بعد تجاهلها.. ما خطة تركيا للانخراط في ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا؟

يتواصل الاهتمام العالمي بالممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي كشف عنه الرئيس الأميركي جو بايدن أمام قادة قمة العشرين في 9 سبتمبر/أيلول 2023.
وقال بايدن إن الممر الاقتصادي، يضم استثمارات في السفن والسكك الحديدية، ويربط الهند بأنحاء أوروبا، عبر الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل.
وبدوره، تحدث مركز دراسة الأزمات والسياسات – أنكاسام عن إمكانية أن يحد الممر من النفوذ الصيني بالعالم من عدمه.
إمكانات الممر
ويتألف الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا من جزأيْن: الجزء الأول هو الممر الشرقي، الذي سيوفر الربط بين الهند ودول الخليج.
والجزء الثاني هو الممر الشمالي الذي سيوفر الربط الخليجي الأوروبي. وسيمر الممر أيضا عبر الأردن وإسرائيل، ثمّ سيصل بعد ذلك إلى أوروبا عن طريق الإدارة القبرصية اليونانية لجنوب قبرص واليونان.
وقال الكاتب التركي إيمره كايا: “هناك حاجة إلى استثمارات مختلفة لإحياء الممر، ومن المهم تنفيذه في إطار الشراكة العالمية للبنية التحتية والاستثمار التي أسستها مجموعة الدول السبع لتكون بديلاً لمشروع الحزام والطريق الصيني”.
ومثلما تستثمر الصين في البلدان الواقعة على طول ممر الحزام والطريق، خصصت الشراكة العالمية للبنية التحتية والاستثمار 200 مليار دولار من استثمارات البنية التحتية في البلدان النامية.
ويتيح هذا الممر فرصةً لبناء نفوذٍ لعدة أطراف مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند بشكل أكبر على عكس ممر الحزام والطريق.
وأضاف كايا: سيعمل الممر في كلا الاتجاهين؛ فمن جهة سيتم نقل المنتجات المختلفة من الهند إلى أوروبا، ومن جهة أخرى، سيجري إرسال موارد الطاقة في الشرق الأوسط إلى كل من أوروبا والهند.
واستدرك كايا: كانت الهند على اتصال مع مختلف البلدان لإنشاء خط آمن ومستقر إلى أوروبا.
وظهرت فكرة هذا الممر نتيجة لمفاوضات قادة الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والهند. وقد بدأت نيودلهي في وضع الأسس لممر يمتد إلى أوروبا بعد توقيع اتفاقات مختلفة.
ومن المرجح أن ينبض ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا بالحياة، على فرض أن الدول السبع والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي داعمون للمشروع.
بالإضافة إلى أن الهند لديها تجارة كبيرة مع دول الخليج، حيث يبلغ حجمها مع الإمارات حوالي 85 مليار دولار، وهذا يدل على أن هناك بالفعل رابطة قوية بين الطرفين.
تجاهل تركيا
وقال كايا إن أنقرة يجري تجاهلها في هذه المرحلة. فبسبب العلاقات التي أقامتها مع منافسها الأزلي باكستان، كانت الهند تنظر إلى تركيا بشكل مشكوك فيه.
وفي حين عززت الهند علاقاتها مع منطقة الخليج، كانت العلاقات التركية متوترة مع البلدان المذكورة (أثناء المناقشات بشأن المشروع).
بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن القول إنّ اتفاقيات الدفاع التي أبرمتها الهند مع جمهورية قبرص الشمالية واليونان كانت فقط ضمن إطار ممر آمن أو علاقات ثنائية قوية.
فالهند ترسل أيضاً أسلحة إلى أرمينيا عبر إيران. ويمكن القول في هذه النقطة إن نيودلهي تحاول وضع ضغوط ثنائية على أنقرة.
وأشار الكاتب إلى أنه بينما يقلل الممر بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا من الأهمية الجيوسياسية لتركيا فإنه يجعل اليونان والإدارة القبرصية اليونانية أكثر قيمة لأوروبا.
وفي هذا السياق، فإنّ تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 11 سبتمبر خلال عودته من الهند، بأنه “لا يمكن أن يكون هناك ممر بدون تركيا” دليل على تجاهل أنقرة.
وإحدى إستراتيجيات تركيا هي إدراج الهند في الممر الأوسط الذي يتصل بجورجيا وأذربيجان وبحر قزوين عبر السكك الحديدية والطرق، ثم يتابع إلى تركمانستان-أوزبكستان-قرغيزستان أو كازاخستان للوصول إلى الصين.
وأضاف كايا: مع ذلك، تشكل باكستان وأفغانستان التي لا تزال تعد مصدرا لتهديدات متنوعة عائقا كبيرا.
وتعد العلاقات بين تركيا وباكستان مصدر قلق لنيودلهي، حيث تعمل أنقرة على بناء السفن الحربية للبحرية الباكستانية وتوجد روابط قوية بين الجانبين.
ويشكل التعاون العسكري بشكل خاص مصدر قلق للهند التي تعد باكستان تهديدا. ومن هنا يتضح سبب إرسال نيودلهي للأسلحة إلى أرمينيا.
التأثير المحتمل
وعلق كايا بأن الآثار المحتملة لممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا على التوازن الإقليمي والعالمي تثير الجدل.
فعلى الرغم من عدم وضوح الأثر الذي سيحدثه الممر في المدى القصير، فإن وجود تأثيره في المدى المتوسط والبعيد واضح.
وستحتفظ الصين بأهميتها بالنسبة لأوروبا حتى الانتهاء من تنفيذ الممر، ولكنها قد تواجه مشاكل اقتصادية فيما بعد، وفق تقدير الكاتب.
بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمالية لتطبيق الممر في مناطق أخرى من خلال التعاون بين مجموعة الدول السبع والهند.
وأشار الكاتب إلى أن رغبة الهند في أن تصبح قوة عالمية منافسةً للصين واضحة. ولذلك ستتوسع نيودلهي في مختلف المناطق من أميركا اللاتينية إلى إفريقيا.
وسيؤثر صعود الهند على المعادلات العالمية والإقليمية وعلى سياسات تعزيز القوة العسكرية للدول.
وقد يتحول التنافس بين الممرات إلى صراعات مع إحداث عدم استقرار للفوز بالمزيد من المساحة الجغرافية أو إضعاف الخصم، بحسب تقدير الكاتب.
وتابع: “يمكن فهم إرسال الهند للأسلحة إلى أرمينيا كجزء من إستراتيجية زعزعة الاستقرار في المناطق التي يمر بها مشروع الحزام والطريق”.
وختم الكاتب مقاله قائلاً: تعارض نيودلهي مشروع الحزام والطريق بنفس القدر الذي تعارض به الصين ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا.
ويعتقد الخبراء الصينيون أن هذه الخطوة في الواقع هي خطة أميركية وأن الهدف هو عزل الصين عن الشرق الأوسط وأن هذا المشروع لن يتحقق.
ومع ذلك، فإن إمكانية تنفيذ ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا مرتفعة طالما أن هناك مصدرا للأموال والسياسة من الغرب وهناك رغبة وقوة عمل من نيودلهي.