بعد دخوله في انتفاضة الأقصى.. ماذا يريد حزب الله؟

يسعى حزب الله إلى الدخول في أي معركة دائرة في المنطقة، خاصة في الأراضي الفلسطينية، ولعل أبرز الشواهد على ذلك، توجيهه قذائف إلى إسرائيل خلال انتقاضة الأقصى، في محاولة لركوب الموجة.
وانتفاضة الأقصى التي نفذتها كتائب القسام التابعة لحركة “حماس”، أخذت صدى دولي كبير، ودعم عربي واسع، لما لا، فعلى بغتة دخل أفراد كتائب القسام الأراضي الإسرائيلية باستخدام الدراجات النارية والقوارب وفرضوا حصارا بريا وبحيرا وجويا، في أربع ليالي أرعبت إسرائيل، وقاموا بإطلاق وابل من آلاف الصواريخ من قطاع غزة، في عملية أطلق عليها اسم “طوفان الأقصى”.. فما أجمل أن ننتفض من أجل إعادة الحق لأصحابها، واسترداد أرضنا الحبيبة “فلسطين” من قبضة الكيان المحتل.
كتائب “القسام” لم تقتصر مهمتها على شن هجوم مباغت على إسرائيل للتأكيد على حق الأرض، بل امتد الأمر إلى الاشتباك في معارك بالأسلحة النارية مع قوات الأمن في جنوب إسرائيل، وقتل عدد كبير من مغتصبي الأرض وكذلك أسر عدد أكبر من الرهائن.
وسائل الإعلام وصفت “انتفاضة الأقصى” وما تلاها من هجوم مضاد من إسرائيل على قطاع غزة، بالتصعيد الأعنف بين إسرائيل وقطاع غزة منذ مايو/أيار الماضي، والأول من نوعه في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن هذا بالتأكيد يستحق عنوان “حق استرداد الأرض” لأن ببساطة “فلسطين باقية وستظل حرة”.
لكن، لإحداث انتفاضة الأقصى بدأت في يوم 7 أكتوبر، وكأن فلسطين تريد كتابة التاريخ في هذا اليوم، وتعطي إسرائيل درسا قاسيا في “الأدب”، ليكون عيدا جديدا للنصر على إسرائيل، بعد عيد 6 أكتوبر للشعب المصري، الذي يحتفلون فيه بالنصر على العدو الإسرائيلي واسترداد أرض سيناء منذ 50 عاما.
وبالنظر تحديدا إلى ما حدث في انتفاضة الأقصى، فنرى أن “جهنم” قد فتحت في يوم 7 أكتوبر على الإسرائيليين، وتحديدا في اليوم الأخير من عيد المظلات “سوكوت” في إسرائيل، وبعد خمسين عاماً على حرب أكتوبر 1973 التي قتل فيها 2600 إسرائيلي وبلغ عدد القتلى والمفقودين في الجانب العربي 9500 خلال ثلاثة أسابيع من القتال.
القصف المتواصل من جميع الجهات، تم من قبل كتائب “القسام” في فلسطين، وكذلك من حزب الله من لبنان، فكانت حركة “حماس” الفلسطينية قد نفذت هجمات مفاجئة على الأراضي الإسرائيلية أسفرت عن سقوط المئات من الجرحى والقتلى، ووفقا لما أعلنت وزارة الصحة في غزة، فسقط المئات من القتلى في القطاع بعد القصف الإسرائيلي.
وما فعلته كتائب القسام، من بث مقطع فيديو يظهر أسر مقاتليها لعدد من الجنود الإسرائيليين، وكما أعلنت حركة الجهاد الإسلامي احتجازها “عدداً من الجنود الإسرائيليين”، يؤكد مدى الرعب والخوف والهلع الذي تعيشه تل أبيب، وشقيقاتها اللاتي تعاونها وتدعمها في حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، لمحاولة محو القضية الفلسطينية من التاريخ بدعم دولي لا يعرف الإنسانية.
ولعل “خير دليل” على حديثنا هذا، هو إعلان إسرائيل أنها في حالة حرب، وتنفذ ضربات ضد أهداف تابعة لحماس في غزة، وكذلك قول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن يستخدم الجيش الإسرائيلي “كل قوته للقضاء على حماس”، بعد أن قال “سنضربهم حتى النهاية وننتقم بقوة لهذا اليوم الأسود الذي ألحقوه بإسرائيل وشعبها”.. فهذا اعتراف رسمي بما تعيشه إسرائيل من أيام سوداء كاحلة.
ما يدعو للاستغراب، هو دخول “حزب الله” اللبناني على خط الحرب الدائرة بين حركة حماس وإسرائيل في قطاع غزة والغلاف المحيط به، بعدما قصف منطقة مزارع شبعا التي يعتبرها لبنان أرضاً محتلة.. فلماذا؟!
وعلى الرغم من دخول “حزب الله” الحرب لمناصرة القضية الفلسطينية، إلا أنه يدفع لبنان إلى أن تبقى غزة جديدة من فقر ودمار وأشياء أخرى.
وكان البداية، عندما أعلن “حزب الله” صباح الأحد بتوقيت بيروت، في اليوم الثاني لانتفاضة الأقصى، الهجوم على ثلاثة مواقع إسرائيلية في منطقة مزارع شبعا وهي: موقع الرادار وموقع زبدين وموقع رويسات العلم بأعداد كبيرة من قذائف المدفعية والصواريخ الموجهة، فيما رد الجيش الإسرائيلي بقصف عبر طائرة مسيرة خيمة نصبها حزب الله في مزارع شبعا قبل أشهر، والتي طالبت إسرائيل بإزالتها سابقاً، فيما طالب لبنان بانسحاب إسرائيل من شمال منطقة الغجر التي يعتبرها لبنان محتلة مقابل تفكيكها.
وفعليا، بسبب دخول “حزب الله” على خط الحرب الفلسطينية الإسرائيلية، قامت إسرائيل بقصف منطقة مصدر النيران في لبنان، وأوقعت جرحى في صفوف المواطنين، ولم تكتفي تل أبيب بذلك، بل قامت بإسقاط مسيّرة تابعة لحزب الله عبرت الحدود اللبنانية قرب مدينة صفد شمالي إسرائيل، ثم قالت إن اعتراض” “الباتريوت” كان بسبب إنذار كاذب
وبينما تعيدنا هذه المناوشات إلى سابقاتها في سنوات ماضية، يزداد الموقف الإسرائيلي تعقيداً مع استمرار العملية العسكرية التي تشنها حماس، مع غموض حول دخول حزب الله إلى المشهد.
وفي الحقيقة، هذه العملية” فلسطينية خالصة” ولا تتطلب دخول أي جهات أخرى على الخط، حيث بدأت عملية كتائب القسام، عملية عسكرية غير مسبوقة تحت اسم “طوفان الأقصى” يوم السبت الماضي، تسلّل فيها عناصرها عبر الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة، بينما تساقط وابل من صواريخ غزة على إسرائيل، ونجحت في قتل أكثر من 600 إسرائيلي وجرح أكثر من ألفين بينهم عناصر من الجيش والشرطة، كما أسر عدد كبير لم يتم حصره رسميا.. في مشهد قوي للانتقاضة ومخيب لآمال إسرائيل.
وردت إسرائيل من تنفيذ عملية “السيوف الحديدية”، “لتدمير القدرات العسكرية والإدارية لحماس والجهاد الإسلامي”- بحسب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو-، وهذا في الحقيقة ليس إلا تبرير لفشلهم في صد المقاومة الفلسطينية، ونوعا من سياسة “إظهار العضلات” على أنها دولة قوية ترد بشكل أعنف على هجمة فلسطينية بسيطة “ضربتها في مقتل”.
ولكن بعد كل ما حدث، يجب أن نقف هنا لنعرف مقاصد “حزب الله” من إقحام نفسها في هذه الحرب؟!
وما يدعو أكثر للاستغراب، هو تصريحات رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفي الدين، تعقيباً على عملية الحزب، حيث قال إن “على نتنياهو أن يعلم بأنّ هذه المعركة ليست معركة غزة فحسب… نحن لسنا على الحياد”، وأضاف أن “المقاومة أرسلت صباحاً رسالة في كفرشوبا، لتقول إنّ من حقنا أن نستهدف العدو الذي لازال يحتل أرضنا، وهذه رسالة يجب أن يتمعّن بها الإسرائيلي جيداً”.
وبينما حذّر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ريتشارد هيخت قائلاً “نوصي حزب الله بعدم التدخّل. وإذا قام بذلك، فنحن مستعدّون”، إلا أن الحركة اللبنانية لازالت تقحم نفسها في هذه الحرب!
ولكن، بعد توقف الغارات الفلسطينية ضد إسرائيل.. هل سيواصل” حزب الله “ركوب المشهد وإقحام نفسه في أي انتصارات تحدث على أرض فلسطين، دون أن يعيد ترتيب أوراقه ويصلح أوضاعه الداخلية؟