انتخابات 2023: تركيا تبحث عن رئيس

بعد إسدال الستار عن نتائج الانتخابات التركية 2023، وعدم تمكن أيّ من المرشحين تخطي عتبة 50 في المئة من الأصوات، (طيب رجب أردوغان 49.51 في المئة، كمال قليجدار أوغلو 44.88 في المئة، سنان أوغان 5.17 في المئة)، تتجه الأنظار نحو جولة الإعادة “غير المسبوقة” يوم 28 مايو بين أردوغان وقليجدار أوغلو لحسم منصب الرئاسة.
ويوصف سنان أوغان بـ”بيضة القبان” أو “صانع الملوك”، وهو “القومي المتطرف”، فباستطاعته حسم الجولة الثانية لأردوغان أو لكمال قليجدار أوغلو. بمعنى، رغم أنه مرشح الرئاسة الأضعف – حصل على 5.17 في المئة من خارطة الأصوات – إلا أنه قد يحسم كفة الميزان بين المرشحين في جولة الإعادة. وهذا يعتمد على حجم التنازلات التي سيقدمه له المتنافسان على الرئاسة.
وحصل قليجدار أوغلو على دعم قوي من حزب الشعوب الديمقراطي الكردي (خاض الانتخابات البرلمانية باسم حزب اليسار الأخضر خوفا من حظر حزب الشعوب)، مما ساعده على الفوز بأغلبية كبيرة في المدن الكردية (كردستان الشمالية) مثل ديار بكر ووان. لكن قليجدار أوغلو أمام معادلة صعبة بسبب “شروط” سنان أوغان، إذ صرح بأنه لا يمكن أن يدعم قليجدار أوغلو في جولة الإعادة، إلا إذا وافق الأخير على عدم تقديم تنازلات لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وهذا خيار مستحيل بالنسبة لقليجدار أوغلو، الذي لا يتخلى عن 9 في المئة من أصوات الناخبين، لكي يحصل على 5 في المئة من أصوات سنان أوغان.
رغم ذلك، هناك تقارب بين أوغان وقليجدار أوغلو فيما يتعلق بملف اللاجئين – تم استخدام هذا الملف كدعاية انتخابية من قبل الساسة الأتراك – وهو ملف أكثر وضوحا، حيث كرر الأخير مرارا تعهده بترحيل السوريين إلى بلادهم في غضون عامين من توليه الرئاسة.
في المعسكر المقابل، يختلف أوغان مع أردوغان في ملف اللاجئين، موقف حزب العدالة والتنمية كان مع العمل على إعادة اللاجئين السوريين طوعا إلى بلادهم بعد أن تتوفر الظروف الملائمة لذلك، ما قد يستغرق وقتا طويلا. في حين يطالب أوغان بإعادتهم فورا.
في هذا السياق، من الصعوبة أن يقبل رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي التحالف بين أردوغان وسنان أوغان، لأن الأخير كان في الحركة القومية وانشق عنها عام 2017، عندما قرر التحالف مع حزب العدالة والتنمية، بمعنى أدق، داخل تحالف أردوغان هناك من لا يريد التحالف مع سنان أوغان.
ومن خلال قراءة خارطة الدعم التصويتي في الانتخابات التركية، نلاحظ أن هناك تباينا مكانيا واضحا في مناطق الدعم لكلا المرشحين. إذ أظهرت نتائج الانتخابات أن أكبر مناطق الدعم للمرشح قليجدار أوغلو هي المدن الكبرى أنقرة وإسطنبول والمناطق الساحلية الواقعة غرب البلاد – بحر إيجة والبحر المتوسط – وهي مناطق نشطة ومستدامة اقتصاديا (السياحة وخدمات الشركات) دعمت حزب الشعب الجمهوري لغرض انتعاش الاقتصاد مرة أخرى. وهي بالتأكيد أغنى من مناطق ساحل البحر الأسود أو وسط الأناضول التي تعد مناطق نفوذ قوية لأردوغان.
في المقابل، شكلت مدن وسط الأناضول “المحافظة” والتي تتسم بالطابع الريفي والتصويت التقليدي، مناطق دعم مهمة لأردوغان، بفضل “نظام المحسوبية” الذي وضعه أردوغان في السنوات الأخيرة، حيث تعيش الملايين من الأسر في هذه المناطق على الإعانات الحكومية؛ إذا خسر أردوغان، فهم يخشون عدم تلقي هذه المساعدات بعد الآن.
كما أظهرت نتائج الانتخابات صعود التيار القومي “المتطرف” من خلال الأصوات التي حصل عليها أردوغان وتحالفه، في المقابل هناك تصاعد نوعي كبير في المد اليميني القومي في تحالف قليجدار أوغلو. فزيادة شعبية اليمين المتطرف في كلا المعسكرين ترجع لأسباب من أبرزها اللاجئون السوريون (3.7 مليون لاجئ سوري يعيشون في تركيا)، ومعاداة الغرب.
نلاحظ مما سبق، أن الخارطة الانتخابية التركية لعام 2023، شهدت تراجع أعداد المصوتين لحزب العدالة والتنمية (فَقدَ 7 في المئة من أصواته بالبرلمان في 5 سنوات)، رغم ذلك احتفظ بالأغلبية في البرلمان من خلال تحالفه مع القوميين المتطرفين، بمعنى بات من الصعب تغيير النظام الرئاسي إلى برلماني.
كما اتسمت التحالفات بغلبة الطابع القومي على الطابع الإسلامي والعلماني، ولهذا تداعيات كبيرة على آلية تشكيل الحكومة، والتعامل مع الأقليات، وكذلك قضية اللاجئين التي تعد ملفا شائكا بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي.
تزامنا مع العملية الانتخابية، لامست الليرة مستويات منخفضة جديدة مقابل الدولار وتراجعت الأسهم في بورصة إسطنبول بنحو 6.4 في المئة، بعد إدراك أن عصر الاقتصاد غير التقليدي لأردوغان قد لا ينتهي، وسوف نشاهد المزيد من الانخفاض في قيمة الليرة قبل الجولة الثانية، وهذا يصب في صالح المعارضة.
ورغم أن أردوغان له الأفضلية بالفوز، إلا أنه من الصعب للغاية تجاوز عقبة كمال قليجدار أوغلو، الذي بات رقماً صعباً في المواجهة.