مقالات

“تضحيات بلغت حد الفداء …. جريمة مشتركة في شرق غزة”

في زمن النزاعات والحروب، تكون الضحايا هم الأطراف الأكثر تأثرًا وألمًا. وفي قضية غزة، يتناسى العالم كثيراً الضحايا الذين يعانون في شرق غزة. ورغم أننا نشهد تقدمًا في الوعي العالمي بحقوق الإنسان، إلا أن وجود جريمة مشتركة بين العدو وبعض الفصائل المتورطة بالوطنية في شرق غزة يفرح بقوة تلك التقدمات.إن حقيقة الأمر القاسية والمثيرة للقلق هي أن هناك ضحايا تسقط يوميًا في شرق غزة، ولكن تبقى قصصهم مجهولة ومدفونة في شظايا الدمار والصمت. إنهم ضحايا لإحدى أكبر الجرائم المشتركة في التاريخ، فهم يدفعون الثمن الأليم لتناقضات سياسية مريرة.إن الحقيقة المرة هي أن العدو وبعض الفصائل المتورطة بالوطنية مشتركان في ارتكاب هذه الجريمة البشعة. فقد يعني بعض الفصائل الواجب عليها حماية وخدمة شعبها الاستيلاء على الحقوق الأساسية للأفراد وارتكاب أعمال مروعة. أما العدو فهو يواصل سفك الدماء وتدمير البنية التحتية وحصار الشعب بحجج عسكرية وأمنية لا تقبل الاعتراض. في الواقع، فإن مأساة شرق غزة تتأرجح بين هذه الجهات الثلاث: العدو، والفصائل المغبرة بالوطنية، وأكثر من كلهم يعاني الشعب الفلسطيني.إن كشف هذه الحقيقة وإبراز الدور الملحوظ لكل الأطراف في الجريمة هو أمر ضروري لإحقاق العدالة والتوعية والسعي نحو تغيير الواقع. بالتعاون والتضامن مع المجتمع الدولي، يمكن أن نسعى لإنهاء هذه الجريمة المشتركة ومعالجة الأوضاع في شرق غزة. إنه حينها يكون لدينا فرصة حقيقية لإقامة عالم يستند إلى العدل والحقوق والسلام والتآزر

مع بداية شهر سبتمبر، أزمة “التظاهر” قرب السياج الفاصل شرق قطاع غزة أصبحت موضع اهتمام الحكومة الحمساوية، وذلك قبل وصول المندوب القطري السفير محمد العمادي، واعتُبرت وسيلة لـ “تحسين الظروف” في معادلة “المال والامتيازات مقابل الهدوء”، التي تراجعت نسبيًا

لقد واجهت الدعوة رفضًا ومعارضة في وقتها لأنها ليست مرتبطة بقضية وطنية، وتم فقدان قيمة المسيرات النضالية بعد تجارب سابقة وتأثيرات سلبية كبيرة. لم تتمكن الحكومة الحمساوية ولجنة “التكوين الفصائلي” من استعادة الاحترام لأولئك الذين دفعوا ثمنًا بواجب وطني، في حين حصل آخرون على مزيد من المكاسب التي لا يستحقونها. يعتبر الغالبية محاولة للتحايل على المعركة الأم في الضفة والقدس لمواجهة مشروع التهويد، ولم يكن لحماس جزءًا من المواجهة العسكرية التي تم ردا على اغتيال قادة من جناح الجهاد العسكري، وهذا ما دفع الغالبية لعدم التفاعل مع هذه الدعوة

بعد وصول المندوب القطري إلى غزة لفترة من الساعات، أصدرت حكومة حماس وأجهزتها الأمنية تعميمًا صريحًا وحاسمًا، يمنع جميع أشكال التظاهر والتحرك نحو السياج الفاصل، ونشرت قوات الأمن لمنع الوصول إلى هذا الموقع لأي شخص يعتقدون أنهم يتبعون الدعوة بجدية، وهددت في تعميمها غير الملتزمين بأشد العقوبات.

في صباح يوم الأربعاء، قامت وسائل الإعلام العبرية بنشر تهديدات من حماس بعدم الالتزام بمعادلة “المال مقابل التهدئة”، إلا إذا تم الإبقاء على المنحة القطرية بقيمتها الكاملة والبالغة 30 مليون دولار شهريًا، وزيادة عدد تصاريح العمال وتفعيل “الخط السريع” لحماس، وذلك لتحقيق مكاسب خاصة غير منظورة. يبدو أن تهديدهم لم يلقَ استجابة، وغادر العمادي دون التزام خاص بما كان عليه أو يجب أن يكون

فجأة، قررت حماس ولجنة “فصائل الغبار الوطني” الرد على ذلك بالتوجه نحو السياج الشرقي لقطاع غزة في فعالية استخدموا فيها قضية وطنية حساسة، وهي قضية الأسرى، كوسيلة للتهديد بانتهاء زمنه مع رفع آخر كرسي بها

ورغم ذلك، يجب التوقف بتأمل طويل عن التطور الذي يثير الدهشة، بعيدًا عن الخداع والنفاق الذي قدمه بعض الأفراد. حدث أمر يتمثل في السماح لمجموعة من الشباب بالوصول إلى منطقة الاحتلال، حيث كانوا يحملون عبوة ناسفة يرغبون في زراعتها، ونتيجة لذلك، حدث انفجار قبل أن يتمكنوا من إكمال مهمتهم، مما أدى إلى استشهاد خمسة أشخاص وإصابة عشرات آخرين في مشهد دموي لا يجب أبدًا أن يُستغل لأغراض سياسية أو أن يُعامل كأنه أمرًا أعمال بطولية تستهدف ضرب قوات الاحتلال

ما حدث في مساء يوم 13 سبتمبر 2023 يجب أن يتم تفتيشه على الصعيد الوطني، بالنسبة لكل من شارك في هذه الجريمة الكبيرة، ولا ينبغي أن يتم تمريرها تحت قناع مواجهة العدو، وذلك كجزء من “فعل المقاومة”، مساءلة تعيد أهمية الفلسطيني أينما كان، وتضع حداً للتجاهل المتزايد بشكل غير مسبوق في الوقت الراهن، تحت شعارات وهمية تدرك الأغلبية في قطاع غزة أهدافها وحقيقتها

وقعت الجريمة في مخيم “ملكة” شرق قطاع غزة، حيث تم استشهاد عدد من الأشخاص وإصابة آخرين. يعتبر العدو المحتل المسؤول الرئيسي عن هذه الجريمة، بالإضافة إلى الفصائل التي تتبنى وتنشر الوطنية والتي تمارس بدورها أفعالاً ابتزازية لتعزيز معادلة غير متوافقة مع مبادئ الحكومة الحمساوية السياسية

هل تكون جريمة “مخيم ملكة” في شرق غزة هي بداية لصحوة سياسية لوقف المتاجرة الوطنية لصالح أجندات حزبية فئوية انفصالية؟ هذا هو الأمر الذي يجب أن يكون على ساحة الوطن وليس ترويجا للحق الوطني المزيف

ملحوظة: أصبحت قصة الأسلحة الأمريكية التي أفادوا بوصولها إلى جهاز أمن السلطة الفلسطينية أكبر خبر من خبر التطبيع مع السعودية. تخيل أن الحكومة غير قادرة على حسم عدد السيارات الشرطة وعدد البارودات التي ستستخدمها لتحقيق السلام. أيها الجميل

تنويه خاص: هناك شخص يتباهى بنقص طبقات شهداء شرق غزة. ما رأيك في طبقة الفساد التي تنتمي إليها نفس الجماعة التي تحدثت عنها؟ لماذا تطبق تلك المعايير على الآخرين وتتجاهل نفسك؟

في الختام، يجب أن نواجه الحقيقة المرة بأن ضحايا شرق غزة ليسوا سوى ضحايا جريمة مشتركة بين العدو وبعض الفصائل المغبرة بالوطنية. هؤلاء الضحايا، الذين فقدوا أحباءهم ومنازلهم وحقوقهم الأساسية، يجب علينا أن نكرم ذكراهم ونضع مسؤولية هذه الجريمة على من يستحقها

إن استمرار تهديدات العدو وسياسات الاحتلال اللاخلاقية لا يبرر تورط بعض الفصائل الوطنية في انتهاك حقوق الإنسان وسفك دماء الأبرياء. فالوطنية الحقيقية تستدعي الحفاظ على كرامة الإنسان واحترام حقوقه، حتى ولو كانوا من خصوم سياسيين لتخطي هذه الجريمة المشتركة، يجب أن يتحمل العدو المسؤولية الأساسية عن أفعاله اللاإنسانية والتوجه نحو حل سلمي يضمن حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة. كما يجب أن تعتبر الفصائل الوطنية تنظيمًا داخليًا للشعب الفلسطيني وأن يكون عملها مبنيًا على سعيها لخدمة مصالح الشعب وحماية حقوقه

في ظل التحديات والصراعات، يجب أن نتذكر أنه لا يمكن أن يكون هناك وطن حقيقي بدون الحفاظ على قيم الإنسانية والعدالة. على الجميع – بما في ذلك المجتمع الدولي – أن يعملوا معًا لضمان إنهاء هذه الجريمة المشتركة وتحقيق السلام والعدالة في شرق غزة وفلسطين ككل. فقط عندئذ يمكن للأرواح المفقودة أن ترقد في سلام ويحقق الشعب الفلسطيني حقه في حياة كريمة وحرية حقيقية

 

زر الذهاب إلى الأعلى