيجانية في قاعدة “عوفدا” الجوية.

و”عوفدا” هو المطار الوحيد في إسرائيل الذي يمكن من خلاله نقل السلاح الإسرائيلي للخارج، ما يشير إلى أنها رحلات لنقل سلاح لأذربيجان.

قالت إنه منذ شهر مارس 2023، جرى تسيير 11 رحلة جوية أخرى إلى أذربيجان، منها 5 رحلات في أسبوعين ليصل إجمالي الرحلات إلى 103 خلال 7 سنوات.

كما عملت على تحديث معداتها العسكرية من الحقبة السوفيتية باعتقاد أن هذه الدولة “تعمل كمركز لعمليات جمع المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية ضد إيران”.

قالت إنه نتيجة لمساهمة إسرائيل التي لا يمكن إنكارها في الجيش الأذربيجاني، ظهرت بعض المقالات والبيانات والتعليقات في وسائل الإعلام المحلية تشيد بالشراكة العسكرية الإسرائيلية الأذربيجانية.

ومقابل صفقات السلاح، أظهرت تقارير أن 65 بالمائة من واردات إسرائيل النفطية تأتي من أذربيجان، ويتم نقلها عبر خطوط الأنابيب من باكو إلى جورجيا وجنوب تركيا.

قاعدة ضد إيران

سر حرص تل أبيب على توطيد علاقات إستراتيجية مع أذربيجان ودعمها في حربها ضد أرمينيا هو السعي للاستفادة من حدودها العريضة التي تبلغ 700 كيلو متر مع إيران، عدو إسرائيل الأبرز.

واستغلال هذه الحدود، التي يصعب إحكام السيطرة عليها تماما، لتسريب الجواسيس لإيران لتنفيذ عمليات اغتيال وتخريب لمنشآت الجمهورية الإسلامية.

وكمثال على ذلك، شن الموساد (جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الخارجي) عام 2018 هجوما قرب طهران لسرقة الأرشيف النووي، ويعتقد أن عناصره مرّوا من أذربيجان عبر الحدود باتجاه إيران.

وتطمح إسرائيل في أن تصبح أذربيجان قاعدة متقدمة لها، وتسعى إلى إنشاء قواعد عسكرية ثابتة لها هناك تحل إشكاليات تقنية ولوجيستية، حال قررت شن هجمات جوية في قلب إيران.

وقد أشارت تقارير أجنبية أن أذربيجان سمحت للموساد بإنشاء قاعدة متقدمة على أرضها لمراقبة ما يحدث في إيران، كما أعدت مطارا مخصصا لمساعدة إسرائيل في حال قررت مهاجمة المواقع النووية الإيرانية. 

وفي تقرير نشرته حول رحلات نقل السلاح من تل أبيب إلى باكو، ذكرت صحيفة “هآرتس” 6 مارس 2023 أن “أذربيجان تعهدت لإسرائيل باستخدام مطاراتها عند الهجوم على منشآت إيران النووية”.

واتهمت إيران أذربيجان أكثر من مرة، خلال السنوات الماضية، بتقديم تسهيلات لجهاز الموساد، ولا سيما فيما يتعلق باغتيال علماء نوويين إيرانيين، وتوجه بعض المنفذين إلى أراضيها، قبل سفرهم إلى إسرائيل.

وقد أكد، أفيدان فريدمان، وهو حاخام أرثوذكسي في إسرائيل لموقع “بلقان سبوت” 24 أغسطس/آب 2023 أن “تل أبيب مصلحة راسخة في الحفاظ على علاقات جيدة مع باكو لأنها تشترك في الحدود مع طهران ولديها مصالح هناك تشمل مخاوف أمنية”.

مقالات ذات صلة