حظر ارتداء العباءة في مدارس فرنسا.. كيف يتكسب ماكرون من إثارة الجدل ضد المسلمين؟

ي 27 أغسطس/ آب 2023، أعلن وزير التعليم الفرنسي غابريال أتال حظر ارتداء “العباءة” في المدارس الفرنسية، مشيرا إلى أن ارتداء هذا الزي الإسلامي يعد انتهاكا للقوانين العلمانية الصارمة المطبقة في مجال التعليم في البلاد.

وفي ظل  حالة الجدل الكبيرة داخل فرنسا وخارجها، يحلل موقع “ميديل إيست آي” البريطاني، بنسخته الفرنسية، هذا القرار من زوايا سياسية واجتماعية وقانونية.

علمانية مزعومة

يشير الموقع البريطاني إلى أن “مسألة العباءة الآن أصبحت هي الوسيلة التي تستخدمها الحكومة الفرنسية العلمانية لاضطهاد المسلمين”.

ويسخر الموقع من حقيقة عدم مرور فترة صيفية دون أن تحدث الحكومة الفرنسية جدلا مرتبطا بالإسلام والمسلمين.

فقال: “من أجل احترام “التقليد” الراسخ في السنوات السابقة، أعلن وزير التعليم الفرنسي الجديد، غابرييل أتال، في 27 أغسطس  عن قرار عدم ارتداء العباءة في المدرسة”. 

حيث إن المذكرات والوثائق الصادرة عن أجهزة الدولة تشير إلى زيادة كبيرة في “الهجمات على العلمانية داخل المدارس” منذ اغتيال صموئيل باتي في أكتوبر/ تشرين الأول 2020″.

وفي العام الدراسي 2022-2023 وحده، سُجلت 4710 بلاغات عن حوادث “اعتداء على العلمانية في المدارس”، أي بزيادة قدرها 150 بالمئة في عام واحد.

علاوة على ذلك، يلفت الموقع إلى أن فرنسا الآن تعيش في سياق ما بعد اعتماد مشروع قانون “مكافحة الانفصالية”، وبالأخص الإسلام السياسي، والذي رأى الموقع أن ذلك “شكل مرحلة مهمة في انحراف العلمانية الفرنسية”.

وعكس المتوقع، يلفت الموقع ويشدد على أن “حظر ارتداء التلاميذ لنوعيات معينة من الملابس باسم العلمانية هو الذي يشكل انتهاكا للعلمانية في الأصل، بل وتفسيرا خاطئا لمعنى العلمانية بشكل واضح”.

تفكيك معضلة العباءة

وفي تعريفه للعلمانية يقول الموقع: “إنها مبدأ تنظيم الدولة على عدة مبادئ تراكمية أخرى، مثل المساواة وعدم التمييز والحرية الدينية وعدم التدخل المتبادل بين الكنيسة والدولة”. 

ورغم ذلك، يعتزم وزير التربية الفرنسي اعتماد تعميم تفسيري للمادة “L-141-5-1” من قانون 15 مايو/ آذار 2004، والذي ينص على أنه “في المدارس الرسمية والكليات والمدارس الثانوية، يحظر ارتداء العلامات أو الملابس التي يبرز من خلالها الانتماءات الدينية للطلاب”.

وبحسب الموقع، فإن هذا الحكم القانوني يحظر على طلاب المدارس العامة والكليات والمدارس الثانوية ارتداء علامات دينية “واضحة”، وذلك باسم العلمانية.

ويلفت إلى أن “عبارات القانون غامضة للغاية، ويمكن استخدامها بشكل تعسفي للغاية”.

ومع ذلك، فإن مبدأ العلمانية، الذي يعني حياد الدولة، لا يعني بحكم تعريفه التحكم في مستخدمي الخدمات العامة، وفق ما ذكره الموقع.

ووفق ما سبق ذكره من الناحية القانونية، يكرر الموقع تأكيده على أنه “لا توجد حاجة لإجراء مثل هذا التمييز”.

وأتبع: “وفي دولة القانون الديمقراطية التي تدعي الالتزام بمبدأ العلمانية، هناك دوما سبب لافتراض أي جماعة أو أي زي أو أي ممارسة مهما كانت رمزا دينيا”.

“لكن ذلك مرتبط حصرا بنية الشخص الذي يرتدي الزي أو يؤدي هذه الممارسة، وبالتالي هو فقط -بذاته- من يحدد إن كان فعله ذلك مرتبط بدوافع دينية أو غير ذلك”، تابع الموقع.

وأفاد بأن “السوابق القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد أشارت بوضوح إلى ذلك في أحكام متعددة تتعلق بارتداء مظاهر دينية”.

وأردف: “وبالمثل، لا يجوز لهم، كأساس لسياساتهم، الاستناد إلى موقف أي “سلطة” أو مؤسسة دينية لتقرير معنى هذه الملابس أو تلك التي يرتديها أتباع هذا الدين”.

ومن الناحية العملية، يشير إلى أن “الدولة الفرنسية لا يجب عليها أن تقرر أن العباءة هي لباس ديني تلقائيا بناء على أحاديث صادرة عن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية “CFCM”، بأن العباءة أو غيرها لباس ديني أو غير ديني”.

احترام الخصوصية

وفي النهاية، يتساءل الموقع: “وبما أنه لا بد من الرجوع إلى الشخص المعني بنفسه لتصنيف ما إن كان الزي الذي يرتديه دينيا أم غير ديني، فهل من الضروري إذن سؤال كل شخص على حدة لتوضيح الدوافع الكامنة وراء هذا الاختيار للملابس؟”.

مجيبا: “بالطبع لا”. ويعزو ذلك لوجود مبدأ أساسي آخر في دولة القانون الديمقراطية التي تحترم الحقوق الإنسانية الأساسية، وهو احترام الخصوصية.

“فعلى سبيل المثال، لا يتعين على مدير المدرسة الثانوية العامة، بصفته ممثلا للسلطات العامة في سياق المدرسة، سؤال التلاميذ حول الاختيارات التي يتخذونها لأنفسهم فيما يخص حياتهم الشخصية أو خياراتهم الدينية”، حسب “ميدل إيست آي”.

وتقتصر صلاحياتهم، بحسب الموقع، فقط في التدخل على الإشراف أو حتى فرض العقوبات على الأفعال أو السلوكيات التي تتعارض مع الضمانات المنصوص عليها في المادة “9- الفقرة 2” من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، ولا سيما النظام العام وحقوق الآخرين وحرياتهم.

ويضيف: “هذه السياسة تعرض في نهاية المطاف الحقوق الأساسية للجميع -المسلمين وغير المسلمين على حد سواء- للخطر”.

وختاما، يرى الموقع أن “تحمُّل هذه السياسة أو غض الطرف عنها اليوم -لكونها موجهة للوهلة الأولى “فقط” نحو المسلمين- يعني حرمان النفس غدا من كل مصداقية أو حتى إمكانية معارضتها عندما يتم استخدام هذه السياسات ضد مجموعة أخرى من السكان”.

مقالات ذات صلة