النمر الهندي والتنين الصيني …هل تنهي نيودلهي طموحات بكين؟

باتت الهند من أهم القوى الصاعدة في آسيا والعالم خلال الحقبة الأخيرة، وباتت تشكل محور نفوذ وقطبا موازيا للعملاق الصيني.
ظهر ذلك عندما أضافت الهند قمة مجموعة العشرين في 9 سبتمبر/ أيلول 2023، بنيودلهي، حيث توافد كبار قادة العالم إلى قصر “بهارات ماندا بأم” في ميدان براغاتي، بالعاصمة.
لكن الزلزال الأكبر في هذه القمة تمثل في إعلان الصين غياب رئيسها، شي جين بينغ.
وجاهدة تسعى الهند لامتصاص آثار الصدمة ومعالجتها لأن إعلان بكين غياب الرئيس كان مفاجئا، خاصة أنها المرة الأولى التي يغيب فيها “شي” عن هذه القمة منذ توليه المنصب عام 2013.
تصعيد محتمل
وتمثل أعمال القمة الـ18 خصوصية للهند، كونها أول قمة لمجموعة العشرين تعقد في الهند وكذلك في جنوب آسيا.
لكنها تمثل أيضا دلالة على مدى الأهمية التي باتت تتمتع بها الهند، والتي تهدد أقوى قوة في آسيا، وثاني قوة عالمية وهي الصين، في أكثر من جبهة، مثل التعداد السكاني والنمو الاقتصادي والتطور العسكري.
وتتخذ بكين إستراتيجيات عدة لكبح جماح وصعود نيودلهي، ووصل الأمر إلى تكرار الاشتباكات الحدودية ووقوع قتلى، مع تحذيرات متكررة بإمكانية اشتعال حرب كارثية بين القوتين النوويتين.
والتاريخ القريب يحمل في طياته حربا حقيقية اشتعلت بين الدولتين، بسبب الأراضي المتنازع عليها على طول حدود الهيمالايا البالغ طولها نحو 3 آلاف كيلو متر.
وفي 1 سبتمبر/ أيلول 2023، كشفت صحيفة “التايمز” البريطانية أن “بكين تسرع في بناء شبكتها من المخابئ والأنفاق تحت الأرض في المناطق المتنازع عليها على الحدود مع الهند”.
وتوقعت أن تثير تلك الخطوة “احتمال تصعيد عسكري بين الجارتين النوويتين”.
وذكرت الصحيفة أن صور الأقمار الصناعية أظهرت أعمال بناء صينية في لاداخ الشرقية، بما في ذلك مطارات جديدة، ومهابط طائرات عمودية، وقواعد صاروخية، وطرق وجسور على طول الحدود المتنازع عليها.
كما كشفت عن مخابئ وأنفاق تحفر في منحدر التل، والتي يقول خبراء إنها مصممة لحماية الأسلحة والقوات الصينية من الهجمات المحتملة من جانب القوات الجوية الهندية.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن الجنرال المتقاعد بالجيش الهندي، راكيش شارماهي، قوله إن “مثل هذه البنية التحتية تشير إلى الاستعدادات لاحتمال أعمال عدائية.. الصين كانت تنشئ طرقا، وخطوط أنابيب نفط، وأنظمة اتصالات، ومساكن للقوات ومخازن للمعدات على مدار الأعوام الماضية”.
توترات مستمرة
وفي عام 2020، أقر المجلس التشريعي الصيني قانونا نص على وجوب تعزيز التنسيق بين الدفاع الحدودي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المناطق الحدودية.
وجاء ذلك على خلفية تصاعد الخلاف مع الهند حول خريطة نشرتها الصين ضمت ولاية هندية ومنطقة حدودية متنازعا عليها داخل حدودها.
وفي 29 أغسطس/ آب 2023، أصدرت بكين خريطة تضمنت ولاية أروناتشال براديش الهندية وهضبة أكساي تشين داخل حدود الصين.
ووضعت الصور والخريطة حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تحت ضغط أكبر من أحزاب المعارضة، على رأسها حزب “المؤتمر القومي”.
تلك الحدود الملتهبة، تشكل محور أزمة أعمق بين الجارتين، حيث إن الصعود الهندي في أكثر من مجال بات مقلقا لبكين.
بداية من العامل البشري الذي تفوقت فيه الصين لعقود طويلة، كونها الدولة الأكبر في عدد السكان على وجه الأرض، وهو الأمر الذي استمر حتى 25 أبريل/ نيسان 2023.
ففي ذلك اليوم، أعلنت إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة في نيويورك، عبر بيان، أن الهند أصبحت الدولة الأكثر اكتظاظا في العالم بـ1 مليار و425 مليونا و775 ألفا و850 شخصا، متجاوزة بذلك عدد سكان البر الرئيس للصين، لأول مرة في التاريخ.
وأتبعت: “ستكون منافسا قويا للصين التي كانت طاغية ومهيمنة على الأسواق خاصة في آسيا، وكل ذلك ينبع من القوة المشتركة لسكان الهند الآخذين في التزايد”.
الرؤية الأميركية
الأمر الآخر الذي يجعل الهند بمثابة شوكة في ظهر الصين، هو الإستراتيجية الأميركية تجاهها، وتنميتها لكبح جماح التمدد الصيني.
فسر هذا تقرير صحيفة “الإندبندنت” البريطانية في 19 مايو 2021، الذي ورد فيه نصا “لا أحد أكثر أهمية للهند بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية”.
وقالت إن “واشنطن تبحث عن إستراتيجيات لمواجهة الصين الصاعدة بسرعة اليوم، لذلك فإن الهند هي الدولة الأكثر أهمية، وهي وحدها التي يمكنها مضاهاة عدد سكان الصين الهائل، وتوافر العمالة بتكلفة منخفضة”.
وأضافت: “ليس عدد السكان فحسب، فالهند تتمتع بقاعدة عميقة من المواهب الفنية ذات المستوى العالمي، تستطيع من خلاله أن تكون رقما صعبا في معادلة القوة”.
وفي تقرير آخر لصحيفة “يو أس أي توداي” الأميركية، في 9 أغسطس 2023، فإن “الولايات المتحدة والهند تتمتعان بصلات سياسية وثقافية ولغوية قوية، ويرى كلا البلدين في الصين منافسا عسكريا وجيوسياسيا”.
وأورد أن “المصالح الأميركية والهندية ليست متطابقة دائما، لكن أوجه التآزر قائمة، بما في ذلك نقل التصنيع من الصين إلى الهند”.