اللجنة الخماسية.. هل تقود إلى انتخاب رئيس للبنان بعد “فشل” المبادرة الفرنسية؟

يبدو أن الموفد الفرنسي الخاص إلى لبنان جون إيف لودريان، لم يحرز أي اختراق في المهمة الموكلة إليه بعد ثلاث زيارات إلى بيروت منذ تعيينه في 8 مايو/أيار 2023 لإنهاء الشغور الرئاسي في هذا البلد.
وبدا جليا أن المبادرة الفرنسية لم تعمل على تقريب وجهات نظر القوى السياسية اللبنانية حول الاسم التوافقي لرئاسة الجمهورية، بل أخذت منحى الميل لأطراف على حساب آخرين.
مهمة متعثرة
إذ يرى مراقبون أن مهمة لودريان شارفت على وسمها بـ “الفشل”، قبل العودة إلى اللجنة الخماسية الخاصة بلبنان والتي تضم ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، لبحث ملف الرئاسة الشاغر.
ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2022، فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس على وقع انقسام سياسي يزداد حدّة بين حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد،
ودعا بري في 31 أغسطس/آب 2023 الكتل النيابية والفرقاء السياسيين لإجراء حوار لمدة 7 أيام في سبتمبر من العام ذاته، وعقد جلسات مفتوحة تمهيدا لانتخاب رئيس للجمهورية.
وترفض كتل برلمانية رئيسة اقتراح بري رئيس حركة أمل الشيعية، بالجلوس على طاولة حوار، والذي سبق أن طرحه مرارا، من أجل التوافق على شخصية الرئيس قبل التوجه إلى البرلمان لانتخابه.
إذ تفضل تلك الكتل الاحتكام إلى العملية الانتخابية الديمقراطية وأن يفوز المرشح الذي يحظى بالعدد الأكبر من الأصوات.
وخلصت الجلسة الأخيرة في البرلمان للتصويت على انتخاب الرئيس إلى حصول جهاد أزعور على 59 صوتا مقابل 51 صوتا لسليمان فرنجية مرشح الثنائي الشيعي (حزب الله- حركة أمل)
“دائرة التخبط”
وهذا ما أشار إليه الكاتب اللبناني ماهر الخطيب في مقال رأي لموقع النشرة اللبناني في 12 سبتمبر 2023 بقوله: “على الرغم من الرهانات المسبقة، على زيارة المبعوث الرئاسي جان إيف لودريان إلى بيروت، إلا أن غالبية القوى باتت تجمع على أن الرجل غير قادر على تقديم أي جديد يذكر”.
وهو ما دفع إلى انتقال الرهانات على اجتماع اللجنة الخماسية، الذي من المفترض أن يعقد في نيويورك بشهر سبتمبر 2023 إلى جانب تلك القائمة على الدور الذي تقوم به قطر، على تقدير أنها أكثر قدرة على تحقيق خرق ما، بحسب الكاتب.
ونقل موقع النشرة عن مصادر سياسية قولها إن باريس وقعت في أكثر من “فخ” خلال مقاربتها الملف اللبناني.
وأبدت هذه المصادر استغرابها من كيفية “سماح الجانب الفرنسي لنفسه بأن يتحول إلى فريق في الخلاف اللبناني، بينما نجاحه في مهمته كان يتطلب منه أن يحافظ على الموقع الوسطي، القادر على التواصل مع مختلف الأفرقاء”.
وذلك بالرغم “من أنه كان من المفترض أن يعلم مسبقا أنها مدار انقسام بين القوى السياسية اللبنانية”.
إذ إن موجة الرفض لها لا تقل عن تلك التي ظهرت عند توجيه السؤالين الفرنسيين إلى الكتل والشخصيات النيابية، ما يدفع إلى طرح علامات استفهام حول الأسباب التي دفعته إلى ذلك، وفق الموقع ذاته.
تعويل جديد
ومن المؤمل أن تجتمع اللجنة الخماسية المعنية بالشأن اللبناني على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك خلال سبتمبر 2023 لدراسة آخر مخرجات مبادرتها التي يضطلع بمهمتها لودريان.
وتتابع اللجنة الخماسية جهودها لمواكبة آخر تطورات الملف الرئاسي المتعثر في لبنان وتسعى لإحداث ثغرة في جهود تنصيب رئيس جديد.
وكان اللبنانيون يأملون من لودريان أن يلعب على وتر تسهيل إعادة الحوار بين الفرقاء من أجل وصولهم إلى توافق على مرشح رئاسي يضع نهاية لهذا الشغور.
لكن اتضح أن المبادرة الفرنسية مصرة على محاولة فرض مرشح رئاسي بعينه هو الوزير السابق سليمان فرنجية وهو مرشح الثنائي الشيعي “حزب الله – حركة أمل”.
وخلق ذلك أخيرا استهجانا في بيروت؛ الأمر الذي فتح الباب واسعا للانتقال إلى مسارات جديدة بخصوص الملف الرئاسي تركز على إقناع الأطراف كافة بالتفاوض مجددا والحوار للتوصل لحل أزمة الرئاسة التي تكاد تطوي عامها الأول.
اليوم في القراءة السياسية لموقف القوى اللبنانية من مسألة الرئاسة، يقبع حزب الله والتيار الوطني الحر حليفه الرئيس في موقف متباعد.
وهذه التركيبة الجديدة من التحالفات وضعت الكتل المسيحية في مواجهة حامية أمام “الثنائي الشيعي”.
إذ لم ينجح لودريان بحل الخلافات منذ تكليفه موفدا فرنسيا خاصا إلى لبنان في 8 مايو 2023 في محاولة جديدة لإنهاء الأزمة السياسية في البلد العربي.
لودريان والجمود
محاولات ترسيخ الجمود السياسي يعدها بعض الخبراء كارثية للبنان على الرغم من أن الفراغ الرئاسي ليس هو الأول الذي يمر به البلد.
لكن الشغور يأتي هذه المرة والبلاد تعصف بها أزمة اقتصادية وسط تفاقم للوضع المعيشي منذ عام 2019، تسببت في إلقاء نحو 80 بالمئة من المواطنين في براثن الفقر وانهيار تام لليرة.
وأمام ذلك، فإن طاولة مشاورات لودريان في لبنان لم تخرج بنتيجة جديدة تكسر حالة الجمود والتباعد بين الفرقاء والتي تعد محل مهمته الأساسية.
وأردف: “لذلك لن نستكين ونقبل بهذا الواقع حيث نعد رئاسة الجمهورية هي المدخل للخروج من المأزق والواقع المرفوض”.
وترفض قوى لبنانية مثل سامي الجميل قائد حزب الكتائب المسيحي دعوة بري للذهاب إلى حوار، إذ يفضل الحزب الذهاب إلى انتخاب رئيس جمهورية.
لا مبادرة فرنسية
وضمن هذه الجزئية، رأى وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال “مصطفى بيرم” أن “لقاء لودريان مع الجميل كان سلبيا، لاقتناع كثير من الأطراف اللبنانية أن التسوية لم تنضج بعد”.
وأضاف خلال لقاء تلفزيوني على قناة الجديد في 14 سبتمبر 2023: “على سبيل المثال الجانب الإيراني يعلق التسوية في لبنان على ما يقوله أمين حزب الله حسن نصر الله وما يقرره نقبل به”.
ولفت إلى أن “التسوية الخارجية حول الملف الرئاسي لم تنضج بعد وما زلنا في المرحلة الضبابية، ويجب الذهاب للحوار”.
وفي ظل هذه المعطيات يبقى الانسداد في مسار الاستحقاق الرئاسي عالقا بين “ممانعة” تريد الحوار قبل الانتخابات، وبين معارضة تتمسك بالدستور الذي يقتضي إجراء الانتخابات أولا.
فجاء الجواب: “على باريس أن تتبنى تطبيق الدستور، لكون هناك فريق عطل الاستحقاق طوال 13 جلسة ويريد أن يفرض الحوار خارج الدستور”، في إشارة إلى الثنائي الشيعي.