تعتمد على إسرائيل وتخطب ود واشنطن.. ما سر موقف الصين من إبادة غزة؟

مع بدء الاحتلال الإسرائيلي عملية إبادة لأهالي قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ظلت بكين التي تدعي أنها “صديقة العرب”، مشغولة بإنهاء دورة الألعاب الآسيوية الـ19، المقامة على أرضها ولم تعلن أي موقف إلا بعد أسبوع كامل.

وبعد التصعيد المتواصل بين حركة “حماس” وإسرائيل ضمن عملية “طوفان الأقصى”، تحركت القيادة الصينية، واتصل وزير خارجيتها، وانغ يي، مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، لـ”بحث الحرب”.

ومنذ 7 أكتوبر 2023، يشن الجيش الإسرائيلي غارات جوية مكثفة على غزة، وقتلت إجمالا أكثر 5791 فلسطينيا، بينهم 2360 طفلا و1292 سيدة و295 مسنا، وأصابت 16297 شخصا، كما يوجد عدد غير محدد من المفقودين تحت الأنقاض.

دور غامض

وخلال الاتصال الهاتفي، قال الوزير الصيني إن على واشنطن أن “تؤدي دورا بناء ومسؤولا” فيما يتعلق بالحرب الدائرة، ودفع القضية إلى مسار يوصل إلى تسوية سياسية في أقرب وقت ممكن”، حسب بيان نشرته وزارة الخارجية في 14 أكتوبر 2023.

ثم أعلنت بكين عبر بيان في  20 أكتوبر 2023 استعدادها للتنسيق مع روسيا من أجل التوصل إلى تهدئة للأزمة.

وتحرك المبعوث الخاص للحكومة الصينية للشرق الأوسط، تشاي جيون، لزيارة المنطقة بهدف “التنسيق مع مختلف الأطراف من أجل وقف إطلاق النار وحماية المدنيين وإنعاش الوضع وتعزيز محادثات السلام”، حسب إعلام رسمي.

وكان لافتا أن الصين نددت بأعمال العنف والهجمات على “المدنيين” في الصراع، دون أن تنتصر لضحايا غزة بشكل مباشر، كما بادر وزير خارجيتها للاتصال بنظيره الإسرائيلي، إيلي كوهين هاتفيا في 23 أكتوبر 2023 لعزائه في القتلى الإسرائيليين.

“هذا الموقف الصيني المائع اعتادت بكين انتهاجه في كل أزمة دولية تخص العرب والمسلمين، حيث تبتعد عن الأحداث الدولية الساخنة إلى أن تهدأ وتتضح معالم الطريق، ثم تتحرك وتسير نحو الهدف الذي يحقق مصالحها دون خسائر”، بحسب الصحفي المتخصص في الشؤون الصينية، عادل صبري، في مقال نشره موقع “الجزيرة مباشر” في 15 أكتوبر 2023.

موقف مائع

عقب “طوفان الأقصى”، سعت بكين إلى اتباع لهجة محايدة مائعة في البيانات الرسمية، وظهر الموقف الصيني الرسمي كأنه يمسك العصا من المنتصف.

وظهرت حقيقته أكثر في تعليقات صحف ومواقع التواصل الصينية التي تشرف عليها الدولة وتراقبها، في صورة انتقاد أميركا لا إسرائيل لوقوفها خلف هذا التصعيد.

ولم تبدأ بكين في انتقاد “الإبادة الإسرائيلية” لغزة رسميا ووقوف واشنطن خلف دعم سياسات إسرائيل، إلا بعدما بدأ الحديث عن اجتماعات مصالحة مع أميركا والترتيب لزيارة وزير خارجية الصين لأميركا.

كما اتهم آخرون السفارة الإسرائيلية في بكين باستغلال النساء والأطفال لجلب التعاطف معها عبر نشر قصة فتاة من أصول صينية مولودة في إسرائيل وتخدم في الجيش أسرتها “حماس”، لتبرير قصفها المدنيين في غزة.

تحريض ممنهج

غالبا ما يكون ما ينشر موقع “ويبو” الخاضع للإشراف الحكومي الشديد، مؤشرا على ما تريد السلطات الصينية الترويج له بين عقول مواطنيها.

في بداية العدوان الإسرائيلي على غزة كان لافتا شجب بعض الصينيين على موقع “ويبو” ما أسموه “الأعمال الإرهابية” التي ترتكبها حماس، داعين إلى هزيمتها، في حين أعرب آخرون عن تعاطفهم مع كلا الجانبين.

كما سمحت بكين للسفارة الإسرائيلية في بكين بإنارة مبناها بما يسمى الأعلام، أسوة بما فعلته الحكومة البريطانية والاتحاد الأوروبي، وبرج إيفل بفرنسا.

ولاحظت شبكة “سي إن إن” في تقرير نشرته 20 أكتوبر 2023 حول ما ينشر على موقع “ويبو” ، أن الصينيين المؤيدين لإسرائيل عليها أكثر من المؤيدين لفلسطين.

وأشارت إلى صراع بين أولئك الذين يدعمون “حق إسرائيل في الانتقام” ومجموعة متنوعة من الأصوات المؤيدة للفلسطينيين على “ويبو”.

كما ترسل الصين خبراء عسكريين للتدريب في إسرائيل على مكافحة مظاهرات المسلمين، ضمن خطط ضرب الفلسطينيين في المدن، لتعيد تنفيذها على المعارضين والمسلمين بالداخل، وسط قبول دول عربية وإسلامية، لحملات التطهير التي تقوم بها بكين ضد الإيغور والمعارضة.

صينية إسرائيلية

وأسهم في هذا العداء لحماس على “ويبو” وبموافقة حكومة بكين، قيام الدبلوماسية الإسرائيلية بنشاط دعائي كبير على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، لترويج الدعاية لإسرائيل ضد “كتائب القسام”، بحسب نائبة مدير مركز “ديان آند جيلفورد جليزر” للسياسات الإسرائيلية الصينية، جاليا لافي، لشبكة “سي إن إن” في 20 أكتوبر 2023.

وروجت السفارة الإسرائيلية عددا من المنشورات ومقاطع الفيديو لفتاة تُدعى “نوا أرغاماني”، المولودة في إسرائيل من أصل صيني جزئيا، وهي تُنقل لغزة مع مقاتلي حماس، كي تثير غضب الصينيين ضد “القسام”.

وأجَّج موقع السفارة الإسرائيلية على “ويبو” ومنصة “إكس” العداء لحماس حين نشر قصصا عن اختطاف 5 عمال صينيين وقتل 3 آخرين يعملون في المستوطنات القريبة من قطاع غزة. 

وبدأت مواقع صينية تحشد العداء لحركة “حماس”، رابطة إياها بجماعة الإخوان المسلمين والإسلاميين الذين يحاربهم الحزب الشيوعي الصيني.

لذلك تساءل أحد المعلقين القوميين، الذي يتابعه أكثر من 190 ألف شخص عن سبب اهتمام السفارة بوضع هذه الإسرائيلية من أصل صيني.

مغازلة واشنطن

رغم تزايد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الصينيين الداعمين فلسطين، مع احتدام القصف الإسرائيلي على غزة، وتزايد أعمال القتل والإبادة للفلسطينيين، كان لافتا ربطهم هذا الدعم بنقدهم للولايات المتحدة الأميركية كداعم لهذا العنف.

وظهرت انتقاداتهم لإسرائيل على موقع “ويبو” بالتزامن مع تعليقات لاذعة تستهدف الولايات المتحدة، حسبما يوضح موقع “بيزنس إنسايدر” في 10 أكتوبر 2023.

وكتب الأستاذ في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدولية، ليو تشونغمين، أن “الولايات المتحدة تضع خططا لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون إشراك الفلسطينيين، ثم تحاول فرض هذه الخطط عليهم”.

وأضاف ليو -في مقال نشرته صحيفة “غلوبال تايمز” المدعومة من الدولة في 13 أكتوبر أن “موجة التطبيع بين دول عربية وإسرائيل لن تدوم طويلا مع بقاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون حل”.

في المقابل، قدّم المقال، الصين كشريك أفضل لحل الصراعات، ووصف دورها الأخير في التوسط في تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بأنه “مثالي في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”.

مقالات ذات صلة