تزامن مع انتفاضة السويداء وغضب العلويين.. لماذا يتهم الأسد بتدبير هجوم حمص؟

فتح الهجوم بالطائرات المسيرة على الكلية الحربية التابعة للنظام السوري في حمص، باب تساؤلات عريضة بشأن الجهة التي تقف خلف الاستهداف الذي خلف نحو مئة قتيل.

فخلال حفل تخريج طلاب ضباط الكلية الحربية في حمص، بتاريخ 5 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلنت وكالة إعلام النظام “سانا” أن طائرات مسيرة استهدفت الكلية.

وبحسب وزير الصحة التابع لنظام الأسد حسن الغباش فإن الهجوم أسفر عن مقتل 89 شخصا بينهم 31 امرأة و5 أطفال، إضافة إلى 239 مصابا، فيما أشار مصدر موال لدمشق لوكالة “رويترز” إلى أن حصيلة القتلى بلغت نحو 100.

وحملت وسائل الإعلام الرسمية التابعة للنظام السوري مسؤولية الهجوم لـ”منظمات إرهابية مدعومة من أطراف دولية معروفة”.

تساؤلات عريضة

وفور إعلان النظام السوري، أنه نفذ من قبل “منظمات إرهابية”، بطائرات مسيرة قفزت إلى الأذهان تساؤلات حول الجهة التي تملك طائرات مسيرة على الأرض السورية وذات تقنية عالية قادرة على تنفيذ مثل هذا الهجوم بوسط تجمع عسكري.

كما أبدى خبراء عسكريون على الفور استغرابهم من عدم تأمين النظام السوري الغطاء الجوي، لحفل عسكري يحضره الآلاف من ذوي الضباط الذين تخرجوا في الكلية الحربية قبل فرزهم إلى قطع الجيش والأجهزة الأمنية.

وركز الخبراء على نقطة مهمة في التكتيكات العسكرية وهي كيف لطائرة مسيرة كما يدعى النظام السوري تصل إلى هدفها من نقطة انطلاقها دون اكتشافها من قبل وسائط الدفاع الجوي التابعة للنظام أو لقواعد حليفته إيران وروسيا؟ وبالتالي إسقاطها أو التحذير منها على أقل تقدير.

إذ يؤكد الخبراء أن الكلية الحربية بحمص التي تقع ضمن تجمع لفرق وقطع عسكرية محصنة، تبعد أقرب نقطة عنها للمعارضة السورية مسافة 130 كيلومترا.

فضلا عن عدم امتلاك فصائل المعارضة السورية والجيش الوطني السوري المعارض طائرات مسيرة.

وكل المناورات والاحتفالات العسكرية التي يقوم بها النظام السوري مع حلفائه تكون عادة مراقبة ومحمية من اختراق الطيران المسير لها.

أما في شمال حلب حيث فصائل المعارضة السورية، فإن هناك مسافة 190 كيلومترا عن الكلية الحربية بحمص، والتي يجب على الطائرة المسيرة أن تعبر مطاري النيرب وحلب الخاضعين لقوات الأسد، مما يعني أن الطائرة المسيرة ستكشف في الأجواء قبل بلوغها هدفها.

ولهذا كثيرا ما تعلن روسيا إسقاطها طائرات مسيرة تهاجم قواعدها بسوريا في قاعدة حميميم الجوية الروسية بريف اللاذقية قبل بلوغها هدفها.

وفسر بعض المراقبين صمت روسيا عن مكان انطلاق الطائرة المسيرة المزعومة التي نفذت الهجوم على الكلية الحربية، بأنها تأكيد ضمني على أنها لم تخرج من مناطق المعارضة السورية كونها يمكنها نشر الدليل على ذلك في حال تيقنها.

من له مصلحة؟

وتمتلك إيران حاليا نحو مئة ألف عنصر مقاتل لها في سوريا جرى تنظيمهم منذ تدخلها عسكريا لوأد الثورة السورية عام 2012، ولتحقيق حلم طهران بالوصول للبحر المتوسط عبر ترسيخ وجودها العسكري.

إذ تتفوق إيران بترسانتها من الطائرات المسيرة متعددة الأصناف على الأراضي السورية، وابتكرت إيران طائرات بدون طيار متطورة في السنوات الأخيرة قادرة على حمل متفجرات بكميات متفاوتة، ونقلت كثيرا منها إلى سوريا ودربت فنين من مليشياتها المحلية على استخدامها.

حتى إن طهران أنشأت فصيلا عسكريا جديدا تحت اسم “سرايا الخراساني”، خلال عام 2022، مكونا بشكل أساسي من عناصر عراقية وسورية، ودربتهم على استخدام الطائرات المسيرة في قاعدة كرمانشاه الإيرانية على بعد 80 كيلومترا من الحدود العراقية.

اللافت أن إيران اعتمدت خلال السنوات الأخيرة على مناطق ريف حمص لتدريب مليشياتها وعناصر النظام السوري على استخدام الطائرات المسيرة.

وفي هذا السياق، قال الخبير العسكري السوري العميد عبد الله الأسعد ، “في تقدير موقف الوسائط والعتاد القتالي فإن المعارضة السورية لا تمتلك طائرات مسيرة ولم يجر دعمها بها من قبل الدول ولم تستطع تصنيعها لكونها تحتاج لقدرات فنية وتعبوية”.

وأضاف الأسعد قائلا: “من ناحية ثانية فإن قدرة الطائرة المسيرة على الطيران لمسافة 135 كيلومترا وهي المسافة الفاصلة بين موقع الكلية الحربية ومناطق المعارضة يتطلب توافر تقنية ربط مع الأقمار الصناعية من أجل التحديد الإحداثي وتحديد الموقع الذي يراد قصفه إضافة إلى تجهيز الطيران المسير بالذخائر والقنابل والصواريخ وغيره”.

إذ وثق فريق الدفاع المدني السوري المعارض (الخوذ البيضاء) مقتل ما لا يقل عن 16 مدنيا بينهم نساء وأطفال وجرح العشرات بهجمات صاروخية ومدفعية على إدلب وريفها عقب الهجوم على الكلية الحربية.

“شد عصب العلوية”

وللمفارقة، فإن استهداف الكلية الحربية في حمص والتي يشكل السواد الأعظم من منتسبيها من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها رأس النظام بشار الأسد، يأتي وسط حالة غليان جديدة ضد النظام سواء في الساحل السوري التي خرجت منها أخيرا أصوات انتقدت الأسد شخصيا وطالبته بالرحيل أو من استمرار أهالي محافظة السويداء في احتجاجات سلمية منذ 20 أغسطس/ آب 2023 تطالب برحيل بشار الأسد.

وقد أحرج نظام الأسد من تمسك تلك الاحتجاجات في السويداء بتطبيق القرار الأممي 2254 الممهد للحل السياسي بسوريا والبدء بمرحلة انتقالية، ولا سيما أن النظام أفشل خلال العقد الأخير كل المساعي الداعية للتغيير السياسي.

وتنبع خصوصية السويداء من كونها تضم النسبة الأكبر من الأقلية الدرزية، ولهذا أكد محتجوها مجددا على خدعة حماية الأقليات من قبل النظام السوري في المحافل الدولية.

وذهب حوراني للقول: “لهذا أراد النظام السوري قصف الكلية الحربية لأن عدد العسكريين القتلى بالهجوم قليل، إذ تعمد منفذو الهجوم قتل حواضنهم من النساء والشابات اللاتي حضرن حفل التخرج”.

مما يعني وفق حوراني “هناك محاولة لشد عصب الطائفة العلوية باتجاه التذمر من المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد، وهذا ما اتضح من سرعة اتهام النظام السوري لفصائل المعارضة بتنفيذ العمل على الرغم من أن الأخيرة لا تمتلك الإمكانات المادية والتكنولوجية لتصنيع مثل هذه الطائرات المسيرة”

مقالات ذات صلة