دعموا إسرائيل في البداية ثم تراجعوا.. لماذا تغير الخطاب الأوروبي تجاه ما يحدث في غزة؟

في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” التي بدأتها كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قدمت الدول الأوروبية دعما غير مشروط لإسرائيل.

“ولكن بعد تخطي صدمة البداية، بدأ الموقف الأولي في التصدع رويدا رويدا، حتى إن الأصوات العالية في دعمها المطلق للكيان بدأت تهدأ”، وفقا لما ذكرته النسخة الفرنسية من موقع “ميدل إيست آي” البريطاني.

دعم غير مشروط

بسبب الدعم الخالي من التحفظات أو ضبط النفس، يشير الموقع إلى حالة “التوافق التام مع الموقف الإسرائيلي وغياب أي انتقاد لعمليات الجيش الإسرائيلي في غزة”.

وغض هؤلاء الطرف عن الخسائر البشرية الفادحة والضغط القوي للغاية لإسكات الأصوات النادرة المنتقدة لإسرائيل، وفق الموقع.

وقال إن “من أبرز منشئي هذه الحالة كانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، والتي زارت إسرائيل برفقة رئيسة البرلمان الأوروبي، روبرتا ميتسولا، وأدلت بأكثر التصريحات وضوحا دعما وتأييدا لتل أبيب”.

وفي نهجها، كما يوضح الموقع “لم تتجاهل فقط رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، ولكنها أدلت بتصريحات أزعجت مسؤولين أوروبيين آخرين”.

و”في هذا الجو العام من التصرفات الفردية، حذت رئيسة المفوضية حذوها وذهبت إلى حد المطالبة بوقف المساعدات الإنسانية لصالح الفلسطينيين”.

ومن جانب آخر، لزيادة الإحكام على أي أصوات مخالفة، منعت الحكومة الفرنسية المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، وهو قرار غير قانوني ألغاه مجلس الدولة بعد بضعة أيام.

بداية الشكوك

“ولكن مع مرور الأيام، بدأت الشكوك تسيطر على أوروبا، حيث أثار هذا الدعم غير المشروط لإسرائيل عدة تساؤلات لا سيما أن الجيش الإسرائيلي انخرط في عمليات قصف عشوائية، مما أسفر عن مقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين”.

وأردف الموقع: “في هذا الإطار، نُظمت قمة أوروبية على عجالة، في 17 أكتوبر 2023، في محاولة لتحقيق الحد الأدنى من التماسك في الموقف الأوروبي، حيث بدأت أصوات أكثر توازنا وتعقلا في الظهور”.

فمن جانبه، انتقد رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، سياسة دولة الاحتلال. وصرح قائلا: “عندما تدمَّر البنية التحتية الأساسية وتُقطع المياه والكهرباء، ولا يسمح بوصول إمدادات الغذاء، فإن ذلك مخالف للقانون الدولي”.

نأى الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، بنفسه عن تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية، مؤكدا أن “تصريحاتها تمثلها وتخصها فقط”.

ومن جانبه أيضا، أكد ماكرون، في 14 أكتوبر 2023، أنه “في غزة كما في أي مكان آخر، يجب احترام القانون الإنساني، واتخاذ جميع التدابير الممكنة لإنقاذ حياة السكان المدنيين”. 

وأضاف في تصريح بعدها أنه “يجب السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة دون تأخير”.

شبح إيران

يذهب الموقع إلى أن “هذا التحول في الموقف الأوروبي الملموس -وغير المؤثر حتى الآن- تمليه سلسلة من الضرورات المفروضة على أوروبا”، معتبرا أن الضرورة الأولى تتعلق بالمزاج الشعبي في أوروبا.

وقال: “فبعد انفعال اللحظات الأولى، اضطر الزعماء الأوروبيون إلى الأخذ في الحسبان الواقع على الأرض، حيث أصبحت وحشية إسرائيل هي الحقيقة الكبرى في تلك اللحظة”.

هنا ينوه الموقع إلى إحدى مفارقات أوروبا التي تؤكدها هذه الحرب، وهي “الفجوة بين القادة الأوروبيين ورأيهم العام بشأن فلسطين”.

كما حذر من أن “الشعور العميق -لدى قطاعات واسعة من المجتمعات في أوروبا- يمكن أن يتحول إلى خطر أمني”. أما الأمر الثاني، فهو أن القارة العجوز يتعين عليها إدارة علاقاتها مع الدول العربية.

وأوضح أن “المقاطعة الأوروبية للنفط والغاز الروسيين، جعلت من الطاقة الواردة من الدول العربية أكثر قيمة”. 

ولكن ما أثر بشكل أكبر على التحول البطيء في أوروبا، من وجهة نظر “ميديل إيست آي”، كان خطر حدوث دوامة أكبر في الشرق الأوسط، وعواقبها المحتملة على كل دولة أوروبية، في عالم سريع التغير.

وفي هذه النقطة، يشدد الموقع على حقيقة أن “أوروبا لم يكن بوسعها إلا أن تتبع ذلك”، حيث اضطرت إلى دراسة خطورة السماح باشتعال جبهة ثانية، إلى جانب الجبهة الأوكرانية. 

وبينما السياسيون ووسائل الإعلام مضطربون، فإن القوى العسكرية وهيئات الأركان العامة منشغلون في بحث إجابة هذا التساؤل: “كيف يمكن تجنب امتداد الحرب، التي تحمل في طياتها العديد من المخاطر، بما في ذلك التسبب في انقسام كبير بين المجتمعات والقوى؟”

مقالات ذات صلة