دولارات العراق في طريق التهريب

على وقع أزمة الدولار التي يعيشها العراق، يظهر ملف تهريب العملة الصعبة إلى خارج البلاد، كأحد الأسباب الرئيسية للتدهور الحاصل، وسط دعوات للامتثال سريعاً للمعايير الدولية فيما يتعلق بالتحويلات المالية.
منذ نحو شهرين يعيش العراق في أزمة مفاجئة تمثلت بارتفاع سعر صرف الدولار، بواقع 170 ألف دينار لكل 100 دولار، فيما كانت سابقاً 145 ألفاً، في بلد يعتمد بشكل كبير على الاستيراد في تغذية السوق المحلية.
ويشير البنك المركزي العراقي إلى أن الارتفاع في سعر صرف الدولار ناجم عن “ضغوطات مؤقتة ناتجة عن عوامل داخلية وخارجية؛ نظرًا لاعتماد آليات لحماية القطاع المصرفي والزبائن والنظام المالي”.
وفرض البنك الفيدرالي الأمريكي منصة جديدة على البنك المركزي العراقي والمصارف الأخرى، لتتبع آلية بيع الدولار للتجار، كما فرض تقديم إثباتات بالمشتريات والمواد المستوردة.
قوانين دولية
وقال رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إن “أسباب التقلبات في أسعار صرف الدولار تعود إلى تطبيق المعايير الدولية، أو ما يسمى بمعايير الامتثال ونقل الأموال، وهذه مذكرة موقعة مع المركزي العراقي قبل عامين”.
وأعرب السوداني، في تصريحات صحفية، الثلاثاء، عن “أسفه إزاء الإجراءات في هذا الصدد التي لم تكن بالمستوى المطلوب من قبل البنك المركزي”.
وبين أن “تهريب العملة إلى خارج العراق أمر واقع، وهذه مشكلة مزمنة منذ سنوات”، لافتاً إلى أن “الأموال المهربة كانت تخرج عبر فواتير مزوّرة”.
وأصبح تهريب الدولار واقعاً بالنسبة للعراق، فيما تؤكد التقارير الدولية، وإجراءات الولايات المتحدة بهذا الشأن أن تلك الأموال “تهرب إلى سوريا وإيران”.
وكان تقرير لصحيفة “ذا ناشيونال” الإنجليزية أكد أن “عملية مزاد العملة في العراق حافلة باتهامات بالفساد، وتبييض الأموال، وتحويل الدولارات إلى الجارين الإيراني والسوري، من خلال استخدام سندات مزورة”.
وأضاف التقرير: “ولهذا أدرجت الولايات المتحدة على القائمة السوداء مجموعة من البنوك العراقية التي تتعامل بشكل أساسي مع إيران، حيث فرضت مثلًا عقوبات على بنك البلاد الإسلامي العراقي بسبب تعامله مع الحرس الثوري الإيراني في أيار/ مايو عام 2018”.
تهريب الدولار
خلال الأشهر الماضية، كان البنك الفيدرالي الأمريكي يحذر نظيره العراقي من قيام مصارف أهلية بشراء الدولار من سوق العملة، وتهريبه إلى إيران التي تخضع لعقوبات أمريكية، وتزوير مستندات الإيصال على أن تلك الأموال تذهب للتجارة الخارجية.
وبعد تطبيق هذا القرار، انخفض حجم شراء الدولار من البنك المركزي العراقي من 320 مليون دولار يومياً إلى نحو 90 مليون دولار فقط.
ولأنَّ هذا الرقم لا يغطي الحاجة الفعلية للتداول في السوق العراقية، أدى إلى إيجاد طلب أعلى على الدولار في المصارف الأهلية ومكاتب الصرّافة ليرتفع سعر الصرف تلقائياً في الأسواق، إضافة إلى ارتفاع أسعار البضائع المستوردة.
مبالغ خيالية
في غمرة تلك الأزمة، نشر الإعلامي العراقي، المقيم في الولايات المتحدة، علي فاضل، تسريباً صوتياً يتعلق بالجهات “المتورطة” في تهريب الدولار إلى الخارج.
وقال فاضل الذي نشر التسجيل عبر حسابه في “تويتر” إن “المقطع المسرب للسياسي والنائب السابق الراحل، أحمد السجل، سُجل قبل وفاته بأيام قليلة، وهو يجمع أحمد الجلبي مع محافظ البنك المركزي آنذاك علي العلاق، (رجع إلى منصبه قبل أيام)، واللواء حسين الشمري مدير مكافحة الجريمة المنظمة، ويدور حول ارتفاع الدولار وتهريبه خارج العراق”.
وكشف الجلبي “تورط بنوك عراقية محلية في تهريب الأموال إلى الخارج، عبر شركات صرافة”.
وكشف التسجيل عن “تحويل بنك أربيل حوالي 8 مليارات دولار إلى خارج العراق، عبر شركات الحارث العربي، وشركة المهج، وشركة رامان”.
فيما حوّل البنك المتحد أكثر من 5 مليارات إلى خارج البلاد، أما بنك المتحد للاستثمار فقد حوّل أكثر من مليار ونصف المليار، وهذه الإحصائية من 2012 إلى 2015.
وتحدث الجلبي، خلال المقطع المسرب، عن “فقدان أكثر من 3 مليارات دولار، لم يُعرف مصيرها، لغاية الآن (آنذاك)”.
وكشف الجلبي أن الآلية التي تتم وفقها “سرقة” تلك الأموال هي “عبر تقديم طلبات استيراد إلى البنك المركزي، بأسماء شركات، لكن ما يحصل لاحقاً أن أسماء تلك الشركات لا تظهر في التحويلات، ومن يقوم بتلك الأعمال هم كبار مشتري الدولار”.