حرب الذكاء الاصطناعي لا تحتمل الهزائم
هناك حرب مرت من دون لفت الأنظار اسمها حرب الخدمات السحابية.

بقلم: د. هيثم الزبيدي
ثمة حرب تراشق بالمليارات تجري الآن. مرة أخرى تجد مايكروسوفت نفسها أمام تحدٍ كبير. تحاول الشركة العملاقة أن تستحوذ على وجه تقني يبرز بحكم التطور أو الحاجة. ولأنها شركة عملية، فإنها تتحرك بسرعة حين ترى الآخرين يتطورون بإيقاع أفضل. ما تعجز عن تطويره داخليا، أو أن يكون ما طورته متعثرا لأسباب مختلفة، فإنها تلجأ إلى شراء بديل منافس.
لدينا انطباع بأن مايكروسوفت عبقرية. هي كذلك، ولكن ليست دائما. رئيسها السابق الأسطوري بيل غيتس مثلا كان يعتقد أن الأسطوانات الرقمية (سي دي أو دي في دي) أهم من الإنترنت. لم يبادر إلى تطوير متصفح مهم، وترك شركات أخرى تسبقه إلى هذا المجال. في مرحلة لاحقة انتبه، وقام بنسخ تكنولوجيا برنامج موزاييك المجانية وأطلق متصفح إكسبلورر. في تلك المرحلة صار يمارس نوعا من البلطجة التجارية بفرض تثبيت المتصفح على كل كمبيوتر جديد يشتغل ببرنامج ويندوز. بعد سنوات، وبدلا من أن يثمر مشروع البلطجة سيادة إكسبلورر على عالم برامج التصفح، صار يكتفي بالمركز الثاني أو الثالث. أسطورية التحكم التي جاءت مع ويندوز وبرامج أوفيس تبددت.
خطأ آخر ترافق مع برامج البريد الإلكتروني. أصرّت مايكروسوفت على أن تفرض برنامج أوتلوك. هذا برنامج بنوعين، واحد إكسبريس “مجاني” لكنك حقيقة تدفع له من خلال شرائك لويندوز، وآخر جزء من باقة أوفيس. عدم استيعاب أن الناس تستخدم البريد الإلكتروني من خلال صفحة على الإنترنت، مثل هوتميل وياهو، كلفها غاليا. الاضطرار دفعها إلى شراء هوتميل من مبتكرها الهندي مقابل 400 مليون دولار. بمرور الوقت تم دمج أوتلوك وهوتميل ونسي الناس الإخفاقة الأصلية لمايكروسوفت. المقارنة بين هوتميل وجيميل سهلة، بين 500 مليون مستخدم لهوتميل ومليار ونصف مستخدم لجيميل.
هذه الحروب كبيرة وخطيرة. الناس تنظر إلى جيميل على أنها خدمة مجانية للأفراد تمرر الإعلانات وتحقق الدخل. ما يغيب عنهم أن عشرات الآلاف من المؤسسات والجامعات ألغت برامج بريدها الإلكتروني الخاص، ومعه فرق التقنيين والسيرفرات، في واحدة من أكبر عمليات التوفير. ربحت غوغل وخسر برنامج وسيرفر أوتلوك.
هناك حرب مرت من دون لفت الأنظار اسمها حرب الخدمات السحابية. بادرت أي بي أم مبكرا، وحاولت مايكروسوفت اللحاق، ثم دخلت غوغل على الخط وبعدها أمازون. اليوم تبدو أي بي أم أكثر اهتماما بالذكاء الصناعي، بعد أن ظلت لسنوات “تحلب” الخدمات السحابية. مايكروسوفت لا تتربع على عرش هذه الخدمات.
غوغل تطور برامجها الخاصة للذكاء الاصطناعي، وتتكتم عن نتائج بحوثها. فجأة تجد خاصية إضافية على متصفح كروم تقول هل تريد أن تترجم أو تبحث في الصور. قريبا سنجد البدائل السحابية التي توفرها غوغل مجانا لمعالجة النصوص والحسابات والرسوم، وهي تعمل بالذكاء الاصطناعي. هذه ستكون طلقة إضافية صوب برامج عتيدة مثل أوفيس. لهذا سارعت مايكروسوفت إلى دفع 10 مليارات لشركة أوبين أي آي الرائدة في تقنيات الذكاء الاصطناعي. بل وستوفر مايكروسوفت كمبيوترات خارقة (سوبر كمبيوتر) للقيام بعمليات التدريب للذكاء الاصطناعي لتطبيقات مختلفة ومن كل نوع، لتوفر على المستخدمين والزبائن قوائم الكهرباء الكبيرة التي ستستهلكها الكمبيوترات وهي تدرب برامج الذكاء الاصطناعي على أن تكون “ذكية”.
نعرف أن مايكروسوفت رشقت منافسيها بعشرة مليارات دولار. لا ندري كم ضخت غوغل، أو غير غوغل، من أموال لفرقها البحثية لكي تمنع تفوق مايكروسوفت. هذه حرب لا تحتمل أيّ هزيمة.