‘تجريم التطبيع’: قانون يثير الجدل والخلاف في تونس

في الوقت الذي استعمل فيه الرئيس التونسي قيس سعيد كلمات واضحة في دعم قضية فلسطين والمقاومة خلال حملته الانتخابية الرئاسية، ظهر في امتحان الحقيقة القائم في غزة أنها كانت عبارات انتخابية لا أقل ولا أكثر.

حيث أعلن رئيس البرلمان التونسي إبراهيم بودربالة، في 2 نوفمبر/تشرين ثاني 2023، تأجيل جلسة التصويت على مقترح قانون لتجريم التطبيع مع إسرائيل، مُرجعا سبب التأجيل إلى رئيس الجمهورية.

قانون تجريم التطبيع

وقال بودربالة -خلال جلسة للبرلمان مخصصة للتصويت على القانون- إن الرئيس سعيّد قد “أوصاه بأن يبلغ النواب بتأجيل الجلسة، نظرا لما يمثله مقترح القانون من آثار سلبية على أمن تونس الخارجي وعلى مصالحها”.

وذكر بودربالة -في افتتاح الجلسة- أن موقف تونس ثابت من القضية الفلسطينية المركزية للشعب التونسي، والمتمثل في أن فلسطين يجب أن تتحرر، مشددا على أنهم ضد التطبيع وضد الاعتراف بشرعية كيان الاحتلال.

وناقش البرلمان التونسي مشروع قانون يجرم التطبيع مع إسرائيل يعد الأول من نوعه في المنطقة، وسط تظاهر العشرات للمطالبة بالتصويت لصالح القانون.

وذلك تزامنا مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 في أعقاب معركة “طوفان الأقصى”.

وعقد النواب المحتجون من كتل “الخط الوطني السيادي” و”الوطنية المستقلة” و”الأحرار” و”لينتصر الشعب” وعدد من النواب غير المنتمين، في الثاني من نوفمبر، مؤتمرا إعلاميا أكدوا خلاله “وجود مناورة لإفشال تمرير قانون تجريم التطبيع وتعطيل المصادقة عليه تحاك في غرف مظلمة”، محذرين من “وجود مؤامرة ضد إرادة الشعب”.

وشدد البلاغ على أن “موقفه الذي نقله رئيس البرلمان “حرفيا” للنواب، أسقط ورقة التوت التي ظل سعيد يتخفّى بها ويعتمدها لمغالطة الشعب التونسي، سواء للظهور بمظهر المدافع الكبير عن القضية الفلسطينية، أو للظهور بمظهر “المتمسّك المتشدّد بالسيادة الوطنية”.

وشدد حزب العمال على أن ما وقع “يكشف الطابع الديماغوجي لخطاب سلطة الانقلاب حول مناصرة القضية الفلسطينية من جهة، وانصياعها العملي، الفعلي لإرادة القوى الاستعمارية ولوبيات العمالة المحلية الرافضة لكل إجراء عملي ضدّ الكيان الغاصب، النازي من جهة ثانية”.

وقفات شعبية

في المقابل، نُظمت وقفة أمام البرلمان، والتي عرفت مشاركة عشرات التونسيين للمطالبة بالتصويت لصالح تمرير القانون الذي يجرّم التطبيع مع إسرائيل.

وبالمناسبة، قال غسان بن خليفة، عضو الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع إسرائيل -خلال الوقفة- إنهم سيرابطون أمام البرلمان إلى أن يتم سنّ هذا القانون بوصفه انتصارا للقضية الفلسطينية.

وأضاف بن خليفة: “نحن أمام مجلس نواب الشعب لنقول إننا صف واحد وراء كل الأحرار، ووراء كل نفس وطني شريف، يريد أن يقدم لنا دعمًا ملموسًا لأهلنا في فلسطين، لشهدائنا ولمقاومينا الصامدين على أرض غزة”.

وأضاف: “نحن هنا لنقول للنواب المدافعين عن تمرير قانون تجريم التطبيع نحن معكم ما دمتم مع الحق، ونحن إلى جانبكم ما دمتم متمسكين بهذا المطلب الوطني ومتمسكين بتجريم كل أشكال التطبيع”.

وخلال الوقفة، رفع المحتجون شعارات منها: “الشعب يريد تجريم التطبيع”، و”مقاومة مقاومة لا صلح لا مساومة”، و “لا مناب لا خطب الشوارع والغضب”.

وكانت وقفة الخميس هي الثانية بعد تظاهرة سابقة في 30 أكتوبر، احتجاجا على تأجيل مناقشة مشروع هذا القانون في الجلسة العامة، وهو المشروع الذي شرعت لجنة الحقوق والحريات في مناقشته خلال شهر أغسطس/آب 2023، وأشادت بمضمونه، كما دعت إلى تجويده

ضغوط خارجية

فيما كشفت سيرين مرابط، مساعدة رئيس البرلمان التونسي، عن “ضغوط أميركية” لسحب مشروع قانون تجريم التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وأشارت، في تصريح إذاعي، إلى “رسالة تلقتها وزارة الخارجية من سفارة الولايات المتحدة الأميركية بتونس بعد رفض رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة استقبال السفير الأميركي بسبب مواقف بلاده من العدوان على غزة”.

ولم تعلن مرابط عن فحوى الرسالة الأميركية، لكنها أكدت أنها تتعلق بمشروع قانون تجريم التطبيع، وتأتي بعد رفض الطلبات الأربعة التي تقدم بها السفير الأميركي، جوي هود، لمقابلة بودربالة.

وهذا الأمر دفع الرئيس قيس سعيد إلى التوجه بخطاب للتونسيين، نفى فيه تدخله في عمل البرلمان، كما دعا إلى إدراج “جريمة خيانة الشعب الفلسطيني” في القانون التونسي، والنظر إليها على أنها “خيانة عظمى”.

تناقض واضح

فيما ذكر موقع “العرب” الإلكتروني في 4 نوفمبر 2023، أن الرئيس التونسي يعمل على منع تمرير القانون، وسط جدل برلماني بخصوصه.

وذكر المصدر ذاته، أن الرئيس سعيد يفرّق بين الموقف السياسي المناهض للتطبيع، وبين إرساء قانون قد يجلب مشاكل إضافية لتونس في الوقت الذي تعاني فيه من أزمة اقتصادية ومالية حادة.

وقال الموقع إن هناك مخاطر قد تمسّ العلاقات الاقتصادية للبلاد بسبب هذا القانون، موضحا أن الكثير من الشركات والمستثمرين في أوروبا ممن تتعامل معهم تونس يحملون جنسية مزدوجة، أوروبية وإسرائيلية، ولديهم مصالح في إسرائيل أو مع شركات لديها علاقات مع إسرائيل.

ولذلك، يردف المصدر ذاته، “لا يمكن بأيّ حال وقف علاقات تونس الخارجية لأجل قانون يتم الدفع لتمريره في البرلمان لاعتبارات شعبوية ومزايدات سياسية”.

ويرى المراقبون، وفق الموقع، أن تونس ليست في وضع يسمح لها بأن تملي شروطها، أو أن تختار مع من تتعامل. ولهذا يتحرك الرئيس سعيد لقطع الطريق على القانون حتى وإن كان يتماشى مع مواقفه السياسية وتصريحاته. لكن الموقف السياسي شيء والقانون شيء آخر مختلف.

ونقلت وسائل إعلام حكومية، في 3 نوفمبر، عن النائب عبد الرزاق عويدات المنتمي إلى مجموعة النواب الذين تقدموا بمشروع القانون قوله “نحن نتمسك بمبادئ هذا القانون وبتمريره”.

مقالات ذات صلة