خلفيات ورسائل.. لماذا منعت الجزائر تدريس المناهج الفرنسية بمدارسها الخاصة؟

مع بداية الموسم الدراسي الجديد بالجزائر في 19 سبتمبر/أيلول 2023، تجدد النقاش حول مضمون المناهج التي يجرى تدريسها في المؤسسات التعليمية الفرنسية الخاصة في البلاد.
وأبلغت وزارة التربية الجزائرية أزيد من 500 مدرسة خاصة بأن “اتباع المنهاج الفرنسي ممنوع وينبغي التخلي عنه فورا”، متوعدة “باللجوء إلى القضاء حال عدم التقيد بالقرار”، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية.
وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أكد وزير التربية الجزائري، عبد الحكيم بلعابد، أن “بعض المؤسسات باشرت برامج أجنبية بدون ترخيص، والدولة فرضت الالتزام بالبرنامج الوطني”.
ورأى الوزير، في ندوة صحفية نظمتها وزارة الاتصال، أن “برنامج التعليم هوية مجتمع وقيم وثقافة، وكل القوانين تفرض تطبيق البرنامج الوطني دون سواه”، مردفا: “لا نستهدف لغة أو دولة أجنبية”.
مطاردة الفرنسية
ويشدد قانون التدريس الجزائري على اعتماد منهاج التعليم المحلي فقط، لكن معاينة أجرتها الوزارة بهذا الخصوص، حسب مواقع محلية، أفادت بأن بعض المدارس لا تلتزم به، فيما تعتمد أخرى المقرر الفرنسي حصريا.
كما لاحظت أن ذلك يعود في الغالب إلى إلحاح آباء التلاميذ، الذين يفضلون المقرر الفرنسي أملا في إرسال أبنائهم إلى الجامعات الفرنسية في المستقبل، ويدفعون في مقابل ذلك مبالغ كبيرة لأصحاب هذه المدارس.
من جهته، قال وزير الاتصال، محمد لعقاب، إنه “لا يمكن تدريس أي برنامج دون وجود اتفاقية بين البلدين”، متسائلا: “هل يسمح لنا في بلدان أجنبية بتدريس البرامج الجزائرية بدون وجود اتفاقية؟”
وأجاب بالقول: “لا، لا يسمح بذلك”، موضحا خلال ذات الندوة، أن “هناك برامج أجنبية كانت تدرس في بعض المؤسسات، التي ينبغي عليها العمل ضمن القوانين واللوائح الدولية (..) والآن الدولة تسترجع هيبتها وألزمتهم بالبرامج الوطنية”.
وفي رد فعل على قرار الجزائر بمنع المنهاج الفرنسي في المدارس الخاصة، وصفت وسائل إعلام فرنسية القرار بـ”المطاردة” للمقررات التربوية لبلادها، مشيرة إلى أنه يسعى “لمنع اللغة الفرنسية”.
وفي 26 سبتمبر 2023، قالت صحيفة “لوفيغارو”، إن تدريس البرامج الفرنسية في المدارس الخاصة بالجزائر لم يعد ممكنا منذ بداية العام الدراسي، كما أنه يهدد مستقبل المدارس الخاصة التي تعتمد على تدريس هذه اللغة.
وبين 18 إلى 20 سبتمبر 2023، زار النائب الفرنسي، الجزائر، وتحدث عن “وجود موقف دوغمائي (متعصب) من الحكومة الجزائرية بخصوص اللغة الفرنسية”.
وزعم أن “الجزائريين يريدون إبقاء اللغة الفرنسية في المدارس، بينما حكومتهم تريد تمكين الإنجليزية” بدلا منها.
قرار سيادي
ومقابل تخوف باريس من “استهداف” لغة موليير بالجزائر، أشاد سياسيون ونقابيون وأكاديميون وإعلاميون جزائريون بقرار منع تدريس المنهاج الفرنسي في المدراس الخاصة بالبلاد معتبرين أنه قرار سيادي للدولة الجزائرية.
الأمين العام لمجلس الثانويات الجزائرية، زوبير روينة، أشاد بالإجراءات المتخذة من قبل وزارة التربية المتعلقة بالسهر على إلزام المدارس الخاصة بتطبيق البرنامج الدراسي الجزائري.
وفي 30 سبتمبر 2023، أكد روينة، في تصريح لموقع لـ”ألترا جزائر” المحلي، على أهمية هذه الإجراءات لأن الأمر يتعلق بالسيادة الوطنية، ويسهم في التقليل من الفوضى التي تسيّر بها بعض المدارس الخاصة.
وأشار روينة، إلى أن المدارس الخاصة مطالبة بتطبيق المنهاج الجزائري لأنها تتبع لوزارة التربية، وأي إضافات خارج المقرر الدراسي تعد انتهاكا للقانون.
ودعا إلى ضرورة تطبيق هذا الأمر بثانوية بوعمامة بالعاصمة (ديكارت سابقا) التي يجرى التدريس فيها وفق المنهاج الفرنسي رغم أنها مؤسسة عمومية.
وذكّر روينة، أن نقابته تشدد على أن ترقية التعليم في الجزائر يكون في المدرسة العمومية التي تُحافظ على الطابع الاجتماعي للدولة، من خلال ضمان مجانية التعليم لجميع الأطفال.
بدوره، رأى الخبير في شؤون التعليم والرئيس السابق لتنظيم نقابي في قطاع التربية مزيان مريان، أن “الحكومات السابقة أخطأت بغض الطرف عن اعتماد بعض المدارس الخاصة للمنهاج الفرنسي”.
وتابع أن المدارس الخاصة غالطت السلطات عندما ادعت أنها تعتمد “منهاجا مزدوجا يجمع البرنامج الوطني بالفرنسي، لأن هذا غير ممكن بيداغوجيا (تعليميا)”.
وبالتالي فإنها “كانت تتحايل على المفتشين بهذه الطريقة، واعتمدت حصرا البرنامج الفرنسي في تدريس جميع المواد”.
خلفية سياسية
ومقابل الإشادة بقرار وزارة التربية منع تدريس المنهاج الفرنسي في المدارس الخاصة بالجزائر، قال الصحفي والمعارض الجزائري وليد كبير، إن “خلفية هذا القرار سياسية بالدرجة الأولى جراء مرور العلاقات بين الجزائر وفرنسا بفترة برودة نوعا ما”.
وأضاف كبير، أن وزارة التربية لا تستطيع اتخاذ قرار منع تدريس المناهج الفرنسية في المدارس الخاصة بالجزائر لو لم تتلق الأوامر من طرف السلطات العليا في البلاد بهذا الشأن.
وتابع أن النظام الجزائري يحاول منذ أكثر من سنتين الترويج لرؤية جديدة تسعى للتخلي عن الفرنسية مقابل تعزيز اللغة الإنجليزية في المنهاج الدراسي الجزائري.
ورأى أن الأمر ليس بالبساطة التي يحاول النظام تصويرها للشعب حيث إن هناك ارتباطات وثيقة بين الجزائر وفرنسا أساسها اتفاقية “إيفيان”.
وهذه الاتفاقية جرى توقيعها في 18 مارس/آذار 1962 في مدينة إيفيان الفرنسية، وجاءت بعد مفاوضات بين الجزائر وفرنسا لإنهاء استعمار البلاد الذي امتد لـ 132 عاما.
وسجل أن الوجود الثقافي الفرنسي مازال يفرض نفسه في المنهاج الدراسي بالجزائر ولذا لا يستطيع النظام الحاكم إلغاء اللغة الفرنسية من المرحلة الابتدائية، مشيرا إلى أن هناك لوبي تابعا لباريس لا يزال يفرض رأيه.
ورأى كبير، أن النظام الحاكم بالجزائر يحاول اللعب على مشاعر الشعب الجزائري من جهة، والضغط على فرنسا من جهة أخرى لتحقيق مكاسب سياسية.
وخلص إلى أن قراءته السياسية لهذا القرار تؤكد أنه لن يكون له تأثير فعلي يُمَكن من القطيعة مع اللغة الفرنسية وتعويضها بالإنجليزية التي تعد الأكثر انتشارا في العالم.
وأردف أنه “آن للجزائر اليوم أن تنظر إلى مصالحها الإستراتيجية، فالعالم أوسع من فرنسا والثقافة أوسع من الفرنسية”، مسجلا أن لغة العلم والثقافة التي يتخاطب بها العالم معروفة وهي الإنجليزية.
وأكد أن قرار منع المنهاج الفرنسي بالمدارس الخاصة الجزائرية جاء متأخرا جدا، مبينا أن هذا الإجراء ليس منعا بل هو تصحيح لوضعية كانت خاطئة ومخالفة للقانون.
وأوضح الزين، أنه لا توجد أي دولة ذات سيادة تسمح بتعليم أبنائها وفق مناهج دولة أجنبية في مدارسها التي تعتمدها وزارتها.
وخلص إلى أن الجزائر تأخرت كثيرا في اعتماد الإنجليزية عوض الفرنسية التي أصبحت تعرف انحسارا حتى داخل فرنسا نفسها.
ولكنه يؤكد أنه آن الأوان للجزائر أن تنتقل إلى الثقافة العالمية وأن تختار اللغة الإنجليزية.