“بورتسودان” عاصمة بدل “الخرطوم” ودارفور قد تنفصل .. هل اقترب تفكك السودان؟

بات من الواضح أن مخاطر الحرب الدائرة بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) بدأت تشكل خطرا حقيقيا على وحدة السودان، وسط توقعات أن تنفصل وتتفتت بعض أقاليمه.
خروج البرهان أو هروبه من العاصمة واستبداله بورتسودان بـالخرطوم كعاصمة يتحرك منها ويقيم فيها بشكل دائم، بعدما كان محاصرا في الخرطوم، وانتقال الحكومة معه إلى العاصمة الجديدة في بورتسودان.
وكذا تزايد نفوذ قوات حميدتي في دارفور وسيطرتها على أجزاء كبيرة منها، وانحياز قبائل لصالح الدعم السريع، وخروج مليشيات مسلحة عن حيادها وانضمامها لأحد الطرفين.
كل ذلك يهدد بتفكك السودان، ويشكل خطرا بظهور ما يمكن تسميته بـ “السودان الجديد” المقسم.
ماذا يجرى؟
بسبب انتشار قوات الدعم السريع بالعاصمة، وعرقلتها أي اجتماعات للحكومة وحصارها، تراجع دور “الخرطوم” في إدارة أزمة البلاد لصالح مدينة “بورتسودان” الساحلية، كمقر حكم آمن له تسيطر عليه القوات البرية والبحرية للجيش.
خروج البرهان منها في 27 أغسطس/آب 2023، وانتقاله إلى بورتسودان مركز ولاية البحر الأحمر، وتحركه منها للعالم الخارجي بدلا من مطار الخرطوم، عزز وضعها عاصمة بديلة، وأظهر أن حميدتي يحكم الخرطوم بينما البرهان يدير بورتسودان.
وعلى غرار سيطرة “التمرد الحوثي” على العاصمة صنعاء وانتقال الحكومة المعترف بها دوليا للميناء الرئيس في عدن، انتقل البرهان وحكومته إلى غرب السودان في بورتسودان.
وأكدت هذا ممثلة وزارة التنمية الاجتماعية السودانية، مكارم خليفة، في اجتماع اللجنة الاجتماعية التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية في 27 أغسطس 2023، مشيرة إلى نقل “العاصمة الإدارية” لمدينة بورتسودان الساحلية.
ولم تنتقل العاصمة الإدارية والسياسية فقط من الخرطوم، بل انتقلت أيضا رئاسة غرفة العمليات التي تقود العملية العسكرية من مقر قيادة الجيش.
وقال الوزير السوداني السابق، إبراهيم الميرغني، إن “الدعوة لتشكيل حكومة في المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة (بورتسودان) تفتح الباب أمام تقسيم السودان”.
ورأى في تغريدة عبر منصة “إكس” في 5 سبتمبر/ أيلول 2023، الحديث عن “عاصمة بديلة” في هذا التوقيت “هو مجرد كلام تبريري لفشل دعاوى الحسم العسكري، ويمهد لمخطط تقسيم السودان”.
انفصال دارفور
بالتزامن، تصاعدت لغة التهميش في دارفور والحديث في عدد من منتديات السودانيين ومجالسهم الغاضبة عن فصل إقليم دارفور،
لأنه أصبح في نظرهم “عبئا ثقيلا، وبؤرة للصراعات” والمشاكل التي عانى السودان كله من تبعاتها وأنهك بسببها، حسبما قال الصحفي السوداني، عثمان الميرغني، لموقع “العربية” في 17 أغسطس 2023.
التحام نار حرب الخرطوم بالصراع الدائر في دارفور، التي تتكون من أكثر من 50 قبيلة، وعوامله التي تأسست على كونها حربا إثنية، والتي زاد عليها الصراع العسكري بين الجيش والدعم السريع، زاد دعوات الانفصال في الإقليم.
ووفق بحث نشره “مركز دراسات الوحدة العربية” (خاص) في ديسمبر/ كانون الأول 2021، فإن التجربة الفيدرالية في السودان لازمها منذ تطبيقها عام 1994 عدد من المشكلات أدت إلى عجز الولايات (الأقاليم) عن القيام بدورها وفق اختصاصاتها وواجباتها.
وأكد البحث أنه “كان للحكومة المركزية دور في هذا التقصير من جانب الولايات بسبب السياسات غير الراشدة، بل حدث تدهور كبير في بعض الولايات، كولايتي غرب كردفان والنيل الأبيض، حيث انعدمت فيها أبسط مقومات التنمية”.
وفي 6 يوليو/تموز 2023 انتشر مقطع فيديو مصور يظهر فيه زعماء قبائل عربية في ولاية دارفور وهم يدعون أتباعهم إلى الانضمام لقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي وترك الجيش.
تأجيج الحرب
زاد من تعقيد المشهد الحربي والسياسي، خروج حركات ومليشيات مسلحة ذات نزعة انفصالية عن حيادها، وإعلان انضمامها لأحد الجانبين المتحاربين بشكل يقوي عوامل ومخاطر تفكك السودان.
وأعلنت حركة مسلحة موقعة على اتفاقية السلام، وهي “حركة تحرير السودان” بقيادة مصطفي تمبور، انضمامها إلى الجيش، حسب تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، في أغسطس 2023.
واختارت “لجان المقاومة”، وهي التنظيمات الشبابية التي قادت الثورة ضد نظام البشير وضد انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021 (الذي أطاح فيه البرهان وحميدتي برئيس الحكومة الانتقالية عبدالله حمدوك)، الوقوف مع الجيش، وبعضها وقف على الحياد.
إذ لم تعد الحرب بين الجيش و”الدعم السريع” وحسب، لأن الجيش يرى أنها “حرب وطنية” يجب أن يقاتل فيها الجميع إلى جانبه، ومثله يقول “الدعم السري” إنها “حرب ضد النظام السابق وفلوله”، لاستعادة الانتقال المدني الديموقراطي.
ومنذ بداية الحرب، يطرح محللون ومراكز أبحاث سيناريوهات مختلفة لمستقبلها وهل تتحول إلى حرب أهلية طويلة الأمد، أم ينتصر الجيش أو الدعم السريع.
لكن السيناريو الأخطر هو هل ينتهي الأمر بتقسيم وتفكك البلاد وانفصال أقاليم في ظل سيطرة الجيش وأنصاره على مدن ومناطق والدعم السريع بالمثل.
وفي 31 أغسطس/آب 2023، حذر البرهان من أن البلاد ستنقسم إذا لم يتم حل الصراع المميت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية المنافسة، بحسب “وكالة أسوشيتد برس”.