انتفاضة عربية في دير الزور ضد مليشيات “قسد”.. ما الأسباب والنتائج المتوقعة؟

اشتعلت انتفاضة حقيقية هي الأولى من نوعها من قبل العشائر العربية بمحافظة دير الزور شمال شرقي سوريا ضد هيمنة وانتهاكات قوات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة من واشنطن ورفضا لإدارتها لتلك المناطق.
ورغم أن قرى وبلدات بدير الزور تسيطر عليها “قسد” وهي العمود الفقري لقوات “ي ب ج” الكردية، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني “بي كا كا”، تعاني من نقص الخدمات والاعتقالات لشبابها فإن حادثة جديدة فجرت الحراك الجديد ضد هذه المليشيات.
إذ أقدمت إدارة “قسد” على اعتقال أحمد الخبيل “أبو خولة” قائد “مجلس دير الزور العسكري” التابع لها إضافة إلى نائبه “خليل الوحش” في 27 أغسطس/آب 2023.
وجرى اعتقال هذين عبر خدعة استدراجهما من قبل قسد إلى اجتماع في استراحة “الوزير” بالحسكة في التاريخ المذكور آنفا واعتقلتهما بشكل كامل.
وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، في 30 أغسطس 2023 عزل قائد مجلسها في دير الزور، أحمد الخبيل من منصبه، و4 آخرين من قادة المجلس.
وزعمت “قسد” التي يقودها “مظلوم عبدي” في بيان، أن اعتقال “الخبيل” جاء “بناء على أمر اعتقال من النيابة العامة في شمال وشرق سوريا”.
وأضافت أن الأمر جاء بسبب “ارتكابه العديد من الجرائم والتجاوزات المتعلقة بتواصله وتنسيقه مع جهات خارجية معادية للثورة، وارتكاب جرائم جنائية بحق الأهالي والاتجار بالمخدرات”.
وفي يوليو/تموز 2023 دارت اشتباكات بين “ي ب ج” ومجلسها العسكري في دير الزور، بعد محاولة عزل “أحمد الخبيل”، قتل فيها 3 من الطرفين، وأصيب 13 آخرين، وانتهت بضغط من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على قيادة “قسد” التي اضطرت إلى إنهاء الاشتباكات، والقبول بسحب قواتها من المحافظة.
ونجا أحمد الخبيل من محاولة اغتيال حينما كان يستقل سيارته في حي النشوة بمدينة الحسكة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
انتفاضة العشائر
ورغم أن “الخبيل” المنحدر من عشيرة “البكير” التابعة لقبيلة العكيدات أكبر القبائل العربية في سوريا، هو أحد أذرع “قسد” وليس على وفاق مع الحاضنة الشعبية، فإن أبناء العشائر عدوا الحادثة شرارة لمراجعة سياسات هذه المليشيات وانتهاكاتها ضدهم.
وتنتشر القوات الأميركية في 11 قاعدة ونقطة عسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات “قسد” شمال شرقي سوريا.
ويسكن تلك المناطق ذات الغالبية العربية نحو 2.5 مليون نسمة من إجمالي 23 مليونا لجأ منهم نحو 7 ملايين إلى الخارج بعد الحرب، بينما تعرف هذه المناطق بسلة غذاء سوريا.
وتحكم قسد خط قرى وبلدات دير الزور على الضفة اليسرى من نهر الفرات الغنية بالنفط بقوة السلاح الأميركي وتتلقى من واشنطن الدعم العسكري والخدمي والمالي، فضلا عن سرقة عوائد النفط دون تحسين الواقع المعيشي لتلك المناطق العربية مئة بالمئة.
وفي محاولة لإظهار العشائر العربية رفضها لـ “قسد”، شن أبناء قرى وبلدات ريف دير الزور هجمات بالأسلحة الخفيفة على حواجز ومقار تلك المليشيات وطردتهم من بعض النقاط وسيطرت على بعض المدن بشكل كامل.
وقدرت شبكات محلية مقتل نحو 70 عنصرا من “قسد” منذ بدء الاشتباكات في دير الزور خلال ثلاثة أيام (حتى تاريخ 31 أغسطس 2023)، في حين أشارت إلى سقوط 11 قتيلا من العشائر العربية.
وتزامن ذلك مع دعوات شيوخ العشائر العربية للتحالف الدولي بدعم تشكيل إدارة مدنية في المحافظة، خارج سيطرة مليشيا “قسد”.
رسالة للتحالف
وفي السياق، طالب اثنان من شيوخ العشائر في دير الزور التحالف الدولي بوقف العملية العسكرية ودعم تشكيل “إدارة مدنية” جديدة في المحافظة.
ودعا شيخ عشيرة العكيدات إبراهيم خليل الهفل، في تسجيل صوتي نشره بتاريخ 30 أغسطس، إلى توحيد الصف والكلمة في مواجهة “قسد”، مؤكدا على أن “الحراك عشائري بشكل مطلق وليس كما تدعي قوات سوريا الديمقراطية أنه تحرك لخلايا إرهابية”.
ووجه الهفل رسالة للتحالف الدولي طالب فيها بتشكيل مجلس قيادة عسكري من أعيان عشائر دير الزور، على أن يكون الاتصال مباشرا مع التحالف الدولي “لضبط الأمن والأمان وتأمين الخدمات في المنطقة”.
من جانبه طالب شيخ عشيرة “البكير” عبد العزيز الحمادة، في بيان مصور بتاريخ 30 أغسطس 2023، التحالف الدولي بتحمل مسؤولياته بصفته الجهة المسيطرة على الأرض والداعمة لـ “قسد”.
وأكد الحمادة على أن “الصراع الذي تشهده دير الزور بين العشائر وقسد ليس نتيجة اعتقال مجموعة أشخاص، لا سيما أنهم موظفون عند الأخيرة وسخروا أنفسهم لخدمتها”.
بل هو نتيجة متوقعة لسلسلة الأخطاء التي ارتكبتها القيادة المُعينة من قسد دون الرجوع إلى رأي الشخصيات المهمة في المنطقة على مدار السنوات الخمس الماضية، وفق تقديره.
وطالب الشيخ التحالف الدولي بدعم تشكيل إدارة مدنية جديدة “تعبر عن إرادة الأهالي وتتمتع بالشفافية والكفاءة”.
كما طالبه بضمان عدم تكرار “أخطاء الإدارة السابقة العسكرية والمدنية التي سخرت إمكانياتها لتحقيق مصالحها الشخصية ضاربة بعرض الحائط استقرار دير الزور”.
إدارة عربية
ورأى أبناء المنطقة أن الفرصة حانت لإنهاء تغول “قسد” هناك وارتكابها تجاوزات بحق الأهالي منها الاعتقال التعسفي للمخالفين له، وفرض التجنيد الإجباري عبر استغلال ضعف الحالة المعيشية.
ورأى عدد من مثقفي دير الزور المناوئين لقسد والنظام السوري، أن المنطقة تحتضن كفاءات قادرة على إدارة شؤونهم، وأن على واشنطن قبول ذلك لتجنيب المنطقة المزيد من “الدماء”.
وحول هذه الجزئية أكد المتحدث الرسمي لمجلس القبائل والعشائر السورية المعارضة مضر حماد الأسعد: “أن الحراك العشائري في دير الزور سيقودها إلى إدارة مناطقها بداية منها وحتى جنوب محافظة الحسكة وإلى حدود الرقة؛ لأن هذه العشائر ترفض بشكل قاطع وجود مليشيات بي كا كا في مناطقها”.
ومضى يقول: “المنطقة تريد أن تستعيد كيانها وخيراتها من النفط والزراعة والمياه بعيدا عن مليشيات بي كا كا وعن الشخصيات السيئة التي جلبتها لإدارة المناطق بقوة السلاح الأميركي من أجل القضاء على الحركات الثورية هناك”.
ويرى الائتلاف الوطني السوري المعارض، أن “الإدارة الذاتية” الكردية التي تتبع لها قسد، تسعى لسلخ أراضي سوريا وإقامة كيان انفصالي شمال شرقي البلاد عند الحدود مع تركيا، ولا سيما بعد تهجير الكثير من السكان العرب من قراهم ومدنهم بقوة السلاح الأميركي.
و”الإدارة الذاتية” التي تتركز في مناطق سيطرتها 90 بالمئة من ثروتي النفط والغاز فضلا عن مناطق زراعية خصبة واسعة، لا تحظى بأي تمثيل سياسي داخل أجسام المعارضة الرسمية.
إنهاء التغول
وضمن تكاتف المواقف من القبائل العربية ضد “قسد”، دعا الشيخ عامر البشير من قبيلة “البكارة”، مشايخ عشائرها إلى تحمل المسؤولية التاريخية، وحث شبابها للنهوض بوجه فروع “بي كا كا” وطردها من دير الزور، حسبما قال في بيان مصور بتاريخ 31 أغسطس 2023.
وهذه القرى تطل على النهر وتقابل مناطق تستولي عليها مليشيا “قسد”، كما يسيطر النظام على كامل الضفة اليمنى من النهر.
وأكد الناشط الميداني أحمد العكيدي من أبناء مدينة الشحيل التي طرد أبناؤها “قسد” منها أخيرا أن “ما يحدث في دير الزور هو مقاومة حقيقية من العشائر ضد قوات سوريا الديمقراطية، وليس نصرة لأبو خولة بل كرها بممارسات وجرائم (قوات سوريا الديمقراطية) بحق المكون العربي طيلة السنوات الماضية”.