دولة الاحتلال تستهدف دفع الفلسطينيين للنزوح إلى سيناء

بعد 48 ساعة من إطلاق معركة “طوفان الأقصى“، قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي معبر رفح الذي يفصل قطاع غزة عن مصر، في خطوة قابلتها الأخيرة بموقف ضعيف.
ويعد معبر رفح شريان حياة لأكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في قطاع غزة إلى العالم الخارجي، وهو الممر البري الوحيد للغزيين الذي لا تسيطر عليه إسرائيل.
وأثيرت تساؤلات عن أسباب القصف الذي تكرر أكثر من مرة خلال أسبوع، بعد إطلاق المقاومة الفلسطينية معركة “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ضد الاحتلال ردا على الانتهاكات المستمرة بحق الفلسطينيين.
بداية القصة
في 9 أكتوبر، شنّت مقاتلات حربية إسرائيلية، غارة على معبر رفح البري الحدودي مع مصر، جنوبي قطاع غزة، استهدفت الطريق المؤدي للبوابة المصرية في نفس المكان، مما أدى إلى إصابة موظفين من موظفي المعبر وحدوث حفرة عميقة تعوق مرور المسافرين إلى الجانب المصري.
وبعد إصلاح البوابة من الاستهداف الأول وردم الحفرة، أعادت طائرات الاحتلال الإسرائيلي في اليوم التالي، قصف معبر رفح، وفق ما قال المتحدث باسم وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة، إياد البزم.
وكانت الإدارة العامة للمعابر والحدود أعلنت قبل قصف اليوم التالي أن معبر رفح سيعمل، بواقع 1000 مسافر مغادر و1000 مسافر قادم فقط، لكن أكد البزم أن الاستهداف المتكرر يمنع مغادرة ووصول المسافرين.
وفي المجمل، تعرض الجانب الفلسطيني من المعبر إلى القصف ثلاث مرات خلال 24 ساعة.
وقصفت إسرائيل البوابة الفاصلة بين الصالتين المصرية والفلسطينية، ما أسفر عن توقف العمل هناك حتى إشعار آخر.
وفي وقت سابق، قالت وزارة الداخلية والأمن الوطني بقطاع غزة إن إدارة معبر رفح البري في الجانب المصري أبلغت طواقم المعبر في الجانب الفلسطيني بضرورة إخلائه لوجود تهديدات إسرائيلية بقصفه.
وعن نتائج الاستهداف، أعلنت مصر في 12 أكتوبر، أن معبر رفح الحدودي مفتوح ولم يغلق من طرف القاهرة، لكن “تعرض مرافقه للدمار نتيجة القصف الإسرائيلي يحول دون انتظام عمله بشكل طبيعي”.
وفي الوضع الطبيعي، يجرى فتح المعبر لمدة 5 أيام أسبوعيا ويسمح بالمرور خلاله لقدرة استيعابية محددة، لكن في حالة الحرب فإن الوصول إلى المعبر أقصى جنوب قطاع غزة يحمل مخاطر كبيرة في ظل القصف المتواصل.
وأوجدت إسرائيل حالة من التناقض بشأن أسباب قصف معبر رفح، فهي تهدف لإطباق الحصار على غزة وعرقلة خروجهم أو إدخال المساعدات لهم، وفي نفس الوقت، تدعو السكان للذهاب إلى سيناء، ضمن مخطط تهجيري قديم.
عرقلة المساعدات
وخلال الحروب السابقة على غزة، كانت الدول والمنظمات ترسل المساعدات الإغاثية إلى غزة من خلال معبر رفح الحدودي بين القطاع المحاصر ومصر.
لكن حتى 18 أكتوبر، وبعد انتهاء 11 يوما من الحرب، لم يفتح المنفذ الوحيد إلى غزة لإدخال المساعدات، رغم تدهور الوضع الإنساني للآلاف جراء القتل والتدمير والتشريد الإسرائيلي.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي شن غارات على غزة؛ ما أدى إلى استشهاد أكثر من 3478 فلسطينيا، بينهم نحو 900 طفل، وإصابة ما يزيد على 12 ألفا آخرين، وتشريد الآلاف من بيوتهم.
وقطعت سلطات الاحتلال الاتصالات وقيدت الوصول إلى الإنترنت، كما قطعت الماء والوقود اللازم لتشغيل الكهرباء، وقصفت المحلات الغذائية والمخابز.
وطالبت مصر إسرائيل في البيان المشار إليه سابقا بـ”تجنب استهداف الجانب الفلسطيني من المعبر، كي تنجح جهود الترميم والإصلاح بشكل يؤهله للعمل كشريان للحياة لدعم الفلسطينيين في القطاع”.
وكانت القناة 12 العبرية قد أفادت في 10 أكتوبر بأن تل أبيب وجهت تحذيرا إلى السلطات المصرية بأنه “إذا أدخلت إمدادات إغاثية إلى قطاع غزة فسيتم قصف الشاحنات”، وذلك بعد أن جرى قطع الكهرباء والغذاء والوقود والمياه عن القطاع.
ويرى رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية، سمير غطاس، أن إسرائيل تحاول أن تقول إن الحل هو إخراج السكان الفلسطينيين من القطاع وليس إدخال المساعدات.
ونقل موقع “مدى مصر” عن غطاس قوله إن إسرائيل تحاول توجيه رسالة لمصر مفادها “لو عايز تأكل وتشرب الناس وتعالجهم خدهم عندك”، على حد وصفه.
التهجير إلى سيناء
بعد يومين من انطلاق العملية، دعا ناطق باسم الجيش الإسرائيلي (لم يحدد اسمه) “السكان الفلسطينيين في قطاع غزة الفارين من الغارات الجوية للجيش، للهروب إلى مصر”.
وحسب وسائل الإعلام العبرية فإن هذا التصريح الذي نفاه الجيش لاحقا، أثار ضجة في مصر، وأرسلت القاهرة رسالة إلى تل أبيب جاء فيها: “لا تحاولوا توطين سكان غزة في سيناء”.
وبعد التصريحات والتلميحات الإسرائيلية المتتالية، أغلقت مصر جزءا من الحدود على المعبر تضرر أثناء القصف بجدار خرساني لمنع الفلسطينيين من الدخول بحثا عن الطعام والمأوى.
وردا على الدعوات الإسرائيلية، شدد رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي خلال حفل عسكري في 12 أكتوبر، على أن القاهرة لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية على حساب أطراف أخرى، وأن “على أهالي غزة أن يبقوا صامدين وموجودين على أرضهم”.
وفي عام 2008 ومع اشتداد الحصار الإسرائيلي، اقتحم آلاف الغزيين الحدود ودخلوا إلى سيناء ومكثوا فيها مدة أسبوع، وعادوا منها محملين بالمواد الطبية والغذائية وغيرها.
ولذلك، فهو يعتقد أن “استهداف معبر رفح يهدف إلى تغيير واقع قطاع غزة”، وهذا التغيير يكمن من خلال مراقبين في دفع الناس إلى الدخول لمصر مع استمرار التشريد والقصف العنيف.
وتعليقا على هذا التضارب، قال مدير الإعلام في المعابر، هشام عدوان: “نحن في حيرة من أمرنا، أي الروايتين نصدق؟ إذا كانت هناك رغبة إسرائيلية في تهجير سكان قطاع غزة من خلال بوابة معبر رفح فلماذا يقصف هذه البوابة؟”.
وأوضح لموقع “الغد” في 10 أكتوبر، أن “هذا يدل على أن هناك تخبطا وكذبا إسرائيليا، وأن هناك رغبة إسرائيلية في القضاء على قطاع غزة كاملا، لكن سكان القطاع لا يزالون متمسكين بأراضيهم رغم قصف بيوتهم على رؤوسهم”.